يأتي الفن ليرسم مدينة متكاملة من الإبداع ويرصع أسوارها بحجارة من الشغف هذا ما أكده الرسام سعيد بن سالم الغريبي وهو يتحدث عن تجربته، فالمحيط قد لا يكون مناسبا لخروج فنانين ومبدعين ولكن قد تكون الإرادة لها الدور الكبير وغالبا ما تكون هي السبب الأساسي.
يتوقف الغريبي قليلا قبل أن يعود ويسرد جانبا من تفاصيل بدايته الفنية.. «بدا الأمر منذ الصغر في الصفوف الابتدائية. كان مثلي الأعلى ذلك الوقت أخي الكبير وكانت السعادة تغمرني وأنا أخطو في التجربة». هذا الأمر أوجد الكثير من التساؤلات لسعيد الغريبي من بينها كيف تمكن أخوه من إتقان الرسم إلى هذا الحد؟ وأجابه ببساطه إنه كان يتعلم من برنامج تعليمي في أحد القنوات في ذلك الوقت وبعدها تشكل فكر سعيد في استمراره بالرسم.
حول التحديات التي تواجهه كفنان يقول الغريبي: التحديات تبدو أمرا طبيعيا يكتنف كل عمل إبداعي. وأكد أن التحدي الذي شجعه كثيرا للدخول في هذا المجال كان نظرة الناس السيئة، فالكل كان يقول إن أفلام الكرتون هي للأطفال متجاهلين أن من صنعها قد يكون رجلا تعدى سن الأربعين أو قد يكون كاتبا بارعا. وفي الجانب الآخر بعض الناس يقولون إن هذه الرسومات سيئة لأنها تعلم أولادنا سلوكيات غير أخلاقية متجاهلين أن من صممها قد فرضت عليه ثقافة نشر هذه السلوكيات ليعلمهم أنها خاطئة ويجب أن تختفي وهو لا يختلف معهم في ذلك حيث إن هذا الأمر كان بالنسبة له تشجيعا لكي يثبت لهم أنه قادر على نشر ثقافتنا بطريقة عصرية وأن يعلمهم ما جهلوا وأن يصل لقمة النجاح قبلهم.
لكن ليس هذا كل شيء .. فسعيد الغريبي أيضا يشعر أن هناك صعوبات يواجهها كل رسام مثله.. المجتمع لا يبدو منتبها كما يقول سعيد إلى أهمية الرسم للمجتمع الإسلامي بشكل عام ولمجتمعنا بشكل خاص فلو أدركوا عظمة هذا الفن لتسابق الجميع للمسارعة في الدعم وتوجيه الإعلام نحوه، وهنا يؤكد أن الصعوبات تكمن في الأساس في فهم بيئة الفن أولا وبعدها تأتي الصعوبات المادية مثل عدم توفر الأدوات اللازمة وأسعارها وخاصة أنه لا يزال طالبا في الكلية. كذلك الدراسة قد تحد من الرسم ولذلك عليه أن يوازن بين الدراسة وبين موهبة الرسم ولذلك يقول إنه يضع جدولا محكما لوقته. لكن هذه ليست كل التحديات ولكن هناك تحد آخر في عدم مقدرته على ترويج أفكاره بشكل صحيح للشركات التي قد تبحث عن هذه المواهب، وهو الذي من شأنه أن يطور الرسم بشكل سريع وملحوظ ليتم استغلاله في أشياء مفيدة، كإنتاج مانجا متقدمة أو فيلم كرتوني راق.
يرى البعض في الفن الرقمي تشويها لفن الرسم التقليدي ولكن الغريبي لا يرى أن الرسم الرقمي يؤثر أو يشوه الفن التقليدي وإنما يساعد على الخروج بأفكار جديدة وأيضا لا يعتقد أن الرسم الرقمي أقل شأنا من الرسم التقليدي فالفنون مهما تعددت هي في النهاية عبارة عن تفريغ طاقة وأفكار لدى الشباب بل لدى البشرية فلو حاول أحد منا تقليد الفنون التي خلدها التاريخ عن الفراعنة ما استطاع أن يأتي بمثلها فهو يظن أن الظروف التي أحاطتهم تراكمت على أفكارهم فولدت طاقة عجيبة فبرز الفن لديهم بهذه الطريقة التي نراها. حيث إن هذا ينطبق على تنوع الفنون في هذا العصر فكل منا لديه ما يميزه، بل وإنه قادر على أن يتعلم جميع فنون هذا العصر إذا ما عايشها بالشكل الصحيح وحاول جاهدا أن يتعلمها، فالرسم التقليدي والرسم الرقمي هما من ضمن الفنون المتعددة في عصرنا هذا، وأوضح أنه استخدم في بعض أعماله برامج مثل الفوتوشوب وباينت تول ساي ( paint tool sai) وسكتش بوك والافترافكت وفيديو أستوديو مؤكد على ضرورة التمازج بين القديم والجديد. ولا يعتقد الغريبي أن احدها يطغى على الآخر وإنما كل فن يكمل الفن الأخر والأهم من كل هذا هو التوجه الصحيح لهذا الفن والرقي به لأنه سيكون في يوم ما تاريخا تدرسه الأجيال التي تأتي من بعدنا وقد يكون بالنسبة لهم علما ثمينا أو تراثا يجب المحافظة عليه.
وحول التعبير الذي يضعه في رسوماته يقول الغريبي: هذا لإبراز شخصيات جديدة تعبر عن واقع نعايشه أو مشاعر قد تحملها مجتمعاتنا. وهذا ما جعلها تلفت انتباه الكثير من محبي الرسم. وقال: «كثيرا ما أحاول أن أجمع العديد من الأفكار في رسمة واحدة وأحيانا تكون خيالية أو أفكار متناقضة وأخرى متناسبة فكل هذه الأساليب ملفتة لأن الإنسان بطبيعة حاله يحب الاستكشاف حتى وإن كان انطوائيا لذلك إذا ما رسمت شيئا غريبا يجده البعض أمرا مذهلا ويشعر أن عليه المحاولة في معرفة شيء ما مجهول في اللوحة لكن دون أن يدرك هذا الأمر بنفسه فهو شعور تلقائي لدى الإنسان وقد يكون هذا أحد أسرار أساليبي في الرسم كذلك أستطيع القول إنني انسجمت كثيرا في أسلوب أحد الفنانين في هذا المجال لذلك فإنني بعد أن مارست الكثير من الأساليب وأعجبني أحدها خرجت بأسلوب جديد يميز لوحاتي عن البقية. وأضاف أيضا: إن كل مبدع بداخله ما يميزه عن غيره وطريقته الخاصة التي تجعله متفردا يجب أن يبحث بعمق عنها حتى يجدها».
كما حدثنا الغريبي عن هدفه وحلمه الذي لا يزال أسير خططه وهو إنشاء شركته الخاصة في إنتاج المانجا والانمي، وذكر أنه يستلهم أفكاره من متابعة أفلام«الانمي» فهذا يساعده كثيرا بدمج الأفكار أو الخروج بأفكار جديدة تتلاءم مع مجتمعه، وأوجد مشهدا متناغما من الأحاسيس والمشاعر التي تجعل المتأمل والمهتم لهذا الفن يرسم علامات الحيرة والدهشة في عقوله، أو البحث عن أي شيء من الكتب أو الإنترنت أو حتى من التلفاز أو من موقف حصل أمامه أو فكرة عابرة، حيث أعطانا وجهة نظره عن هل الرسم فن أم موهبة؟ قال إن الرسم يعتبر فنا حاله كحال الفنون الأخرى مثل الخط والشعر والفنون الأدبية، وكذلك هو موهبة من الله عز وجل سخرها له ليحسن استخدامها حالها كحال الحواس الخمس كالنطق واللمس والسمع وكذلك نعمة كباقي النعم التي أنعمها الله علينا كاليد والرجل والصحة بشكل عام حيث نستطيع تسخير هذه الموهبة العظيمة في أمور كثيرة تنتفع بها الأمة الإسلامية والبشرية بشكل عام.
يسعى الرسام سعيد الغريبي من أجل تنمية هذه الموهبة من خلال مشاركاته في المسابقات منذ أيام المدرسة وأيضا من خلال متابعته للمحترفين ومحاولة تقليدهم فقد كان كثيرا ما يقلد الرسامين الكبار ويرسم لوحاتهم ويحاول أن يدقق عليها فهم بالنسبة له أساتذة في هذا المجال بالإضافة إلى الممارسة الدائمة في معظم أوقاته ومحاولة لابتكار شخصيات جديدة فالممارسة لها دور ملحوظ جدا في تطوير المهارة وتنميتها. وأكد أن من يحب هذا الفن وتكون لديه نية صادقة في تعلمه وسوف يصل لمرحلة الاحتراف بكل تأكيد.
اضف تعليق