الرئيسية » تقارير ودراسات » حروب المياه تختمر …هل حان الوقت لتوحيد الجهد العربي ؟
تقارير ودراسات رئيسى

حروب المياه تختمر …هل حان الوقت لتوحيد الجهد العربي ؟

“في الحرب نحتاج إلى أسلحة وفى السلم نطلب المياه” لكن إذ غدت المياه نفسها محل صراع فإن الخرائط برمتها قد تتغير فقبل نحو عامين ونصف حذر تقرير صادر عن وكالة الدفاع بالمخابرات الأمريكية من أزمة مياه عالمية لاسيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا  وكشف عن  إمكانية استخدام بعض الدول المياه كسلاح للضغط على جيرانها خاصة في أماكن الأحواض المشتركة مما ينذر  بنشوب صراعات مسلحة قد تشعل فتيل حرب عالمية ثالثة

أولى قنوات الواقع المائي المخيف شقها سد النهضة في أثيوبيا حين شكل يوم 28 ابريل 2011 علامة فارقة  فى تاريخ ملف التعاون المائي بين دول حوض النيل وفى التفاعلات البينية المصرية الإثيوبية إثر إقدام الأخيرة على تحويل مسار النيل الأزرق استعداداً لتنفيذ السد والذي ستتضرر مصر جراء إنشائه حيث ستنخفض حصتها من المياه بمقدار 9 مليار متر مكعب بمجرد البدء في ملء الخزانات الأمر الذي يؤشر إلى عواقب كارثية تتضمن تهديد نحو 5 ملايين فدان بالبوار كذلك انخفاض قدرة  السد العالي على توليد الكهرباء بما نسبته 37% بما يعنى عجز كلى في توليد الكهرباء قد يمتد إلى 41 عاماً , ناهيك عن أن اختصار مدة ملء الخزانات إلى  3 سنوات وليس 6 سنوات كما طالبت الدول المحايدة، يعني الجفاف لمصر

التحرك الأثيوبي له أبعاد أوسع من كون السد مشروع لتوليد الكهرباء فبغض النظر عن  تحكم أديس أبابا في كميات المياه بل وتوقيتاتها أيضاً فضلاً عن تجاوز الحقوق المصرية ومن ضمنها الإخطار المسبق وعدم اعتراف إثيوبيا بغالبية الاتفاقيات الموقعة بزعم أنها تمت تحت سلطة الاستعمار، واعتراضها على مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة غير أن إصرارها  على المضي قدماً  في أعمال التشييد والبناء قبل التوصل إلى تفاهمات مع شركاء النهر والانتهاء من الدراسة الفنية يؤشر إلى  أمرين الأول يتعلق بالشأن الداخلي إذ تعمد أثيوبيا إلى اتباع سياسة الأمر الواقع والوصول إلى مرحلة الملء بحثاً عن نصر سياسي  لاسيما وأن الملف يتم استخدامه من قبل القيادة هناك كورقة للتعبئة الشعبوية ، ويتم الترويج للسد على أنه مشروع قومي يلتف حوله الإثيوبيين.

البعد الثاني يرتبط بتوقيت الإعلان عن إنشاء السد فى عام 2011 والاضطرابات الداخلية في مصر أثناء تلك الفترة حيث تذهب التحليلات إلى أن سد النهضة يمثل تحولاً جيوسياسيا يهدف إلى خلق بؤرة توتر جديدة داخل القارة السمراء تمارس من خلالها الضغوط على القاهرة ,وان ثمة أطراف دولية تريد أن يشكل ملف المياه نقطة ضعف فى أوراق  السياسية الخارجية المصرية لاسيما مع وجود معلومات حول مشاركة بعض دول الجوار إلى جانب قطر وتركيا في تمويل السد , وبالرغم من عدم توافر تقارير رسمية تؤكد صحة تلك الأخبار غير أن تكلفة تمويل السد والتي تقدر بنحو  8 مليارات دولار، وهي تكلفة عالية مقارنة بموازنة إثيوبيا المقدرة بحوالي 13 مليار دولار تطرح العديد من علامات الاستفهام .

الإشكالية  التي تواجه المفاوض المصري  اليوم هو حدوث انقسام بين القاهرة والخرطوم بشأن السد حيث تتبنى السودان وجهة النظر الاثيوبية واعترضت على التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات التي يجريها المكتبان الاستشاريان الفرنسيان ، ويتعلق بتحديد آثار السد على دولتي المصب بالرغم من اتفاق مصر والسودان  سابقاً على توحيد موقفها غير أن نظام الخرطوم يرى مصلحته  حالياً في التعاون مع أديس أبابا ضد القاهرة وأعلن موافقته على بناء سد النهضة نظير حصة كبيرة من الكهرباء التى سينتجها السد حيث تضع نصب أعينها الحصول على فائض حصة البالغة 6 مليار متر مكعب مقابل تزويده بالكهرباء بدلً من تركها تذهب مجاناً إلى المصريين.

خارطة الظمأ العربية تشغل العراق مساحة بارزة منها  مع وجود جارتين تتحكمان بمنابع الأنهار الدولية وهما تركيا وإيران. فحرب المياه التي تشنها كل من أنقرة وطهران  تنذر بغداد بشبح الجفاف والظلام  وربما يختفي نهر الفرات بسبب سد أتاتورك العملاق فضلاً عن انخفاض منسوب دجلة بمقدار النصف تقريبا عقب بدء التخزين في سد أليسور وقد انعكست بالفعل آثار ملء السد على العراق بتراجع منسوب مياه النهر إذ أن  مشروع “غاب” التركي لبناء 22 سداً على نهرى الفرات ودجلة سيحرم العراق من حصته المائية،

وبالرغم من دراية الحكومة العراقية الكاملة بالأمر غير أن أنقرة نجحت في التملص من الالتزام الذي وافقت عليه عام 1923 مستغلة ظروف العراق السياسية وما شهدته من نزاعات وحروب .وأعلن أوردغان أن بلاده  أبلغت السلطات في بغداد  بضرورة تخزين المياه قبل 10 سنوات” واصفاً حكام البلاد بأنهم “لم يفعلوا شيئا وليست لهم أذن صاغية”.

تزامنت التحركات التركية مع خطة إيرانية يجرى تنفيذها منذ سنوات وأفضت إلى قطع شرايين الحياة عن العراق , فعقب سقوط نظام صدام  حسين في عام 2003 عمدت طهران إلى تحويل مسار الأنهار والجداول المائية التى تتدفق باتجاه العراق لتبقى داخل الأراضي الإيرانية  وأسفر تحويل نحو  43 رافداً  من أصل 45 على المدن والمناطق المحيطة بالنهر إلى تعجيل جفاف إقليم كردستان . وقالت  حكومة الإقليم إن إيران ” غيرت مجرى نهر الكارون بالكامل وأقامت ثلاثة سدود كبيرة على نهر الكرخة بعدما كان هذان النهران يمثلان مصدرين رئيسين لمياه الإقليم والعراق ككل”. وأكدت ان تدفق المياه توقف كلياً, الأمر الذي ينذر بتصحر وجفاف شمال العراق تخريب البنية التحتية الزراعية والمائية والصناعية . فى حين أدى قطع مياه الكارون والكرخة والترويج، إلى فقدان البصرة ومدن جنوب العراق أهم مصدر للمياه و جعل مياه شط العرب مالحة وملوثة.

بلاد الرافدين شبه مهددة بفقدان هذا الوصف, فبينما يشير المحللون  إلى أن تركيا تراوغ العراق بورقة “النفط مقابل المياه” وأنها ستتعامل وفق هذه المبادئ خلال الفترة المقبلة للضغط على حكومة بغداد لتنفيذ أجندتها , هدد رحيم صفوى مستشار المرشد الأعلى جيران إيران عندما قال إنهم أمام خيارين إما التعاون أو المواجهة لحل أزمة المياه في المنطقة مشيراً إلى أن  10 مليارات و200 مليون متر مكعب من المياه تخرج سنويا من إيران وتصب 7 مليارات منها في الأراضي العراقية.

الحقيقة التي ينبغي عدم تجاهلها أن الأمن المائي في المنطقة ، قد وصل إلى منعطف خطير لا يمكن الصمت إزائه ويتطلب تضافر الدول العربية من أجل دعم مصر والعراق .توحيد الجهد العربي على صعيد الملف المصري قد يستوجب تدخل سعودي إماراتي إذ أن امتلاكهما استثمارات ضخمة يمكن استخدامه كورقة للتفاوض العادل مع الجانب الأثيوبي  وكذلك التحرك على الأصعدة الدولية والإقليمية  لشرح الموقف المصري والمخاوف من السد مع الحرص على التأكيد على مساندة مصر للمشاريع التنموية فى حوض النيل .أما على الصعيد العراقي فتبدو المسألة ذات صلة بالصراعات الإقليمية بالمنطقة  وبحكم ارتباطها بإيران وتركيا يمكن م عبر صياغة استراتيجيه عربية قوية إدراجها ضمن ملفات الضغط على طهران ومقايضة أنقرة بالاستثمارات الخليجية

حروب المياه في الوطن العربي ليست مجرد مشكلة نقص كمي في عرض المياه العذبة فقط  ولكنها ذات  أبعاد سياسية واقتصادية  ومن هنا تأتى ضرورة الالتفات إليها وصياغة السياسات المتعلقة بها .