تقرير : هبة المنسى
لعنة صالح تطارد حليفه السابق والراقص الحالى فوق رؤؤس الثعابين , والخطاب الأخير لزعيم المليشيا عبد الملك الحوثى والذي اتسم بالانهزامية واعترف خلاله بحدوث اختراقات به دلالات هامة على أن أحجار الدومينو بدأت فى التساقط فبالإضافة إلى الانهيارات المتوالية على صعيد الاقتتال الميدانى تكشف صراعات الأجنحة تآكل الجماعة داخلياً الأمر الذى قد يضع نهاية دراماتيكية للكهنوت الحوثى .
الحوثى الذى ظهر منكسراً للمرة الثانية بعد مقتل صالح الصماد رئيس المجلس السياسي حاول فى خطابه إيجاد مبررات لهزيمته في الساحل عبر الحديث عن الدور الأمريكي الإسرائيلي فى المعركة لكن ذلك لم يمنعه من الإقرار بحالة من الارتباك في صفوف المليشيا الموالية لإيران عبر التحذير منها حيث قال ” التماسك والاطمئنان في هذه المعركة هو أهم نقطة”، فى تلميح واضح على انهيار معنويات المقاتلين التابعين لجماعته .
ومن يتابع قسمات وجهه وتعبيراته في الآونة الأخيرة يدرك أن عبد الملك الحوثى يتحسس رأسه انتظاراً للحظة تلوح فيها الحقيقة ,فعلى الصعيد الميداني منيت الجماعة بخسائر فادحة في محافظة الحديدة على وقع الضربات التى نفذتها ألوية حراس الجمهورية والعمالقة والمقاومة التهامية بإسناد من التحالف. وشهدت ساحة المعركة مقتل 4 قيادات حوثية فضلاً عن فرار عناصر الجماعة . وصول قوات التحالف إلى مشارف المحافظة وتحرير مينائها الاستراتيجي ربما يكون الحلقة الأخيرة فى مسلسل تقليم أظافر الحوثى وقص أجنحته وأياديه .
هستيريا الرمق الأخير تتضح من خلال مناشدة عبد الملك الحوثى أبناء الحديدة عدم الفرار، زاعماً أن من أسماه “العدو” (قاصداً الشرعية اليمنية)، “يستطيع أن يفتح معركة في الحديدة، لكن يستحيل عليه أن يحسمها”.وخاطب زعيم الانقلابيين أتباعه بأن “حريتهم على المحك أكثر من أي وقت مضى”، مطالباً إياهم بعدم الفرار من أرض المعارك في الحديدة.كما حذرهم “من التقصير والتفريط والإرباك والقلق”.
وينسجم تقدم قوات الشرعية في الساحل الغربي مع الضربات الموجعة لمعقل الجماعة في محافظة صعدة، والتي تشهد نوعاً من تضييق الخناق على الحوثيين عبر إشعال المعارك فى عدة جبهات من بينها رازح، وكتاف البقع، وعلب باقم، إضافة إلى محور الملاحيط التابع لمديرية الظاهر الذى يمثل تحولاً لافتاً فى مسارات من خلال انفتاحه على أبرز معاقل الحوثيين في منطقة مران، مسقط رأس معظم قيادات الجماعة الحوثية ومؤسسيها.
الإعدامات العشوائية لأكثر من 25 ضابط سابق في الحرس الجمهوري الذين كانوا يقاتلون في صفوف المليشيا , بتهمة الخيانة بعد الاشتباه بتورطهم في التواصل مع قوات التحالف العربي تشير إلى حالة التخبط التي تعيشها الحركة وأنها تحتضر شعبياً أو ماتت إكلينيكيا بالفعل لاسيما بعد أن لجأ عشرات من المجندين والعسكريين إلى إطلاق الرصاص الحي على أنفسهم في أماكن غير قاتلة، ليتمكنوا من ترك الجبهات والعودة إلى ذويهم، خاصة وأنهم كانوا قد التحقوا بالقتال من أجل الحصول على راتب شهري أو رتبة عسكرية ,الأمر الذي دفع الجماعة عقب السقوط المدوى والهزائم المتسارعة في جبهات الساحل الغربي وصعدة وحجة، إلى استدعاء عناصر الشرطة المنضوين تحت لوائها في صنعاء إلى جبهات القتال، في محاولة لسد النقص المتزايد في أعداد المقاتلين .
أشباح صالح المتربصة بالحوثيين تعد أحد عوامل الانهيار ,فمنذ انتهاء حالة الوفاق بين الجماعة وحزب المؤتمر الشعبي والتي أفضت إلى مقتل على عبد الله صالح بات التحالف يمتلك جيشاً استخبارياً وعيوناً ترصد تحركات القادة الحوثيين داخل صنعاء وخارجها ولعل هذا ما يفسر الاغتيالات المتعاقبة فى صفوف الحركة والتى كان أبرزها مقتل الصماد بعد تحديد موقعه بدقة من قبل قوات التحالف.
صراع الأجنحة أدى إلى تآكل الجماعة داخلياً وكان بمثابة صب الزيت على النار المشتعلة أساسا حيث حاول كل طرف توسيع دائرة نفوذه على حساب الآخر فبينما كان يميل التيار المعتدل أو ما يعرف بجناح صنعاء إلى استمرار الوضع السياسي الحالي على ما كان عليه أثناء فترة شراكته مع حزب المؤتمر, سعى تيار الصقور المتمثل بجناح صعدة بقيادة محمد الحوثى إلى إعادة اللجان الثورية للحكم بنفس الآلية التي طبقتها الميليشيا في العام الأول من الانقلاب , وهو ما برز عقب اغتيال الصماد حيث تبادل أعضاء الجماعة اتهامات الخيانة وتصفية الحسابات عقب تنامي معلومات عن تورط أعضاء التيار الثوري فى تصفية الصماد .
انتهاء شهر العسل بين حزب المؤتمر والمليشيا أسهم كذلك فى نزع الغطاء السياسي الداخلي لأنصار الله أمام طوائف الشعب والتي باتت رهينة التذمر والضرائب الحوثية فبالرغم من امتناع التنظيم الانقلابى عن صرف مرتبات الموظفين الحكوميين لأكثر من 19 شهرًا، وبالرغم من فرضهم رسومًا على طلاب المدارس تحت مسمى المساهمة في دفع رواتب المعلمين. قامت الجماعة بفرض جباية جديدة على كافة مدارس صنعاء- الحكومية والأهلية- بهدف تجهيز قافلة غذائية لمقاتليها.وقالت مصادر تربوية إن وزارة التربية والتعليم الخاضعة لسيطرة الحوثي فرضت مبالغ مالية على مدراء المدارس تصل إلى (100,000) ريال عن كل مدرسة لتسيير قافلة غذائية لمقاتلي الحوثي.
انكشاف الوجه الطائفي للجماعة الإيرانية تجلى أيضاً مع إقدامها مدفوعة بشح الموارد والإيرادات بفرض زكاة “الخُمس” على اليمنيين بصورة رسمية. الزكاة الجديدة لم يعرفها الفكر الزيدى على مدار تاريخه حتى فى عهد الأئمة فهي مستمدة من المذهب الجعفرى وتعد احد المرتكزات الرئيسية لولاية الفقيه ومصدر تمويل لا يستهان به لنظام الملالى حيث تفترض أن يتم دفع 20% من موارد الزكاة لسلالة النبى وفى ضوء المنظور العقائدي للجماعة والتأويلات المحرفة لفقهاء تأثروا بالمد الإيراني يعد الحوثيون أنفسهم الوريث الشرعي لتلك الأموال .
رقصة الانتحار الحوثية تجسدت فى استنجاد بعض قيادات التنظيم بالمبعوث الأممي مارتن غريفيث وإعلامه بالرغبة في العودة إلى الحوار وتقديم تنازلات ولو شكلية لإقناع الطرف الآخر بوقف المعارك تتضمن عرضا للأمم المتحدة يقضي بالانسحاب من المدن وتسليم السلاح إلى الدولة،. كما تتضح كذلك من خلال مطالبة الجماعة بالبحث عن حل سريع لوقف تقدم قوات المقاومة اليمنية التي يتزعمها العميد طارق صالح مدعوما من التحالف العربي.
لكن من المرجح أن ترفض عناصر حراس الجمهورية هذه الدعوى لسببين الأول عدم وجود مبادرة واضحة بضمانات جدية من الممكن أن تلتزم بها الجماعة ,كما أن نهج المجتمع والذي يتبنى فلسفة القبلية والثأر قد تدفع نجل الرئيس الراحل صالح، وابن شقيقه العميد طارق صالح إلى تشكيل حائط صد أمام التوافق السياسي , لاسيما وأن طارق قد أعلن بالفعل النفير للأخذ بثأر عمه وتوعد قائد المليشيا عبد الملك الحوثي بذبحه بسكين مذحل (سكين فيه صدأ). عودة طارق وإدارته لقوات الحرس الجمهوري بتنسيق مع قوات التحالف شكل صدمة للحوثيين لأن “أهل مكة ” وأدرى بشعابها فهم مدربون على السيناريوهات والتطورات المحتملة في أرض المعركة
إبداء الجماعة الحوثية مرونة أكبر تجاه المقترحات الأممية لإحياء المسار السياسي قد تكون فرصة لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوراق خاصة وأن الجماعة المدعومة من إيران تراهن بقوة على نفوذ طهران فى المنطقة وبالتالى فإن تشييع الانقلاب لمثواه الأخير ومن ثم الدخول في الإجراءات الأمنية والعسكرية وتسليم الأسلحة والصواريخ يعنى لا محالة غرس شوكة جديدة فى حلق الملالى
كما أن إدخال الحوثيين في إطار المعادلة السياسة وإشراكهم فى حكم اليمن مستقبلاً أشبه بالتعلق بحبال الوهم , فبالرغم من أن تراث الجماعة بكل ما يحمله من تقلبات وغدر لم يشهد تقديمها أى تنازلات إلا بالقوة غير أن هذا الطرح يحوى مجازفات عدة بأمن الخليج والسعودية على وجه الخصوص ,فاستمرار التنظيم يضعنا أمام سناريو حزب الله فى لبنان عندها يكون القبول بإيران كجار جنوبى للمملكة أمر حتمي , والسعودية لن تسمح بتمدد إيرانى- حوثى عند حدودها الجنوبية ولن ترمى أمنها القومي بحجارة من لهب .
لذلك يبدو الحسم العسكري مثالياً لضمان تحقيق السلم المحلي والإقليمي وعدم المساس بالهوية اليمنية والعربية فى ظل انفراط عقد الملالى داخلياً وخارجياً وترتيب طهران لهروب عبد الملك الحوثى خارج اليمن .أما بالنسبة للتنظيم المسلح فمن المتوقع أن يعيد إنتاج نفسه فيما بعد شأنه شأن كل التنظيمات الإرهابية ليقود حرب استنزاف وحرب عصابات .









اضف تعليق