يبدو أن مفارقات مصر الثورة لن تنقضي أبدا. فمنذ سقوط الرئيس السابق حسني مبارك والمشهد السياسي يكشف كل يوم عن نوادر تتفرد بها القاهرة. آخر هذه الفصول تحول ساحة قصر الرئاسة إلى ميدان التحرير الجديد الذي غدا قبلة للتظاهرات الفئوية، الأمر الذي لم يعتده المصريون من قبل، ولم يدر في خلدهم يوما أن يلجوا ساحات القصر للضيافة فضلا عن التظاهر.
وعلى مدار عام ونصف كان ميدان التحرير وسط العاصمة القاهرة قبلة للتظاهرات سواء الفئوية أو السياسية، غير أن (قبلة التظاهر) تحولت الآن، بعد أن أقسم الرئيس الجديد محمد مرسي باستكمال أهداف الثورة وتحقيق مطالبها في خطابه الشهير الذي ألقاه وسط حشود المتظاهرين في ميدان التحرير قبل أن يؤدي القسم رسميا أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية.
وما إن وطئت قدم الرئيس الجديد أبواب القصر حتى حل معها على ساحته التظاهرات الفئوية تارة، والسياسية تارة أخرى، الأمر الذي حدا بمرسي بإصدار قرار يقضي بإنشاء ديوان التظلمات الذي يُخصص بتلقي شكاوى وتظلمات المصريين والعمل على حلها سريعًا، وذلك بعد أن تحوّل مقر الرئاسة هدفًا للمئات لتقديم الشكاوى.
ورغم أن الخطوة لم تفلح بعد في إقناع المطالب الفئوية بنجاعتها، إلا أنها تشكل تعاطيا جديدا مع هذه التظاهرات.
ومن بين أبرز التظاهرات التي شهدها قصر العروبة، أو تحرير مصر الجديد، تظاهرات أسر ضحايا ومصابي الثورة، وكذلك تظاهرات الكثير من العمال والمطالب الفئوية، لكن كان لافتا أن ثمة تغير جرى في المشهد، فبعد أن كان سمة المناطق المحيطة بالقصر، قوات أمن وحراسات تسد الأفق، وشوارع ربما تغلق لساعات من أجل مواكب الرئيس السابق، لم يعد شيئا من هذه المظاهر شاخصا حتى الآن، فالشوارع التي يمر بها مرسي لا تغلق، ومواكبه تحصى على أصابع اليد، فضلا عن رفضه نشر إعلانات تهنئة له.
لكن، ثمة أهداف جوهرية لا يزال ينتظرها رجل الشارع عقب هذه التغييرات الأولية، فالقصر الرئاسي غدا ممثلا عن الشارع وجاء بانتخابات شهد بها القاصي والداني، ولا يكفي فقط السماح بالتظاهر أو تقليل المواكب، بل إن المرحلة المقبلة تترقب إلى أي مدى سيتجاوب القصر مع المطالب، وإلى أي مدى سيطول صبر القصر على هذه التظاهرات، ولا يكف عن الاستماع إليها بل والعمل لتخفيف كثير من جوانب المعاناة التي يضيق رجل الشارع بها ذرعا ليس أقلها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي كانت أحد عوامل اندلاع الثورة وتفجرها.
وإذا كان المتظاهرون غيروا قبلتهم لقصر العروبة فإن هذا لا يعني سوى أن هؤلاء أمامهم مشوار طويل من المطالب لن يثنيهم عنها فتح أبواب القصر وإنما تحقيق أهداف الثورة التي رفعت شعار عيش حرية عدالة اجتماعية.. هذا هو معيار نجاح القصر في التعاطي مع مطالبهم.. وحدها الأيام ستكشف إلى أي مدى سيطول انتظارهم.
ينظر المراقبون والسياسيون بترقب لآلية تعاطي مرسي مع هذه المشكلات، وهل سيفي بوعوده ويقوم ببناء مؤسسات قوية ويدير هذه المشكلات وفق مؤسسة رئاسة تخلق فهما وطريقة جديدة في التعاطي مع الأهداف، أم أن الفرد المؤسسة سيبقى ردحا من الوقت.
اضف تعليق