في مسعى دولي جديد لحلحلة الوضع المتفاقم في لبنان، جاءت مخرجات مؤتمر باريس ومبادرة الرئيس الفرنسي لتبدو أشبه بمن يحاول إطفاء حريق هائل بخرطوم ماء مثقوب. لكن هل تنجح هذه الجهود في إخراج الجيش اللبناني من دائرة العجز؟
يبدو مؤتمر باريس كمسرحية سياسية قديمة أو كجزء من مشهد سياسي مألوف، يعيد إنتاج نفس السيناريوهات التي طرحتها إدارة بايدن سابقًا. يُشبه الأمر إعادة توزيع أوراق اللعب، لكن بدون تغيير اللاعبين الرئيسيين. فبدلاً من أن يكون المؤتمر خطوة نحو تعزيز مؤسسات الدولة، يبدو أنه يسعى إلى تكريس هيمنة حزب الله في السياسة اللبنانية، مما يضعف بالتالي فرصة الجيش اللبناني لاستعادة دوره كحامٍ للوطن.
فضلا عن أن المساعدات الدولية الموجهة للجيش قد تتجه، في غياب رؤية واضحة، نحو تحقيق أغراض سياسية بدلاً من تعزيز القدرات الدفاعية. وربما يجرى توجيهها مجدداً إلى إعادة بناء قدرات حزب الله عوضاً عن الجيش اللبنانى الذى من المفترض أنه حام للسيادة الوطنية .فقد سبق وتم هيكلة المساعدات من إدارتى بايدن ومن قبلها أوباما على النحو الذى يكرس تموضع حزب الله بالمشهد السياسى اللبنانى .
بصفة عامة يُواجه الجيش اللبناني تحديات هائلة تتمثل في الانقسامات العميقة داخل المجتمع. فالثقة المتزعزعة بين المواطن والجيش تعكس واقعاً مُرّاً: بينما يرى البعض في الجيش رمزاً للوحدة الوطنية، يعتبره آخرون جزءًا من نظام فاشل. هذه الديناميات تُعقد من مهمة الجيش في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وتزيد من حدة التوترات.
وفي ظل هذه الظروف، يأتي الاقتراح بإدخال عناصر من حزب الله إلى صفوف الجيش ليكون بمثابة قنبلة موقوتة. إذا ما تحقق هذا السيناريو، فإنه سيُفقد الجيش استقلاليته، ويُضعف مكانته كقوة عسكرية مهنية تُعبر عن جميع اللبنانيين إلى قوة أخرى فى يد حزب الله .
إذاً , ورغم النجاحات المادية التي حققها مؤتمر باريس، يبقى التحدي الأكبر ليس مرتبطًا بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701، الذي صدر بعد حرب 2006، والذي ينص على ضرورة نزع السلاح غير الشرعي في الجنوب. بل فى القرار 1559 الذى ينص على نزع سلاح حزب الله بالكامل وخروج أى مستشار عسكرى من الأراضى اللبنانية لكن، كما هو واضح، يفتقر المؤتمر إلى الآليات اللازمة للضغط نحو تنفيذ هذا القرار، مما يُشعر اللبنانيين بأنهم عالقون في حلقة مفرغة من الوعود الفارغة.
ومن ناحية أخرى، لا تخفي أوساط أوروبية وعربية مآخذها على مقاربة إيمانويل ماكرون للملف اللبناني منذ تفجير مرفأ بيروت، وتعتبر أن “أسلوبه الفردي” وإصراره على “الحوار مع حزب الله وإيران”، أدى لفشل مبادراته المتتالية، نظرا لرغبة طهران في “ترتيب الصفقات مع واشنطن” وكذلك لتعقيدات الوضع اللبناني بحد ذاته.
الأزمة تتجذر على نحو أعمق، ولا يبدو أن هناك حلولًا فى الأفق القريب والجيش تحول إلى قوة لفض النزاعات الأهلية بين النازحين لذا يجب أن تُطرح حلول جذرية تأخذ بعين الاعتبار أسباب الأزمة، بدلًا من الاعتماد على مؤتمرات تجميلية لا تعالج الجوهر.
في النهاية، إن الأوهام المتعلقة بدور الجيش اللبناني يجب أن تتبدد. المؤتمر الدولي الذي عُقد في باريس، رغم حسن نواياه، لا يقدم حلاً حقيقيًا للأزمات العميقة المتراكمة فى ظل غياب الضغط الدولى على حزب الله لتسليم سلاحه . ومع ذلك يبقى الأمل معقودًا على أن تتجه الأمور نحو إعادة بناء لبنان، لكن ذلك يتطلب خطوات جادة وصادقة من جميع الأطراف المعنية. فإن استعادة الجيش لدوره الفاعل كحامٍ للوطن لن يتم إلا من خلال الشعب بعيدًا عن كوابيس الماضي.
اضف تعليق