إذا لم يجد الجيش السوري سبيلاً لتخفيف الضغط المتزايد على قدراته وتماسكه، فسوف ينهار على الأرجح ويجرف معه غالبية النظام.
وتقول دراسة أعدها جيفري وايت زميل الشؤون الدفاعية في معهد واشنطن أن الجيش السوري هو الداعم الرئيسي لبشار الأسد والذي من دونه سوف يسقط نظامه على الفور. وقد صمد الجيش حتى الآن أمام الضغوط المرتبطة بالقتال الذي استمر شهوراً عديدة ضد قوات المعارضة التي تزداد مهارتها، والتوسع الجغرافي المطرد لمهمتها، وسلسلة الانشقاقات والخسائر. إلا أن هذه الضغوط آخذة في التصاعد، ومن المرجح ألا يتمكن الجيش من الاستمرار في المقاومة لأجل غير مسمى. وفي مرحلة ما سيتشتت أو يتفكك أو ينسحب إلى معقل العلويين من أجل الحفاظ على بقايا النظام. وعلى الجانب الآخر، ستنقلب بعض وحدات الجيش ضد النظام لكي يحافظ جنودها على أنفسهم. على المجتمع الدولي أن يوفر مساعدات عسكرية إضافية لقوات المعارضة المسلحة الفعالة بعد التحقق من هويتها، من أجل زيادة الضغط والتعجيل من تلك المحصلة.
الطبيعة المتغيرة للحرب
لقد تجلت الحرب الداخلية السورية الدائرة بين قوات النظام والمعارضة المسلحة، طوال عام كامل حتى الآن، كما تطورت طبيعة القتال وتحولت من صدامات متقطعة ومعارك متفرقة إلى قتال مستدام بدرجات متباينة عبر مناطق واسعة من المحافظات الرئيسية. فعلى سبيل المثال، في الفترة بين 10 يونيو "حزيران" و18 يونيو "حزيران" تم الإبلاغ عن قيام اشتباكات يومية في دير الزور، وهو نفس الأمر في ريف دمشق في الفترة ما بين 14 يونيو "حزيران" و18 يونيو "حزيران".
وعموماً فقد رأينا أن هناك معارك دائرة في أكثر من ثمانين موقعاً في جميع أنحاء سوريا بعد أن كان القتال مقتصراً على سبعين موقعاً في شهر مايو "أيار" -مع زيادة كبيرة في محافظات اللاذقية ودير الزور. ويدل ذلك على تسارع حدة الصراع الدائر بين قوات النظام و"الجيش السوري الحر" المعارض، حيث يظهر أن شهر يونيو "حزيران" قد شهد أكبر عدد من الاشتباكات منذ بداية النزاع. وفي تقاريرهم من شهر يونيو "حزيران"، سجلت "لجان التنسيق المحلية" المعارضة و"المرصد السوري لحقوق الإنسان" أكثر من 250 حالة تصادم بين الطرفين المتنازعين.
التحدي الذي يواجه الجيش السوري
مع اشتداد وطيس المعارك يواجه الجيش السوري أربعة عوامل ضغط رئيسية:
تزايد قدرات المعارضة. أصبحت قوات المعارضة السورية المسلحة أكثر قوة وكفاءة. فعلى الرغم من افتقارها للوحدة وقوتها النارية المحدودة، إلا أنها حافظت على التأييد الذي حصلت عليه بين السكان السنة وحاربت بفعالية في البيئات الحضرية والريفية. كما استعانت بعدد متزايد من التشكيلات التي تمتلك المزيد من الأسلحة ذات نوعية أفضل وأقامت أيضاً أنظمة للقيادة والتحكم أكثر فعالية وتعلمت كيف تقاتل كلاً من الجيش وجنود "الشبيحة" غير النظاميين.
عامل الجغرافيا. سورية بلد كبير ذو تضاريس حضرية وريفية معقدة. فخطوط الاتصال في بعض الأماكن طويلة ومقيدة كما أنها عرضة للهجوم. فعلى سبيل المثال، تبعد دمشق نحو190 ميلاً من حلب، بينما تبعد حمص حوالي 225 ميلاً من دير الزور. ومن ثم يتوجب على قوات النظام أن تقطع مسافات طويلة عند تحركها نحو الشمال من دمشق أو نحو الشرق من حمص، كما أن تلك الخطوط معرضة للهجوم حتى عندما تكون المسافات بين المراكز الرئيسية أكثر قصراً، كما يتضح من العديد من السيارات التي دمرت ويمكن مشاهدتها على طول شبكة الطرق. وبالإضافة إلى ذلك، لا تستطيع الحكومة السيطرة على البلاد بأكملها على النحو المطلوب. فإذا غابت قوات النظام أو ابتعدت، فبإمكان عناصر "الجيش السوري الحر" التحرك بحرية نسبية في كل من المناطق الحضرية والريفية. وفي الواقع لقد تحول الصراع إلى حرب متكاملة الأركان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث يدور القتال في جميع أنحاء البلاد طولاً وعرضاً وعلى النظام أن يدافع في كل مكان.
إيقاع العمليات. كثّف النظام من عملياته منذ منتصف شهر مايو "أيار"، كما زادت عناصر المعارضة المسلحة من أنشطتها أيضاً. وقد فرضت طبيعة القتال المستمر وحدّته المتزايدة متطلبات أكبر على قوات النظام. ففي الأسابيع القليلة الماضية أضطر الجيش إلى إرسال تعزيزات مدرعة بحجم لواء إلى حلب ودير الزور حيث لم تتمكن القوات المحلية من صد المقاومة المتزايدة. وعلاوة على ذلك، يبدو أن النظام على وشك أن ينفذ عملية كبرى في حلب.
استنزاف القوى. يواجه الجيش استنزافاً كبيراً في العتاد والجنود تبعاً لمجريات القتال والهروب من الخدمة والانشقاقات. ووفقاً لما قاله "المرصد السوري لحقوق الإنسان" والتقارير الحكومية، فإن عدد القتلى بين صفوف قوات النظام كان يبلغ ما بين 25-22 فرداً في اليوم خلال شهر يونيو "حزيران"، وربما إصابة 80 شخصاً آخر بجراح. كما أن الجيش الذي يقوده ضباط ينتمون الى الطائفة العلوية يعاني أيضاً مما يمكن تسميته بـ "الخسائر المرتبطة بالولاء"، ويشمل ذلك الجنود السنة الذين لا تتمكن قيادات الجيش من الوثوق بهم. وقد تم احتجاز بعض هؤلاء الأفراد أو تجريدهم من السلاح، في حين يستمر آخرون في تقويض الجيش من الداخل. ومما لا شك فيه أن الاستنزاف النفسي يعتبر هو أيضاً أحد العوامل: ومن المرجح أن بعض الأفراد ينفذون الحد الأدنى من الأوامر الصادرة إليهم أو حتى أقل من ذلك، نظراً لعدم تعاطفهم مع النظام.
إمكانيات الجيش
يتوقف مصير الجيش على عدة أسئلة. أولاً، هل يمكنه أن ينتصر باستخدام الاستراتيجية التي اتبعها حتى الآن والتي تركز على استنزاف المعارضة وإنهاكها؟ فبعد عام من القتال لا يبدو ذلك محتملاً. والحقيقة هي أن عدد العمليات التي تقوم بها المعارضة المسلحة ونطاقها وتعقيداتها وكثافتها آخذة في التزايد.
ثانياً، هل يمكن للجيش أن يتكيف عن طريق إيجاد طرق جديدة تساعده على استخدام موارده؟ وهنا أيضاً تبدو قدراته محدودة. ويعد ذلك جزءاً من منهج النظام في التعامل مع الصراع ككل، مما يستبعد اتباع استراتيجية ذات معنى لمكافحة التمرد – فلا توجد حملة "لكسب القلوب والعقول" تستطيع عزل السكان السنة الذين يشكلون الأغلبية عن "الجيش السوري الحر". وهناك سبب آخر يكمن في طبيعة الجيش نفسه. فمع وجود القيادة الفعالة في يد جنرالات موالين للحكومة وبلطجية النظام، لا يوجد احتمال كبير لإجراء تحليل جاد للتحديات الماثلة أمامهم وتنفيذ حلول واقعية. إن عمليات الجيش وتكتيكاته تبدو مبتذلة وتفتقر إلى سعة الخيال، كما يتم تنفيذ العديد من الإجراءات بصورة سيئة. فالجيش يحرز انتصاراته عن طريق الحشد والقوة النارية وليس بالبراعة والمهارة.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض العوامل التي تساعد في الحفاظ على تماسك الجيش السوري. فالجيش والنظام يحتفظان بولاء الأفراد العلويين في حين لم يُعرَف سوى انشقاق عدد قليل جداً منهم. كما أن الولاء للنظام يشكل عاملاً في إخلاص الجنود من المذاهب الأخرى، سواء كان ذلك يستند إلى الالتزام الشخصي أو المنافع المتمثلة بمناصب أو امتيازات أو علاوات في الأجور. ويخشى البعض الآخر من عواقب تغيير النظام أو الانشقاق وبالتالي فإنهم أكثر تحفيزاً للحفاظ على وحدتهم. وبالإضافة إلى ذلك، ونظراً لأن الحرب لم تحسم بعد فقد يعتقد العديد من الجنود – خصوصاً الذين لهم مصلحة في بقاء النظام – بأن الأسد سوف ينتصر.
وقد اتخذ الجيش أيضاً خطوات لتقليل الضغط، باستخدامه "الشبيحة"- المكونة إلى حد كبير من العلويين – لدعم عملياته ومقللاً بذلك من الضغط الملقى على كاهل جنود المشاة والقوات المدرعة، وباعتماده كذلك على ولاء جنود الصف الذين غالبيتهم من السنة. وقد أوردت التقارير أنه عمد أيضاً إلى تغيير ألوية قتالية معينة بالتناوب من أجل السماح للبعض بالراحة في حين يقاتل البعض الآخر.
وعلاوة على ذلك، فحتى مع كل هذه الضغوط المتزايدة، لم يستخدم الجيش بعد كامل قدراته في عملياته العسكرية. وعلى الرغم من أنه قد استعمل المدفعية الميدانية ضد أهداف مدنية وعسكرية، بين الحين والآخر، إلا أن باستطاعته استخدام مثل هذه الأسلحة على نطاق أوسع وبشكل أكثر كثافة مما هو عليه الآن. ولم يشهد أي مكان في سورية هذا النوع من القذف المدفعي الذي يستطيع الجيش إلحاقه. وعلى وجه التحديد لم يستخدم النظام مدفعيته الأثقل، والتي من بينها مدافع عيار180 ملم وصواريخ مدفعية تتراوح ما بين عيار220 ملم إلى333 ملم. كما باستطاعته أن يقرر إشراك القوات الجوية القتالية التقليدية – حيث لدى النظام 275 طائرة للهجمات الأرضية أو للقيام بأدوار هجومية معتادة.
بل بإمكان النظام أيضاً أن يقرر استخدام الأسلحة الكيميائية. ويبدو من غير المحتمل اتخاذ مثل هذه الخطوة بسبب العاصفة الدولية التي ستسببها، إلا أنه لا يمكن استبعادها. وعلى أي حال، ستكون خطوة كهذه بمثابة مؤشر يدل على احتضار النظام.
النظرة المستقبلية
بعيداً عن العوامل الداعمة وإمكانيات التصعيد، تتراكم عمليات إنهاك الجيش السوري وتتزايد وتيرتها، وإذا لم يتمكن الجيش من التصدي لتلك التحديات، فسوف ينهار على الأرجح رغم صعوبة تحديد الوقت الدقيق لذلك الانهيار. فقد تأتي النهاية بسرعة كبيرة أو عن طريق التفكك التدريجي على الأرجح.
ومع تحسين القدرات التخطيطية لـ "الجيش السوري الحر" فضلاً عن قدراته الاستخباراتية والقتالية والقيادة والتحكم فمن المفترض أن تزيد سرعة ذلك التفكك. وعلى أي حال من المرجح أن تتسم المرحلة النهائية في سوريا بالفوضوية والعنف، إلا أن التعجيل بسقوط النظام قد يحد من بعض الأضرار.
كما أن تعزيز قدرات "الجيش السوري الحر" قد يجعله في وضع أفضل للتعامل مع مرحلة ما بعد الأسد. وعندما يتفكك الجيش السوري سينهار معه غالبية النظام، وحينها يجب أن يكون لدى المعارضة نوع من الكيان الجاهز ليحل محله.
اضف تعليق