الرئيسية » تقارير ودراسات » من أجل شرق أوسط جديد ..هل تقود الإمارات الوساطة بين موسكو وأنقرة ؟
تقارير ودراسات رئيسى

من أجل شرق أوسط جديد ..هل تقود الإمارات الوساطة بين موسكو وأنقرة ؟

https://e1.elaphjournal.com/resources/images/News/2021/11/week4/48c35af1ece29ef42ea13ccea18df934.gif

كتب : خالد أبوظهر – هبة المنسي

على الرغم من أن زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا لم تستغرق سوى ساعات معدودة  بيد أنها كانت كافية لتمنح مؤشرات حول لحظة سياسية فارقة ربما يعاد خلالها ترتيب النقاط المتناثرة على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية  إثر انسحاب الولايات المتحدة  التدريجى  من ملفات المنطقة الحرجة .

ومع أن الضلع الاقتصادى كان الأبرز في الزيارة التى شهدت توقيع حزمة اتفاقات باستثمارات مالية إماراتية جديدة، في الاقتصاد التركي قدرت بـ10 مليارات دولار، والنية تتجه لزيادتها، وزيادة حجم التبادل التجاري من 8 مليارات إلى 15 مليار دولار في المستقبل القريب لكن العنوان السياسي  فرض نفسه بقوة على طاولة الحوار والتى شهدت مناقشة ملفات النزاعات في سوريا و ليبيا  والتي تعد حجر الزاوية باللقاء الثنائي

إذ يتضح من الرصد السريع أن ثمة اشارات عدة عبدت الطريق لهذا التحول وان الزيارة تمثل تتويجاً له , فقد شهدت الآونة الأخيرة عددا من الاتصالات واللقاءات بين مسؤولي البلدين، ففي 30 أغسطس ناقش الشيخ محمد بن زايد والرئيس التركي خلال اتصال هاتفي العلاقات الثنائية.وقبلها بأسبوعين، وتحديدا في 18 أغسطس، التقى الرئيس التركي وفدا إماراتيا برئاسة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.وفي بداية نوفمبر الجاري، قدمت الإمارات 10 ملايين دولار للمساهمة في إعادة التأهيل المناطق التركية، التي تضررت من حرائق الغابات والفيضانات.

التقارب الإماراتي التركي يتقاطع بشكل أو آخر مع تحرك موازى على خطّ موسكو – أبوظبي  فقد استقبل الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا نائب وزير خارجية الاتحاد الروسي م. بوجدانوف سفير دولة الإمارات المتحدة الدكتور محمد أحمد الجابر حيث ناقش الطرفان سبل زيادة تعزيز العلاقات وتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك . وبالتزامن مع ذلك  التقى مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن جروندبرغ فيموسكو مع نائب وزير الخارجية فاسيليفيتش ونائب وزير الخارجية والممثل الرئاسي الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا بوغدانوف. ناقشوا الحاجة إلى تسوية سياسية شاملة للصراع.

عند صياغة المعطيات السابقة ووضعها في سياق  المعادلات الجيوسياسية في المنطقة  سنجد ان مقدمة جيدة لاستنباط  وفهم محفزات ومآلات  التحرك الإماراتي نحو موسكو وأنقرة . إذ تبدو أبوظبى ,انها تستخدم كامل قوتها الناعمة لتقريب وجهات النظر وخلق مسارات من التفاهم بين  الجانبين  خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار  أن الدولتين من أكثر الجهات الفاعلة تأثيراً في الشرق الأوسط  بالمرحلة الراهنة . فضلاً عن كونهما على طرفى النقيض في كل الملفات الساخنة .

لذا تبدو المقاربة الإماراتية لبناء تفاهمات وسياسات استراتيجية بين موسكو وأنقرة مهمة  في سياقها لتلاف المخاطر والتهديدات الناجمة عن ارتفاع وتيرة صراع النفوذ بينهما وانعكاسات ذلك على المنطقة  . على سبيل المثال، تسيطر تركيا الآن أجزاء من سورية، ولها نفوذ في العراق،كما  دخلت على خط الصراع في الحرب الأهلية الليبية وتدخلت مؤخرًا بشكل حاسم في النزاع في القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ. ويتطلع المسؤولون في أنقرة أيضًا إلى توسيع الأدوار في القرن الأفريقي ولبنان.

هذا التوسع التركي يتجافى مع المصالح الإقليمية لموسكو والتي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع جميع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة وترى أنها مهيأة للعب دور كبير في تشكيل مستقبل المنطقة. وقد قاد هذا التناقض إلى اشتباك فعلي بين الجانبين في كثير من الجبهات طبع بصماته على  الساحات المشتعلة بالفعل .

مساعى أبوظبى نحو تقارب إقليمي يؤشر إلى أهمية تبريد أجواء المنطقة  بتنحية الخلافات التى أفضت إلى اصطفاف دول الإقليم في محاور منقسمة ليكون ذلك  إيذانا بمرحلة جديدة لخارطة التحالفات في الشرق الأوسط خاصة مع الانسحاب الأمريكى  المرحلي من المنطقة  وبعد  أن كشفت واشنطن عن استراتيجيتها الدفاعية الجديدة التي تولي وجهها شطر اسيا مما أسفر عن حالة من  الارتباك اختلطت فيها أوراق اللعبة، أوجبت بدورها ضرورة التحرك في إطار سياسية أكثر تشاركية يتم من خلالها تعزيز قنوات التواصل بين دول الجوار الإقليمي.

إدراك الإمارات المبكر لتلك المستجدات الإقليمية والدولية ترجم في استكمال مسار الانفتاح على سوريا، وهو المسار الذي بدأ  بإعادة فتح سفارتها في دمشق، مع توظيف قوتها في الجذب كسوق متقدم ومتوسع في الخليج مع الموارد للمساعدة في إعادة إعمار سوريا. كما انعكس بالملف الليبي عبر تجديد الإمارات تأكيدها على دعمها العملية السياسية لتحقيق المصالحة بليبيا، وصولا للاستحقاق الانتخابي المحدد له 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل. ومن ثم في بناء مسارات للتوافق بين موسكو وأنقرة .

يقف الشرق الأوسط الآن عند مفترق طرق , ومستقبله سيتوقف على المسار الذي تتبعه دوله  , فإذا كانت ديناميكيات التحول عقب الاستدارة الأمريكية  قد أفرزت محادثات إيجابية بين الرياض وطهران، عبر ساطة عراقية عمانية، ورياح دافئة فى العلاقات المصرية القطرية  بالإضافة إلى التركية ، فإن الفوضى لاتزال سيدة الموقف على الساحة اللبنانية واليمنية  وغيرهما بالتزامن مع تصاعد مخاطر عودة تنظيم الدولة “داعش” عبر البوابة الأفغانية.لذلك تبدو تلك الديناميكيات التي أفضت  إلى هذه الموجة من التقارب بين دول المنطقة هى مفتاح تحقيق الاستقرار الجيوسياسي  .

وتبقى التجربة أكبر برهان, هذا هو المفهوم الذي يحتاج إلى التوافق عليه من قبل جميع القوى الإقليمية, لاسيما وأن  مقتضيات الاستقرار الإقليمي تتطلب وضع هدف تقليل احتمال ظهور منافسات وخصومات جديدة على رأس أولوياتها  ومن ثم التوجه نحو بناء شرق أوسط جديد من خلال تحالف إقليمي يقوم على مواءمة كاملة لمصالح كل مشارك ، والاتفاق الكامل على الحلول المقترحة للمشاكل

إن الشرق الأوسط الكبير لديه فرصة تاريخية للسيطرة على التحولات الراهنة  والتأثير عليها بدلاً من الاستمرار كساحة للمواجهة. إذ لا يمكننا الاستمرار في الانتقال من أزمة إلى أخرى ، والكفاح من أجل إطفاء نيران الصراع بينما تتجه مناطق أخرى إلى البناء من أجل الازدهار. فالمنطقة _بلا شك –  تستحق الأفضل ويجب أن تخطط دولها  لدور وأهداف جديدة. خاصة وأن هناك الكثير من الطروحات التي تنتظر الانطلاق إذا أمكن تحقيق الاستقرار الجيوسياسي.