لايمثل فوز إبراهيم رئيسى بالانتخابات الإيرانية مفاجأة سياسية , إذ كان من المرجح وصوله إلى قصر سعد آباد بمنتهى اليسر لاسيما وأن جميع المؤشرات كانت تنبىء بفوز متوقع من الرجل المقرب للمرشد الأعلى ..لكن يبقى السؤال ماذا بعد ؟ هل يؤثر فوزه على ملف المفاوضات بشأن خطة العمل المشتركة؟ وما هى تداعيات ذلك على سياسات طهران الإقليمية ؟
وكان وزير الداخلية الإيراني رحماني فضلي قد أعلن ، السبت، فوز المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، بحصوله على 17 مليوناً و926 ألفاً و345 صوتاً، أي ما نسبته 61.95% من أصوات المقترعين.وذكر فضلي في مؤتمر صحافي نقلته قناة “العالم” الإيرانية الرسمية، أن عدد الأصوات في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، بلغ 28 مليوناً و933 ألفاً وأربعة أصوات. وبلغت نسبة الإقبال في الانتخابات 48.8 بالمئة.
طريق رئيسى إلى قصر سعد آباد كان ممهداً انطلاقاً من عدة معطيات سبقت عملية التصويت ..فقد استبعد مجلس صيانة الدستور الذى يسيطر عليه التيار المحافظ الوجوه المعتدلة والإصلاحية وضمت قائمة المرشحين السبعة 5 أسماء من التيار المتشدد مقابل مرشح واحد فقط من الاصلاحيين وآخر مستقل .
فضلاً عن أن الإعلان عن ترشيح رئيسي جاء بعد أشهر من مواقف أبدتها تشكيلات سياسية أساسية للمحافظين والمتشددين، أكدت نيتها دعمه في حال تقدم للانتخابات. فى انتخابات 2017، نال رئيسي 38 بالمئة من أصوات المقترعين، إلا أن ذلك لم يحل دون فوز روحاني من الدورة الأولى، بولاية ثانية في رئاسة الجمهورية. ولا يحق للرئيس الحالي دستوريا الترشح لدورة رئاسية ثالثة متتالية.
وقدم رئيسي نفسه يومها على أنه “مدافع عن الفقراء”، واعدا بزيادة المعونات المباشرة المقدمة إليهم، وعول بشكل أساسي على أصوات الفئات الفقيرة والمهمشين اقتصاديا.ولدى ترشحه في 2017، كان رئيسي يتولى شؤون العتبة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد بشمال شرق البلاد.وفي 2019، عينه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي رئيسا للسلطة القضائية، داعيا إياه لمواجهة “الفساد”.
فوز رئيسي يعزز – بلا شك – إمساك التيار المحافظ بمفاصل هيئات الحكم في الجمهورية الإسلامية، بعد فوزه العريض في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) العام الماضي. حيث يعد الابن المخلص لمؤسسة الحكم الإيرانية و الأقرب للمرشد الأعلي وهذا يعني الكثير من الدعم العلني والخفي له وقد جرى تعينه في منصبه بقرار مباشر من خامنئى في مارس 2019.
خطوات رئيسي على مستوى مكافحة الفساد ومواجهة الفاسدين على مستويات عالية ضمن الدولة تؤشر إلى أن رؤيته قد تنصب على معالجة المشاكل الداخلية وهو ما أكّده خامنئي بدعوته المرشحين للتركيز على البعد الاقتصادى ، وتعليق رئيسي عقب صدور النتائج، أن “الحكومة الجديدة، ستبذل قصارى جهدها لحل مشاكل البلاد، خصوصاً في مجال الوضع المعيشي للمواطنين” .وقد رفع في حملته شعار مواجهة “الفقر والفساد”. وهو ما يسعى نظام طهران لمعالجته لاحتواء موجات الغضب الشعبي وتفاقم الوضع الاقتصادى فى البلاد عقب انسحاب ترامب من خطة العمل المشتركة واستئناف تطبيق العقوبات على طهران .
فرص نجاح الرئيس الثامن لإيران فى ملف الاقتصاد تبدو ضئيلة حيث أثبتت السنوات الخمسة الأخيرة، والتى شهدت انهيار الاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات وممارسات النظام المزعزعة للاستقرار إقليمياٌ ، حجم الارتباط الشرطى بين السياسة والاقتصاد، وأن أي تحول إيجابى بالواقع الاقتصادي الإيراني لابد وأن يسبقه تغير فى سياسات النظام الإقليمية والدولية، لفك العزلة عنها، وهو أمر غير متوفر تماما في منهجية رئيسي حيث تتسم لغة خطابه السياسية بالمزج بين الشعارات الوطنية العليا وخطابات المواجهة والتحدي للقوى الإقليمية والدولي بطريقة لا واقعية، فضلاً عن افتقاده لأية خبرة أو رؤية في مجال الأداء الوظيفي الاقتصادي.
تزامن الانتخابات مع مباحثات تجري في فيينا بين إيران وأطراف الاتفاق فرضت على المراقبين التقصى بطبيعة الحال حول مستقبل السياسية الخارجية الإيرانية فى عهد رئيسى , وعلى الرغم من ذهابهم إلى ان رؤية روحانى قد تختلف عن نظرة رئيسى . وان الأول أعطى أولوية للقضايا الدولية مما أسفر عن التوصل إلى الاتفاق النووى بيد أن الواقع قد يبدو مغايراً .
فوز رئيسي و انسحاب روحانى من المشهد الإيراني لن يطبع أى بصمات تذكر على ملف المفاوضات والاتفاق النووى فالاثنين مجرد وجوة متغيرة داخل حلقة سياسية واحدة إذ إن لخامنئي، وليس للرئيس، القول الفصل في سياسات البلاد النووية والخارجية،ومن ثم سيظل دور الرئيس الجديد شرفياً ولكن قد يقوض فوز إبراهيم رئيسى جهود تهدئة التوتر مع واشنطن خاصة وأنه يخضع لعقوبات أميركية، فقد أدرجته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على قائمة عقوباتهما بسبب ضلوعه في عمليات إعدام جماعية لآلاف السجناء السياسيين عام 1988.
بوادر التوتر جاءت من اسرائيل حيث قال عضو الكنيست عن حزب “يش عتيد”، “رام بن براك”: إن اختيار “إبراهيم رئيسي” رئيسًا لإيران هو دليل قاطع لقرار المرشد الأعلى علي خامنئي تشديد السياسة الإيرانية الخارجية، لا سيما تلك الخاصة بالملف النووي وتصدير الإرهاب. وأكد “بن براك”، أن هذا الأمر يشكل تحديًا كبيرًا بالنسبة للدول الغربية وأكبر بكثير بالنسبة لإسرائيل.
وفي فيينا أعربت مصادر دبلوماسية على صلة بالمفاوضات النووية عن خشيتها من تعقيد المحادثات بعد فوز رئيسي في الانتخابات الإيرانية، كونه على لائحة العقوبات الأميركية لدوره في الإعدامات الجماعية للمعارضين في الثمانينيات.
رئيسى – روحانى وجوه متغيرة داخل حلقة سياسية واحدة يمثل مشروع ولاية الفقيه أهم مفرادتها , إذ لا فارق جذرى بين رئيس إصلاحي أو أصولي فكلا التيارين رغم ما يبدو من أن بينهما ” ما صنع الحداد ” غير أنهما واقع الحال وجهين لعملة واحدة ويجرى توظيفهما وفق مقتضيات الظرفية السياسية .وصول روحانى إلى قصر سعد آباد دورتين متتاليتين لم يكن فقط امتثالاً لتغير المزاج الشعبى الذى أرهقته سنوات المواجهة ويتطلع إلى مزيد الانفتاح بل كان استجابة لحاجة النظام لقلب الطاولة بعد استنفاذ وسائل صموده الإيديولوجية فيما يتعلق بالملف النووى وهو ما اضطره حينها لسحب معسكر الصقور للخلف . فوز رئيسي هو أيضاً انعكاس لرغبة الولى الفقيه نفسه في الإمساك بالعصا من المنتصف , فقد جاء الرئيس الثامن بصورة المدافع عن الطبقات المهمّشة متسلحاً بإنجازات على مستوى مكافحة الفساد ومواجهة الفاسدين لقيت استحسانا داخليا من أطياف الشعب لكنه يظل الابن المخلص للمرشد وأحد رموز التيار المتشدد وبإمكانه رفع العصا حال تجدد أى احتجاجات خاصة وأن النظام الملائى يدرك جيداً أن مستقبله السياسي على المحك ويعتمد على معالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة .هذا إلى جانب الرسائل التى يحملها وجود رئيس من التيار المحافظ للغرب فى هذا التوقيت . وكما كتب عباس خامه يار – المستشار الثقافي الإيراني في لبنان يبدو النظام بحاجة إلى “رئيس لا ترهبه الضغوطات”
اضف تعليق