بعد أفول نجم القاعدة في العراق عاود التنظيم الظهور في سوريا المجاورة، مما سبّب أزمة للمعارضة التي تقاتل من أجل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، ودفع الغرب إلى رفض تقديم الدعم العسكري للانتفاضة السورية.
فصعود جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، التي صنفتها واشنطن منظمة إرهابية، يمكن أن يؤدي إلى مواجهة طويلة ودامية مع الغرب وربما مع إسرائيل.
وفي سوريا تستغل الجبهة الانقسام الطائفي المتزايد لتجنيد السنة، الذين يرون أن الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد، والتي تهيمن على السلطة والأجهزة الأمنية في البلاد، تحرمهم من حقوقهم.
وتقول مجموعة «سايت انتليجنس»، المتخصصة في مراقبة المواقع الإسلامية على الإنترنت، إن جبهة النصرة أعلنت مسؤوليتها في يوم واحد فقط الشهر الماضي عن 45 هجوما في محافظات دمشق ودرعا وحماة وحمص، أفادت تقارير بأنها أسفرت عن مقتل العشرات، منهم 60 في تفجير انتحاري واحد.
إحياء الخلافة الإسلامية
وقال أعضاء من المجموعة إن جبهة النصرة تهدف إلى إحياء الخلافة الإسلامية.
ويدق ذلك ناقوس الخطر لدى الأقلية المسيحية والعلوية والشيعية، وكذلك السنة غير المتشددين، الذين يخشون أن تسعى الجبهة إلى تطبيق نظام حكم يشبه نظام طالبان.
ودفعت المخاوف من القمع الديني الأكراد بالفعل إلى تحصين منطقتهم في حلب، وكانت وراء اشتباكات عنيفة بين مقاتلي الأكراد وجبهة النصرة في بلدة رأس العين الحدودية في نوفمبر الماضي.
وتتعارض أفكار «النصرة» أيضا مع ائتلاف المعارضة السورية اعترفت به عشرات الدول، باعتباره بديلا للأسد ويلتزم بتأسيس حكم ديموقراطي يحل محل حكم الأسد.
وقال عمر (25 عاما)، وهو خريج جامعي ومجند سابق بالجيش، إنه انشق وانضم إلى «النصرة» بسبب القمع الذي تعرض له، لكونه سنيا، على يد الضباط العلويين.
غير أن معلمة تعيش في منطقة الموكمبو (وسط حلب)، قالت إن طريقة تفكير جبهة النصرة بغيضة. وأضافت: «تعتقد النصرة أن بإمكانها تبرير كل أفعالها بهتافها الله أكبر. لم ننتفض لننتقل من الذل تحت حكم الأسد إلى ذل الخضوع لحكم القاعدة».
وقالت مصادر من المعارضة إن كثيرا من السوريين الذين قاموا بتسهيل انتقال جهاديين من سوريا إلى تنظيم القاعدة في العراق، في ذروة حملته ضد القوات الأميركية هناك، يقاتلون الآن مع جبهة النصرة، بينما يعمل الجهاديون في العراق على ترتيب نقل الأفراد وتكنولوجيا تصنيع القنابل إلى سوريا.
ولم يتضح بعد مصدر تمويل النصرة، رغم أن احتمال قدومه من العراق أيضا قائم.
وقال إبراهيم، وهو شاب من أعضاء جبهة النصرة في إدلب، إنه احتجز في سجن صيدنايا (شمال دمشق)، الذي قتل فيه 170 سجينا، معظمهم من الإسلاميين، بعد أن أخمد الجيش تمردا في عام 2007. وأضاف «نريد الثأر».
ولدى سؤاله حول بيان أميركي أفاد بأن عمليات النصرة تسفر عن مقتل الكثير من المدنيين، قال إبراهيم إن هناك مبالغة.
ونشرت عدة مقاطع مصورة على الإنترنت يظهر فيها أشخاص يقال إنهم معارضون مرتبطون بجبهة النصرة، وهم يطلقون النار، وفي بعض الأحيان يقطعون رؤوس جنود الأسد.
شعبية واسعة
غير أن «النصرة» لا تزال تحظى بشعبية واسعة على ما يبدو. وأظهر مقطع مصور نشر يوم الجمعة حشودا في جنوب سوريا، بؤرة اندلاع الانتفاضة، وهي تستنكر تصنيف الولايات المتحدة للجبهة كمنظمة إرهابية، ويهتفون «جبهة النصرة تحمينا».
وقال فاروق طيفور، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، والذي قاتل ضد نظام حافظ الأسد والد بشار في ثمانينات القرن العشرين، إنه لا يزال من السابق لأوانه للغاية تصنيف مقاتلي المعارضة. وأضاف أن البعض انضموا إلى النصرة للدفاع عن منازلهم ولم يتبنوا أفكارها.
ماذا بعد الأسد؟
ولم تتضح هوية قادة جبهة النصرة. ويقول البعض إن زعيمها شخص يدعى محمد الجولاني جنسيته غير معلومة.
غير أن ناشطا إسلاميا معارضا جاب شمال ووسط سوريا قبل أيام قليلة، والتقى مع قياديي النصرة، قال إن الجبهة أشبه بمنتدى ليس بين وحداته تنسيق يذكر.
لكن الكثير من نشطاء المعارضة المنتمين إلى تيار الوسط، يخشون أن ترفع النصرة السلاح في وجه أي نظام من خارج التيار الإسلامي يمكن أن يأتي بعد الأسد.
وقال معارض على صلة بالجماعات الجهادية: «السؤال الرئيسي هو كيف يمكن احتواء النصرة في سوريا بعد الأسد؟»، مضيفا «النصرة نوع من الجماعات التي يمكن أن تصف أكثر رجال الدين ورعا بأنه ملحد وتقتله داخل أحد المساجد لمجرد أنه لم يتفق معها في الرأي».
ويقدّر عدد أعضاء جبهة النصرة بالآلاف، ويتمتعون بقوة خاصة في منطقتي حلب وإدلب الشماليتين، حيث انضموا إلى جماعات إسلامية مثل أحرار الشام ولواء التوحيد، أو نفذوا عمليات مشتركة معها.
وفي دمشق وحولها يقل عدد أعضاء الجبهة، ولكنهم يحتفظون بقوتهم هناك، وفي بعض الأماكن يبعدون مسافة 20 كيلومترا فقط عن جبهة الجولان التي تحتلها إسرائيل، وهي المرة الأولى التي توجد فيها القاعدة على مقربة من إسرائيل.
اضف تعليق