على طاولة فرنسية ,اجتمع للمرة الأولى ,الفرقاء الليبيين الأربعة الأكثر تأثيراً في المشهد السياسي والعسكري حيث حاول الرئيس إيمانويل ماكرون كسر الجمود بوضع خارطة طريق لإنهاء الانقسام السياسي وتوحيد مؤسسات الدولة السيادية ، بعدما تسبب النزاع بينهم فى اندلاع صراع محموم شرقاً وغرباً .
التزامات دون إمضاءات العنوان الرئيسي لمؤتمر باريس ,فخارطة الطريق المطروحة والتى نصت على توحيد قوات الأمن التي تضم حاليا مجموعة كبيرة من الفصائل المسلحة، ودمج المؤسسات لتمهيد الطريق لقيام برلمان واحد وبنك مركزي واحد, لم يوقع عليها القادة الأربعة اللذين شاركوا بالمؤتمر انتظاراً للعودة والتشاور مع الأطراف الممثلة فى بلادهم وهو ما يجعل من توصيات إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 10 ديسمبر 2018 لإخراج البلد من أزمته بعد سبع سنوات على سقوط معمر القذافي محاطاً بالشكوك فى ظل الانقسامات على الأرض والصراعات بين القوى الإقليمية والأوروبية .حيث أن إجراء الانتخابات في موعدها دون ضمانات جدية لاسيما من الغرب الليبي للالتزام بنتائج الانتخابات العامة والقبول بالعملية الديمقراطية قد يزيد من تعقيدات المشهد خاصة أنه حال فوز شخصية من أحد الجانبين الشرق أو الغرب لن يقبل بها الطرف الآخر علاوة على انتشار المليشيات في ظل الفوضى السائدة ومناهضة الليبيين لكل ما يعتبرونه تدخلا أجنبيا .
الآمال المعلنة لـ”ماكرون” الذي جعل ليبيا إحدى أولويات سياسته الخارجية، وكشفت عنها الرئاسة الفرنسية يعتريها بعض الشكوك و,إذ يشير المراقبون إلى أن باريس لديها مآرب أخرى أبرزها احتكار المشهد السياسي الليبي وتعزيز نفوذها على حساب دول أخرى فاعلة في الملف وفى مقدمتها إيطاليا ,فقد بات التوغل الفرنسي محل قلق وشك من الجانب الإيطالي المنافس
حراك باريس المنفرد أعاد التنافس الإيطالي الفرنسي إلى الواجهة وأثار غضب الجارة الإيطالية واللاعب المحوري بالملف والتي أبدت انزعاجها ورفضها التام لمؤتمر باريس وانتقد الساسة هناك غياب بلادهم عن المشهد،باعتبارها عراب الجهود الدبلوماسية في ليبيا, إذ رأوا في الخطوات الفرنسية محاولة للصيد بالماء العكر وسحب البساط من تحت أقدام روما في ظل انشغال الأخيرة بأزمتها السياسية الراهنة وقد أعرب جيوزبي بيروني ، السفير الإيطالي لدى طرابلس عن موقف بلاده بشكل صريح ، بتغريده على حسابه على ((تويتر)) قبل عقد المؤتمر بيوم واحد .وكتب السفير الإيطالي ، ” انقسامات و مبادرات غير منظمة ، ستساهم في عودة قوارب الموت (…) ، الهدف ليس زيادة الالتزامات بل تنفيذ ما تم الالتزام عليه حول ليبيا” ، في إشارة للاتفاق السياسي الذي دعمه المجتمع الدولي دون تنفيذه وإلى أن مبادرات باريس استعراضية، ولن تحرز أي تقدم ملموس في العملية السياسية في ليبيا. .كما أضاف السفير بيروني في تغريده ثانية ، ” خطة عمل سلامة الطريق الذي يجب أن يتبعه دستور ، وقانون انتخابي ، كمقدمة للانتخابات في أقرب وقت.
فعند مطالعة قاطرة التنافس الأوروبي بالملف الليبي نلاحظ وجود قطبين رئيسين يقودان اللعبة على الصعيد الدبلوماسي والعسكري .فبينما تحظى فرنسا بحضور قوى في الجنوب وتعتبره إرثها التاريخي بليبيا ولديها مصالح هناك تعمد إلى تأمينها من خلال التحركات التي تقودها عبر سفاراتها فى ليبيا أو عبر قوى وقبائل تتمتع بدعم كامل من الإليزيه، ترغب باريس كذلك في ظل التطورات الحالية في مد نفوذها فى الشمال والغرب والشرق الليبي ، وهو ما أغضب إيطاليا والتي ارتأت في ذلك عدم مراعاة لمصالح الدول الأخرى الفاعلة على الأرض وتهميش لدور البعثة الأممية فضلاً عن كونه محاولة لمنح خليفة حفتر اعترافًا بشرعية تحركاته ، دون تقديمه تنازلات تدفع قدماً مسار العملية السياسية .
وفى حين حسمت باريس أمرها عقب وصول ماكرون للإليزيه وقررت دعم حفتر وقد تبلور ذلك فى تعيين جون إيف لودريان، في منصب وزير الخارجية، والذي يعد المهندس الحقيقي لاجتماع باريس على الرغم من اعترافها باتفاق الصخيرات، تقوم السياسة الإيطالية في ليبيا، على ثلاثة محاور تتمثل فى دعم فايز السراج رئيس حكومة الوفاق, مساعدة الفصائل الليبية في التوصل إلى توافق، والحفاظ على موقف دولي موحد بشأن التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة.
التنافس المحموم بين إيطاليا وفرنسا على ليبيا يدور في فلك أمرين , الأول والأهم هو احتياطات الغاز الضخمة فقد حصدت روما عبر شركاتها الكثير من مغانم القطاع النفطي وبطبيعة الحال لا ترغب في أن تتقاسم معها فرنسا الكعكة الليبية فقد سبق ، وفازت شركة “توتال”، عام 2010 بعقد لاستثمار الغاز بحوض “نالوت” غربي البلاد، وهو الامتياز الذي تم إلغائه فيما بعد إثر جدل قانوني. وخلال الشهر الماضي نجحت توتال فى تعزيز وجودها بسوق الطاقة في ليبيا بشراء أسهم بنسبة 16.33% في امتيازات شركة الواحة الليبية للنفط من شركة Marathon Oil الأميركية مقابل 450 مليون دولار أميركي. وتسعى روما على الأرجح دون استئثار فرنسا بمنطقة “نالوت”، التي تضم مخزونًا ضخمًا من الغاز و لعل رغبة فرنسا فى استعادة الحوض كان الدافع الرئيسي وراء تقديم باريس دعمًا عسكريًا لحفتر فى معارك بنغازى والذي اتخذ مسار سرياً عند استيلائه على منطقة الهلال النفطي.
ويتجلى المحور الثاني للصراع بين باريس و روما في ملف اللاجئين حيث تعمل إيطاليا التي تعد أكثر الدول الأوروبية تضررًا من تبعاته على وقف تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط فى حين تضع فرنسا ملف إعاقة الإسلاميين ووقف خطر الإرهاب على رأس أولوياتها ,وبحسب إحصاءات رسمية فقد وصل إلى سواحل إيطاليا منذ عام 2013 نحو 700 ألف مهاجر، من بينهم 7100 من ليبيا حطوا رحالهم في إيطاليا منذ بداية العام الجاري فقط.
حيثيات الرفض الإيطالي للوجود الفرنسي داخل الساحة الليبية تستند كذلك إلى شعور الأولى أنها صاحبة الحق المطلق في ليبيا لذلك ليس من السهل عليها القبول بمنافس نظراً لاعتبارات تاريخية فلا تزال روما ترى بها منطقة نفوذهم الرئيسية والمستعمرة الأقرب جغرافيا فضلاً عن ، ارتباط أمن روما بنظيره فى طرابلس
مؤتمر باريس ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير ولن يحدث أي طفرة لحل الصراع الليبي ليستمر التنافس الفرنسي الإيطالي على تعظيم النفوذ حائلاً أمام تحقيق أي تقدم بمسارات التوافق السياسي في ظل تنافر الأجندات وتباين الروىء حول المصالح والأهداف .
اضف تعليق