شيء من الخوف وربما الشكوك تخامر نفس الرئيس التركي ..فعلى وقع احتفاله بمراسم تنصيبه لولاية رئاسية جديدة وسط حضور دولى مكثف ,قام بإقالة نحو 18 ألف موظف معظمهم من المؤسسة العسكرية والأمنية , تحركات أوردغان تثير شهية التساؤلات حول ما الذي يخشاه السلطان رغم توسيع صلاحياته وفق التعديل الدستوري؟
الخطوة الاستباقية التي قام بها أوردغان بهدف تكميم أفواه المعارضة جاءت قبل يوم واحد من وَقف العَمل بقانون الطَّوارِئ المَعمول بِه في البِلاد منذ مُحاولةٍ الانقلاب العَسكريّ الفاشِلة قبل عامين،حيث أصدرت الحكومة مرسوماً تضمن عزل أكثر من 18 ألفاً و632 موظفاً رسمياً غالبيتهم من الجيش والشرطة. وشمل القرار، إقالة 18632 شخصاً من وظائفهم، بينهم 8998 من مديرية الأمن العام في أنقرة، و649 من قوات الدرك التي باتت تابعة لوزارة الداخلية، ونحو 6 آلاف من العسكريين بمختلف الرتب، فيما تم تجريد 1526 من الضباط الذين أقيلوا من مهامهم في الجيش.كما أقيل 1052 من وزارة العدل ما بين موظفين مدنيين وقضاة متدربين، و650 آخرون من وزارة التعليم، إلى جانب إقالة 199 أكاديمياً من وظائفهم بالجامعات. وتضمن المرسوم إغلاق 12 مؤسسة و3 صحف وقناة تلفزيونية
لائحة الإقالات الضخمة تؤشر إلى أن أوردغان والذي بات يتمتع بصلاحيات واسعة يمارس طقوس القمع بامتياز حيث عمد إلى تطهير المؤسسات السيادية داخل الدولة لاسيما المؤسسة الأمنية والعسكرية من جميع معارضيه بل وإقصاء كل من يشك فى ولائهم المطلق مستخدما الذريعة المعتادة وهى انتمائهم لحركة الخدمة، أو كما تسميها الحكومة «منظمة فتح الله غولن الإرهابية»، التابعة لفتح الله غولن المقيم في أميركا والذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة انقلاب فاشلة وقعت في 15 يوليو (تموز) 2016 وفرضت على أثرها حالة الطوارئ.
القرار والذي بدا وكأنه الأخير من نوعه سبقه قبل أيام حملة اعتقالات حيث أصدرت السلطات التركية مذكرات ضبط وإحضار بحق 57 عسكريًا بالخدمة في 28 مدينة، وتسارعت في الأشهر الثلاثة الماضية، وخلال فترة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة التي أجريت في 24 يونيو (حزيران) الماضي، حملات الاعتقالات لاتهامات تتعلق بالارتباط بحركة غولن. وتركزت هذه الحملات بشكل أساسي في صفوف الجيش التركي. شملت الاعتقالات، حسب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان 160 ألف شخص، منهم 50 ألفاً حوكموا في قضايا لها علاقة بالمحاولة الانقلابية، بينما جرى عزل عدد مماثل من أعمالهم في مختلف المؤسسات في الحملة التي تقول الحكومة إنها تهدف إلى تلافي التهديدات التي تتعرض لها تركيا.
خوف أوردغان من تحرك جديد للجيش ضده قد تكون أحد دوافع حملات التطهير والإقصاء الواسعة لاسيما ,ان الجيش التركي يعيش حالة من الغليان الشديد عقب اتهامات للرئيس بتزوير نتائج الانتخابات وتسويد البطاقات لصالحه وحزبه العدالة والتنمية، فضلاً عن تنصيب نفسه رئيسا للمجلس الأعلى للشئون العسكرية،والذي بمقتضاه يحق له إقالة قيادات عسكرية بالجيش وتعيين آخرين دون الرجوع إلى وزير الدفاع ورئيس الأركان، مستغلا الصلاحيات التي أضيفت على الدستور التركي في أعقاب الاستفتاء الذي مرره وحزبه فى أبريل 2017
الليلة المرعبة التي قضاها أوردغان في صيف 2016 جعلته يتحسب من أي ردة فعل للجيش اتجاهه ووصل الأمر إلى حد عقد النية لشراء أنظمة دفاع جوي بعيدة المدى لحماية قصره وهو ما جعل البعض يتوقع إن الرئيس التركي بالفترة الأخيرة متخوف بالفعل من نجاح عملية الإطاحة به هذه المرة .فبالرغم من عمليات الترويض المستمرة للجيش غير أن ذلك لم يطمئنه ولم يلح فى انتزاع هاجس خلعه من السلطة الذي يسيطر عليه إذ يبدو أن الرئيس التركى لديه يقين ثابت بأن الجيش يخطط للإطاحة به ولعل هذ ما يفسر انقلابه فى أغسطس 2017 على قائد قواته الخاصة الفريق زكائي أساكاللي، وتحذيره من مغبة عدم قبول تخفيض منصبه. أساكاللي كان له دور كبير في إفشال محاولة الانقلاب وقام المجلس الأعلى للجيش بترقيته عقب إحباط محاولة الانقلاب بسبب دوره البارز في كسر حلقة الانقلاب وتصفية أهم قادته، وهو ما جعله شخصية قومية.
محاولات تقليم أظافر المؤسسة العسكرية قد تأتى بنتائج عكسية إذ أن حملات الاعتقالات التى يشنها أردوغان ضد الجيش والمعارضين له منذ المحاولة الأخيرة للجيش التي تمت فى 15 يوليو من عام 2016، حولت تركيا إلى سجن كبير لكل من يعترض على سياسات أردوغان،لذلك لا يستبعد محللون أن تثير هذه الإجراءات الاستفزازية حفيظة الجيش للانقلاب مرة أخرى. لاسيما وأن وقائع التاريخ تثبت أن الجيش قوة كبرى لا يستهان بها فى مسارات السياسة التركية وأنه قادر على الإطاحة بالحكومات وقد سبق ونفذ انقلابات أعوام 1960 و1971 و1980، وأخرج من السلطة حكومة موالية للإسلاميين يقودها نجم الدين أربكان .وبالرغم من إجراءات تحديد صلاحياته التي بدأها أوردغان عقب وصوله للسلطة فى عام 2003 إلا أن الجيش لا يزال خارجاً عن سيطرته وسلطات حزب العدالة والتنمية ولم يستطع الرئيس كسب ولائه حتى هذه اللحظة لذلك يشكل جنرالاته مصدر القلق الأول للرئيس التركي .
حملة القمع غير المسبوقة والتي يقودها الرئيس ضد معارضيه تشير إلى أن تركيا بصدد دخول عصر جديد يمثل الاستبداد أهم مفرداته فى ظل السلطات الجديدة إذ سيعمد أوردغان إلى استثمار نتائج الانتخابات فى توسيع دائرة صراعاته الداخلية والخارجية ,كما تضفى الشرعية على اتهامات خصومه ، بتقويض المؤسسات العلمانية وتبنى سياسات ثأرية ونزعات انتقامية , حسبما يرى مراقبون دوليون .
ثائرة أوردغان لن تهدأ حتى يقضى تماما على المعارضة الخالية الدسم بعدما قاد إلى السجن ما لايقل عن 66 ألف تركي لذلك فإن خطوته المرتقبة على الأرجح ستكون القضاء على الأحزاب السياسة المعارضة التى تعتبر البوق الأخير والمتنفس الوحيد لاسيما وأن أوردغان فاز في الانتخابات البرلمانية بنِسبة 53 بالمِئة الأمر الذي يعنى أن هناك معارضة بالفعل حصلت على ما يقرب من نصف الأصوات وبالتالي لابد من تكميم أفواهها .








اضف تعليق