الرئيسية » تقارير ودراسات » ملف خاص ..آبعاد ومآلات التدخل التركي فى ليبيا
تقارير ودراسات رئيسى

ملف خاص ..آبعاد ومآلات التدخل التركي فى ليبيا

التخوم المتفرقة والمسافات الشاسعة ما بين أنقرة وطرابلس لم تردع أردوغان عن البحث عن موطىء قدم فى لبيبا  ومع أن التواجد التركى هناك ليس حديث العهد غير أن محاولاتها سكب المزيد من الزيت على الصراع المشتعل بالأساس   ومضاعفة التعقيدات بخيوط الأزمة الراهنة والتى بلغت حد الانخراط  فى الحرب الأهلية بالوكالة وتحدى دول المتوسط  عبرتوقيع اتفاقية غامضة مع حكومة السراج , تضع على طاولة البحث  الأهداف المشبوهة  لنظام أردوغان من الاستثمار الأيدلوجى فى الجماعات الليبية المتطرفة  ومآلات ذلك على الأوضاع الإقليمية بالمنطقة.

الشحنة التركية الموجهة إلى العمق الليبى بدأت قبل نحو ثمانى سنوات عقب انتفاضة الربيع العربى فى 2011 حيث اتسمت سياساتها بالتناقض وإنتاج  المزيد من أنماط عدم الاستقرار في المشهد ..فمع بداية الأزمة حاولت أنقرة أن تعلب دور الوسيط وتحفظت على التدخلات الدولية فى الصراع وعارضت فرض العقوبات، وخطط التدخل العسكري  وظلت حريصة على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع طرفى النزاع  لكن مع سقوط نظام القذاقى اتجهت إلى دعم الجماعات المتشددة  على غرار  ومليشيات مدينة مصراتة ، واستضافت قيادات متهمة بالتورط في جرائم عنف وإرهاب والإضرار بالأمن القومي، مثل عبد الحكيم بلحاج ـ المتهم بالاستيلاء على أموال طائلة، بالإضافة إلى علي الصلابي، المدرج  اسمه في “قوائم الإرهاب” وكذلك قيادات ينتمون لـ “مجلس شورى بنغازي” المصنّف “تنظيماً إرهابياً.

ومع اشتعال فتيل النزاع المسلح بين الجيش الوطنى بقيادة حفتر والجيش الليبي بقيادة السراج ألقت تركيا بثقلها ماليا وعسكريا لدعم حكومة الوفاق والذى تمثل فى انتهاك القرار الأممى بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا وأرسلت  العشرات من شحنات الأسلحة المهربة إلى مسلحي حكومة الوفاق، وكما تم ضبط شحنات أسلحة تركية محملة على متن سفن، كان آخرها السفينة التي تحمل اسم “أمازون”، محملة بآليات عسكرية وأسلحة متنوعة، قبل أن تصل إلى ميناء طرابلس. وتشمل هذه الشحنات طائرات بدون طيار ومدرعات تركية وأسلحة فردية، إضافة إلى عسكريين ومختصين لتدريب مقاتلي الميليشيات وتشغيل الطائرات المسيرة. كما قدمت أنقرة دعماً لتحالف “فجر ليبيا” في مواجهة “عملية الكرامة” التي أطلقها الجيش الليبي في مايو 2014 بقيادة “خليفة حفتر”، وهو ما تسبب في توتر علاقاتها مع الشرق الليبي.

أهداف أوردغان الأيدلوجية والعسكرية

التصعيد الأخير رغم كونه يهدف لشرعنة دعم أنقرة العسكري لحكومة الوفاق  غير أنه واقع الحال, لاينفصل عن ثوابت السياسة التركية إزاء الوضع فى ليبيا والتى ترتكز على ضرورة إشراك التنظيمات المسلحة في العملية السياسية،والتى تعتبرها جسر العبور لترسيخ وجودها فى المتوسط  بالقرب من مصادر الطاقة ولتحقيق جملة أهداف أوردغان الأيدلوجية

والتى يأتى فى مقدمتها طموحات العثمانيين الجدد ورغبة الرئيس التركي فى تقديم نفسه كزعيم جديد للعالم الإسلامى ولعل هذا مايفسر دعمه المتزايد للتيارات المتشددة فى المنطقة فضلاً عن القمة المصطنعة فى ماليزيا والتى تحولت من مناقشة قضايا الأمة الإسلامية إلى تجمع سياسي بحت وتصفية للحسابات, حيث ذكر المراقبون أن الرئيس التركي يعد العقل المدبر للقمة، وأنه يسعى من وراء هذه الفكرة إلى خلق كيان جديد يسحب البساط من منظمة التعون الإسلامى فى جدة .

الاستثمار التركى فى التيارات المتشددة في ليبيا ترمى من وراءه إلى التأثير على مقاربات دول الجوار لتشكيل رؤية مضادة للرؤية المصرية، الخاصة بضرورة إنهاء وجود التنظيمات المتطرفة والإرهابية في ليبيا، وتسعى تركيا إلى استخدام ليبيا كأداة وظيفية للضغط على القاهرة،.ولعل هذا ما دفعها لتعزيز تواجدها العسكري  فى محيط طرابلس عبرغطاء قانونى يتمثل فى  إنشاء قاعدة عسكرية لضمان حماية مخططها فى البحر المتوسط   بمواجهة الأطراف الإقليمية على غرار مصر والدولية  مثل روسيا  والتى تخشى أنقرة أن يفضى دخولها على خط الأزمة إلى تغيير معدلة الصراع . وقد انعكس ذلك أيضاً  فى بناء تحالف سياسي إيديولوجي مع قطر والسودان، و في تعظيم حضورها  عسكريا في الدوحة، والتوافق مع الخرطوم بشأن جزيرة سواكن.

الدافع الاقتصادى يعد مكوناً أصيلاً فى استراتيجية أنقرة فى ليبيا  إذ تسعى تركيا إلى السيطرة على الغاز فى شرق المتوسط وتعزيز مكانتها كمركز عالمي لنقل الطاقة من خلال سيطرتها على الغاز الذي يحيط بالسواحل الليبية. لاسيما وأنها تعد من الدول الفقيرة بمصادر الطاقة فضلاً عن أن الأبحاث أثبت خلوها من الغاز ,حيث  تستورد 95% من احتياجاتها منها ما يكفلها سنويا نحو 50 مليار دولار وتريد وقف هذا النزيف على الطاقة وأن يكون لها منابع نفط وغاز يضاف إلى ذلك الرفض الأوروبي لعمليات التنقيب التي تجريها سفن تركية في البحر المتوسط، على السواحل القبرصية (الجرف القاري).

وقدرت دراسة صادرة عن هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية في 2010 حجم احتياطي الغاز في حوض شرق البحر المتوسط بنحو 345 تريليون قدم مكعب من الغاز، ويحتوي هذا الحوض أيضا على كميات ضخمة من الاحتياطيات النفطية تبلغ 3,4 مليار برميل من النفط، إلى جانب كميات كبيرة أيضا من سوائل الغازات.

الحصول على حظ وافر من مشاريع إعادة الإعمار والاستثمارات مستقبلية في البلاد أحد محفزات أنقرة لتمكين التيارات الموالية لها  بمايضمن لها الاستحواذ على نصيب الأسد من مشاريع إعادة الإعمارلاسيما وأن  قرار حكومة الشرق الليبي بإيقاف التعامل مع الشركات التركية في فبراير 2015، تسبب في إحداث خسائر ضخمة للجانب التركي. وقدرت الاستثمارات التركية بقطاع التشييد خلال عهد “القذافي” بنحو 15 مليار دولار، وكانت أحد الأسباب الرئيسية لتأخر تأييد تركيا للثورة الليبية

ارتباط الفصائل المسلحة بأنقرة  يجعل ليبيا سوقاً رائجة لتصدير السلاح التركى  واختباره عملياً فى جبهات القتال وقد ارتفعت الصناعات العسكرية التركية في عام 2017 لتصل إلى أكثر من 6 مليارات دولاربما يعنى طبع بصمة إيجابية طفيفة على الاقتصاد والذى استهدفت بالأساس تحويل انتباه الأتراك عنه عبر الانخراط فى أزمات خارجية  .

مالآت الصراع على الصعيد الإقليمي

خلال الأونة الأخيرة , ذهبت معظم التقديرات نحو احتمال اشتعال حرب إقليمية تكون نقطة انطلاقها من سوريا  غير أن معطيات  الوضع الراهن فى شرق المتوسط  والاتفاق التركي – الليبي، في 27 نوفمبر، لرسم الحدود البحرية، ترفع وتيرة المخاوف من اشتعال حروب الغاز عبر بوابة ليبيا والتى استغل أردوغان  رئيس حكومة الوفاق بها لتوقيع اتفاقية بموجبها تسمح أنقرة لنفسها بالسيطرة على جزء من حدود اليونان وقبرص في البحر المتوسط من أجل أعمال التنقيب عن الغاز. و بعد أن واصلت تركيا استفزازاتها لجاراتها في منطقة شرق المتوسط، ونفذت طائرة دون طيار من طراز “بيرقدار TB2″، أول مهمة لها شرقي البحر المتوسط ,

الخطوة التركية الأخيرة زادت من حدة التوتر  حيث رفعت معظم الدول من إجراءاتها الاحترازية , ففي نهاية الأسبوع الماضي، شاركت القوات البحرية القبرصية في مناورات تدريبية مع فرنسا وإيطاليا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص. وفي 10 ديسمبر الحالي أرسلت وزارة الدفاع الإيطالية الفرقاطة البحرية “مارتيننجو” إلى ميناء لارنكا القبرصى، في خطوة سبقتها فرنسا بإرسال فرقاطة بحرية أيضا إلى نفس المنطقة بدعوى تأمين أعمال التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط

ولم تقف مصر بعيداً عن الوضع المضطرب , إذ أكدت وزارة الدفاع المصرية تأمينها المصالح الاقتصادية لمصر في المياه العميقة، وقدرتها على مواجهة التحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة، مشيرة إلى مدى الاحترافية التي وصل إليها رجالها بالقوات البحرية وأطقم الوحدات والتشكيلات المقاتلة.وأتمت القوات البحرية الأسبوع الماضي عددا من الأنشطة القتالية تنفيذًا لإستراتيجية عسكرية مصرية تهدف إلى تطوير القدرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة، تضمنت قيام إحدى الغواصات المصرية بإطلاق صاروخ مكبسل عمق سطح طراز (هاربون) وهو صاروخ مضاد للسفن ويصل مداه إلى أكثر من 130 كم.

ومع ذلك تظل استحالة اعتراف الاتحاد الأوروبي باتفاقية أردوغان مع فايز السراج  فرضاً قائماً إذا ماوضعنا فى الاعتبار  أن قبرص واليونان أعضاء في الاتحاد الأوروبي  وبديهياً فأن الاتحاد لن يقف ضد نفسه وإذا حرك أردوغان قطعا بحريه فكأنه يعلن الحرب علي أوروبا كلها مما يقوض من احتمالات اشتعال مواجهة مباشرة ويرفع من الترجيحات حول انحسار الصراع فى حرب بالوكالة فى الأراضى الليبية .