الرئيسية » أرشيف » رياح التغيير لم تهب على السينما التونسية
أرشيف

رياح التغيير لم تهب على السينما التونسية

14 يناير أو التاريخ الفاصل  في ذاكرة التونسي المواطن العادي البسيط أو السياسي و كذلك الفنان. ونقصد بالفنان كل من يعمل بالمشهد الثقافي في تونس من سينمائي أو رسام أو مسرحي أو روائي. فمع هذا التاريخ، تغيرت جملة و تفصيلا الخيارات والأحداث.

فانطبعت مثلا في ذاكرة التونسي مع هامش الأحداث أغنية “كلمتي حرة” لآمال المثلوثي التي كانت قبلا مقتصرة أغانيها على النخبة و كذلك أغنية “أنت الصوت” لياسر الجرادي و بديعة بوحيرزي و بنديرمان، كذلك عدة أغان أخرى لبنديرمان مثل “السيستام “و “اللي بعدو” أو لبديعة بوحريزي … و هكذا نلاحظ أن هذا النمط الموسيقي أو ما يسمى الموسيقى البديلة مع هؤلاء الشبان صار النمط الرائج بعد الثورة و لا ننسى هنا موسيقى الراب مع شبان كثر أطلقوا العنان لأنفسهم ليقولوا ما في مكنونات الشباب التونسي من مخاوف و هواجس.

أما في المسرح، و تونس قبل عدة أيام كانت تحتفل بالمسرح، أيام قرطاج المسرحية ، فكذلك الرؤى اختلفت و شاهدنا في الافتتاح مسرحية “ثورة صاحب الحمار” و كذلك جاءت مسرحية “تواما” و هي من بطولة منال عبد القوي لتتحدث عن بعض من تاريخ السبعينات المسكوت عنه في تونس.

هكذا كانت حمى الثورة في كافة المجالات الثقافية من مسرح و غناء، و كانت رياح التغيير قد هبت على هاذين المجالين، لكن هل وصلت هذه الرياح إلى القطاع الذي يثير أكثر من تساؤل في تونس و هو السينما.

السينما التونسية أو ما يصطلح على تسميتها بعض العارفين بالتجربة السينمائية بتونس بما أنه لا يحق لنا أن ندعي أن بتونس سينما، بل هي بعض تجارب ممولة بالاشتراك بين وزارة الثقافة التونسية و فرنسا. هذه التجارب أو الأفلام التي تلاقي الترحيب في المهرجانات و تربح الجوائز بينما تقابل في تونس بجفاء الجمهور لها في القاعات و في بعض الأحيان بالسخط و الحنق.

كيف لا و في نظر العديد، السينما التونسية لا تمثل المجتمع التونسي فهي بحسب مموليه الأوربيين لا تريد إلا صورا معينة ، صورا كلّها حافلة بمشاهد الحمّام و النساء العاريات يمارسن الجنس في البيوت المتوارية خلف أزقّة المدينة العربي. و قد كان للمخرجين صولات و جولات في هذا اللون من الأعمال.

العديد من المخرجين التونسيين و كذلك العرب، يقدمون السينما التونسية على أنها سينما مؤلف و سينما حرة، أي أنها تتمتع بهامش كبير من الحرية.

و لكن لسائل أن يسأل : هل الحرية في السينما تمثل مشاهد العراء و الجنس ؟
هل سينما حرة هي تلك التي تكسر تابوه واحد و هو تابو الجنس، و لا تقترب من بقية مثلث المحرمات ؟

بعد 14 جانفي، قدم في القاعات التونسية عدد من الأفلام التونسية و قد كان أولها فيلم “لائكية إنشاءالله” لمخرجته نادية الفاني، هذا الفلم الذي استفز السلفيين و جعلهم يقدمون على دخول قاعة الأفريكار و تهشيمها و تهديد مخرجتها. و قد أجمع العديد أنهم لم يشاهدوا الفلم و لكن عنوانه “ لا ربي لاسيدي” هو الذي استفزهم ، و الذي هو ترجمة حرفية لعنوانه بالفرنسية ، بينما عنوانه في النسخة العربية” لائكية إنشاءالله”.

هدا الفيلم الذي لم يتضمن إساءة للدين الإسلامي بل فقط طرح فكرة التعايش مع الاختلاف في تونس و فكرة اللأئكية التي تدافع عنها مخرجته.

بعد هذا الفلم ، وفي إطار مهرجان الفلم الأوروبي ، قدم فيلم “حكايات تونسية “لمخرجته ندى حفيظ المقيمة بأمريكا و الذي يعتبر أول تجاربها السينمائية.

جاء البرومو الترويجي لهذا الفيلم حافلا باللقطات الساخنة و تحدثت مخرجته أن الفيلم الذي يتحدث عن حكايات أربع نساء، أن واحدة منهن ستكتشف أن زوجها شاذ جنسيا. و قد قوبل هذا الفيلم بجفاء من الجهات الرسميّة التي  قدمت له تأشيرة ليعرض في مهرجان الفيلم الأوربي فقط، و من ثم بعد أخذ و رد سمح له بالعرض، فالجهات الرسمية الآن قرّرت تغيير توجّهاتها لتنسجم مع الواقع الجديد.

ويعتبر فلم “ حكايات تونسية” و “لائكية إنشاءالله” ، من أول الإعمال التي خرجت على الساحة السينمائية  في هذه الفترة و جذبا الانتباه، إضافة إليهما عدة أفلام وثائقية تحدثت عن الثورة التونسية و منها خاصة الفيلم المتميز” كلمة حمراء” لإلياس بكار.
و لكن  يبدو أن رياح التغيير لم تهب بعد على السينما التونسية  بعد التي مازالت تدور في نفس الدائرة النمطيّة التي تقدم  المرأة باعتبارها جسدا أو مصدرا للذّة أو  ضحيّة مازالت تتعرّض للاعتداء على أبسط حقوقها.

ومع وصول الإسلاميين إلى السلطة، أبدى البعض منهم مخاوف، فأخفّ الأضرار حرمانهم من الدعم الماديّ و المعنويّ الذي كان يأتيهم من وزارة الثقافة. 

فكيف سيكون مصيرهم في المشهد الثقافي الجديد ؟ هل سيفلسون ؟ أم سيغيّرون اتجاهاتهم ؟ و سينتقون مواضيع أخرى ليعملوا عليها ؟

في حوار له في إحدى القنوات التلفزية، قال راشد الغنوشي من مؤسسي حركة النهضة أنه شاهد فلما تونسيا به الكثير من العري و الإسفاف، و قال بما يفهم منه أن هذه المشاهد لا يجب معاودة تقديمها في السينما التونسية.

و في الحقيقة، بخلاف راشد الغنوشي، لم يتحدث الكثيرين من رجالات السياسة أو الأحزاب عن الثقافة في تونس و لا عن مشروع ثقافي شديد و لا حتى عن دعم الثقافة من مسرح أو سينما. فكل هم أهل السياسة: إن كان الرابحين من حركة النهضة و التكتل و المؤتمر هي هموم أخرى و ليست هموما ثقافية.

و لكن، مع هذه الرياح التغيرية الجديدة يبقى على السينمائيين التونسيين و بعيدا عن الأخلاقيات، البحث عن رؤى إبداعية جديدة تتطابق مع ما يعيشه الشارع التونسي الجديد من ثورات و غليان و الابتعاد عن ماساروا عليه سابقا، فالبقاء على نهجهم القديم لا يعتبر إلا إفلاسا إبداعيا.

و كما استفاد الغناء و المسرح من الثورة، يبقى المبدعين السينمائيين قادرون على التكييف مع هذه الثورة و نتائجها و تقديم مايهم التونسي فعلا بخطاب جمالي يقنعه و يعجبه.
و في انتظار التجارب السينمائية القادمة، يبقى المشهد الثقافي في تونس ضبابيا، خاصة بعد الأحداث العنيفة الأخيرة التي قام بها السلفيون ضد محامين و صحافيين في جلسة قناة نسمة على خلفية عرض القناة لفيلم برسيبوليس.

يبقى شق من المثقفين و الفنانين خائفين على حريتهم التي إفتكوها من النظام السابق.
فقضية قناة نسمة هي في الأخير قضية حرية إبداع و رأي. و يبقى شق آخر متشككا و مترددا  في انتظار ما ستؤول إليه الأمور.