لاتزال الآمال معقودة على المبادرة المصرية لخفض التصعيد في قطاع غزة ومساندة القضية الفلسطينية، فمع انطلاق الأزمة في حي الشيخ جراح، بدت تحركات الدولة المصرية ، على كافة الأصعدة عبر توفير كافة الحلول السياسية والمبادرات لوقف نزيف الدم، أو من خلال تقديم الدعم اللوجيستي للمصابين والمرضى.
وبدأت القاهرة جهودها مبكرا بالاتصال مع إسرائيل وكذلك حماس من أجل وقف النار، تضمن مشروع الهدنة المصرية عددا من النقاط ، أبرزها تجميد الاستيطان، ووقف عمليات هدم منازل الفلسطينين، فضلاً عن وقف استهداف قيادات الفصائل الفلسطينية، وفي حال استمر استهدافهم، أبدت القاهرة استعدادها لنقل أسرهم إلى الأراضي المصرية.
وفي التفاصيل، تضمن المقترح المصري تجميد الاستيطان دون أي شروط تماما، ووقف سحب المنازل من الأسر الفلسطينية لمنع تجدد المواجهات، على أن تتعهد إسرائيل بذلك.إلا أن السلطات الإسرائيلية تتحفظ على تلك النقطة، رافضة وقف أو تجميد الاستيطان، أو عمليات الإخلاء بالقوة.
كما نص المقترح على احترام المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، ووقف الاعتقالات العشوائية والإفراج عن الذين تم القبض عليهم مؤخرا في مواجهات مع الأمن الإسرائيلي.إلى ذلك، تضمنت المبادرة المصرية “وقف البالونات الحارقة من قبل الفصائل الفلسطينية المختلفة والتعهد باحترام الهدنة، وبعدم إطلاق صواريخ.
وحتى الآن ومنذ تفجر المواجهة العسكرية، بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة، بدا أن أيا من الجهود الدولية والاقليمية، الرامية لوقف إطلاق النار بين الجانبين، لم تكلل بالنجاح، في ظل فجوة بين رؤية قيادة حماس في غزة من جانب، والقيادة الإسرائيلية من جانب آخر، وفي ظل رفض تشير جل التقارير إلى أنه قادم بشكل أساسي من إسرائيل.
كان وزير الاستخبارات الإسرائيلي ، إيلي كوهين، قد لخص الرفض الإسرائيلي، بتصريحات قال فيها، إن حكومة بلاده قررت رفض أي اقتراحات، بخصوص إمكانية وقف عملياتها العسكرية الجديدة في قطاع غزة، وفي حوار مع إذاعة الجيش الإسرائيلي الخميس 13 أيار/مايو، قال كوهين”اتفقنا أمس على الرفض التام لكل الطلبات المختلفة بشأن وقف إطلاق النار”.
على الجانب الفلسطيني وفيما يخص حماس، لخص رئيس المكتب السياسي للحركة في الخارج خالد مشعل، شروط الحركة لوقف إطلاق النار، في حديث تليفزيوني قائلا، إن تلك الشروط تتمثل بانسحاب القوات الاسرائيلية من المسجد الأقصى، وتوفير حرية العبادة، ووقف تهجير العائلات من حي الشيخ جراح المقدسي، إضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين خلال التصعيد الاخير، ووقف العدوان على غزة
وفى ظل حالة التعنت تواصل مصر “جهود استعادة الهدوء في إسرائيل والضفة الغربية وغزة في ضوء الخسائر المأساوية في أرواح المدنيين حيث قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اليوم الاثنين، إنه ناقش مع القيادات الفلسطينية والإسرائيلية مبادرة مصرية لوقف العنف بين الجانبين، والمستمر منذ أواخر شهر رمضان وخلف عشرات القتلى والجرحى.
وأكد في مؤتمر صحفي في باريس “على أهمية المبادرة المصرية”، مضيفا أنه “تطرق لهذه المبادرة مع (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو و(الرئيس الفلسطيني محمود) عباس”.
وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقصر الإليزيه فى العاصمة الفرنسية باريس، موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية وضرورة وقف أعمال العنف فى أسرع وقت ممكن، والتوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وفق المرجعيات الدولية.
وأكدت البحرين تأييدها للمبادرة المصرية التي تسعى إلى تحقيق هدنة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وإتاحة المجال أمام الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار لمنع سقوط المزيد من الضحايا، مشيرة إلى أن كل يوم يمر دون التوصل إلى وقف إطلاق النار لأمد بعيد يعني سقوط المزيد من القتلى والجرحى وتدمير المنشآت المدنية، ويصعب الوصول إلى حل سلمي للصراع.
جاء ذلك خلال كلمة وزير الخارجية البحريني عبداللطيف بن راشد الزياني، الأحد، في الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي الذي عقد عن بعد.ودعا الزياني إلى توحيد وتكثيف الجهود الدبلوماسية لحشد الدعم اللازم للمبادرة المصرية، والعمل على أن يسندها قرار من مجلس الأمن يحث جميع الأطراف على الترحيب والقبول بالمبادرة المصرية، بما في ذلك إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، وأن تتواصل الجهود لتحقيق التعاون بين دول المنطقة لجعلها آمنة ومستقرة ومزدهرة لصالح جميع شعوبها.
وقال إن استمرار هذا التصعيد الخطير يهدد حياة المدنيين الأبرياء ويعرض المناطق المأهولة بالسكان إلى دمار كبير، وقد يقود إلى مواجهات أكثر خطورة تهدد الأمن والسلم الإقليمي، معربا عن إدانة بلاده للاعتداءات الإسرائيلية على القدس وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعن تطلع البحرين للوصول إلى حل سياسي يحقق الأمن والسلام العادل والدائم في المنطقة مبني على حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لقرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين ومبادرة السلام العربية.
وذكرت وزارة الخارجية القطرية في بيان منفصل أن الشيخ محمد بن عبد الرحمن أجرى اتصالا هاتفيا بوزير الخارجية المصري يوم الأحد استعرضا فيه “علاقات التعاون الثنائي وتطورات الأوضاع في فلسطين”.
وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان “اتفق الوزيران على أهمية العمل للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بشكل فوري بين الجانبين، كما اتفقا على استمرار التنسيق في الإطار الثنائي كما في الأطر الإقليمية والدولية حول ما فيه تحقيق مصلحة الشعب الفلسطيني والتوصل إلى وقف لإطلاق النار”.
لم يتوقف الدور المصري عند الجهود السياسية مبادرات وقف إطلاق النار، حيث أكدت القاهرة مسئوليتها عن الشعب الفلسطيني وأنه جزء لا ينفصل عن الشعب المصري. وفتحت مصر الاحد معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة لاستقبال العالقين الفلسطينين من الطلاب والمرضى المحولين إلى مستشفيات مصر.وقالت المصادر ومسؤولون محليون في قطاع الصحة إنه تم إرسال 5 سيارات إسعاف أخرى لدخول غزة في وقت لاحق وجرى تجهيز 3 مستشفيات مصرية لتقديم العلاج.
أكد الدكتور خالد عكاشة المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية أن مصر تواصل إتصالاتها الدولية المكثفة وتعمل على وقف سريع لاطلاق النيران بالأراضى الفلسطينية المحتلة و تجنيب شعب فلسطين تكبد المزيد من الخسائر فى الأرواح والممتلكات، و الانتقال إلى عملية سياسية جديدة شاملة.
وقال الدكتور خالد عكاشة ،- في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الإثنين- تعقيبًا على التصعيد العسكري بالأراضي الفلسطينية، إن الوساطة المصرية تحظى بثقة كبيرة من جميع الأطراف الفلسطينية التى تدرك إن مصر تتحرك في كافة الاتجاهات وبشكل شامل لوضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني، و من منطلق مسئوليتها و موقفها الثابت والتاريخي تجاه الأشقاء الفلسطينيين وقضيتهم العادلة المدرجة دائما على أولويات السياسة الخارجية المصرية، التي تحملها إلى كافة المحافل الدولية.
ولفت إلى استمرار الجهود المصرية حتى هذه اللحظة، وعقد اللقاءات المكثفة وفتح قنوات اتصال مع كافة الأطراف الفلسطينية والاسرائيلية والعربية والدولية لوقف إراقة الدماء والتصعيد العسكري في قطاع غزة بشكل عاجل، بالاضافة إلى تحركات مصر ومحاولاتها لإعادة الجانبين إلى طاولة مفاوضات منصفة وواقعية.
ونوه بأن مصر منذ اللحظة الاولى استبقت التصعيد العسكرى وأدانت بشدة الانتهاكات بحق الفلسطينيين بمدينة القدس وأحيائها وفي بعض من مناطق الضفة الغربية، معتبرًا أن استدعاء السفيرة الاسرائيلية لدى القاهرة (يوم 9 مايو الجارى) فى لحظة حرجة وحساسة وقبل بدء التصعيد الحالي، لإبلاغها بتحفظ مصر الشديد ورفضها الكامل للمشهد بالقدس، كان بمثابة جرس إنذار مهم لعدم الانزلاق إلى الوضع الذي نشهده اليوم.
ورأى الدكتور خالد عكاشة انه ربما لو كان الطرف الاسرائيلي قد تجاوب مع مصر في هذا التوقيت المبكر كان من الممكن تجنيب الفلسطينيين ومجمل المشهد هذا التعقيد الذي حدث بعد اجتماع وزير خارجية سامح شكري مع السفيرة الاسرائيلية بالقاهرة، مشددًا على أن ذلك يؤكد أن الرؤية الاستباقية المصرية كانت مستشرفة للوضع بدقة وقرأت الأوضاع بشكل جيد منذ البداية.
ونبه بأن المواطن الفلسطيني هو الذي يدفع الفاتورة الباهظة نتيجة الانسداد في الافق السياسي و بسبب هذا التصعيد العسكري، مشيرًا إلى أن مصر لا تألو جهدًا في حماية المواطن الفلسطيني حيث تحاول تأمين حياته وممتلكاته وتدرك أن الانزلاق إلى العنف والعنف المتبادل يسبب ضررًا بالغا وفادحًا لإمكانية الوصول لحلول سياسية مستقرة .
وذكر العميد خالد عكاشة بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي عبر في أكثر من موقف عن أن المجتمع الدولي عليه تحمل مسئوليته في الوصول إلى فتح صفحة جديدة من صفحات التفاوض الجاد ما بين الفلسطيينين والاسرائليين لضمان حصول شعب فلسطين على حقوقه المشروعة، مع أهمية العودة إلى قرارات الشرعية الدولية لكى تكون المحدد الرئيسى لأى شكل من أشكال العمل الدبلوماسي أو السياسي المتبادل بين الأطراف.
وشدد على ضرورة أن يستعيد المجتمع الدولي مرة اخرى ثقة الجانب الفلسطيني على وجه التحديد وذلك عبر وضع الاطر الخاصة بحل الدولتين الذي توافقت عليه كل الأطياف الفلسطينية، موضحًا أن هذا هو الاطار العام الذي أكدته مصر على لسان القيادة السياسية و الموقف الذي تعمل عليه للعودة مرة اخرى الى عملية تفاوضية سياسية بهذه المحددات تعطي أملًا لشعب فلسطين بأن حقوقهم المشروعة قادمة بالحلول السياسية والتفاوض و بالالتزام وبالحماية الدولية، لتصل بهم في النهاية إلى الاعتراف بحقوقهم المتمثلة في دولة حدودها الرابع من يونيو 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
المراقبون يؤكدون أن أن وقف إطلاق النار سيعتمد بشكل أساسي على الجانب المصري، لما له من بعد تاريخي في القضية الفلسطينية. وأن التدخل المصري سوف يكون هام جدا في تهدئة الأوضاع و معالجة ملفات أخرى بالتزامن مع هذا الملف و لكن الأمر سيتطلب مزيدا من الوقت و دعما عربيا من دول الجوار و جهودا دبلوماسية من الخارجيه المصرية
اضف تعليق