انقسم الشارع المصري بشكل واضح الى معسكرين بينهما مساحة كبيرة من الجدل اثر اعلان النتائج الأولية لانتخابات رئاسة الجمهورية.
فقد أصيب معسكر الثوريين والاسلاميين والليبراليين والناصريين وغيرهم، بصدمة ثقيلة منذ "اكتشاف" تقدم أحمد شفيق وترجيح دخوله جولة الاعادة أمام مرشح الاخوان محمد مرسي، وتقهقر عبدالمنعم أبوالفتوح وعمرو موسى الى الخلف، وهما من كانا يعتبران وحتى بضعة أيام خلت أكبر وأقوى متنافسين، وضعفت فرص حمدين صباحي في دخول جولة الاعادة، رغم حصوله على عدد من الأصوات لم يكن أكثر المتفائلين والمؤيدين له يتوقعها.
وفي المقابل، هناك معسكر آخر يشعر بسعادة غامرة للنتيجة التي حصل عليها شفيق، كما يشعر في الوقت ذاته بقلق شديد من تكالب كافة القوى السياسية ضده والوقوف خلف مرسي في جولة الاعادة.
هذه النتائج والمواقف تستوجب التوقف عندها كثيراً، وتستلزم الكثير من القراءة والتحليل، ومعرفة أسبابها، ودراسة "مزاج" الناخب من محافظة لأخرى، وعلاقته بالثورة، ومطالبه ومخاوفه، التي أسفرت عن هذه النتائج.
تنظيم الاخوان
* أولاً: يجب التأكيد على القدرة التنظيمية لجماعة الاخوان، وقدرتهم على حشد مؤيديهم رغم ما طرح في الآونة الأخيرة عن اهتزاز ثقة المواطنين فيهم، فنجحوا في الدفع بمرشحهم الى المقدمة ببراعة، كما وصفهم المحلل السياسي عمار علي حسن بأنهم "كائنات انتخابية"؛ علماً بأن مرسي كان مرشحاً احتياطياً لمرشحهم الأساسي خيرت الشاطر، وتعرض لكثير من السخرية وصلت الى درجة وصفه بالمرشح "الاستبن" (اطار السيارة الاحتياطي).. وتقبلوا هذه السخرية بالمزيد من العمل المكثف، فاستحقوا ما آلت اليه نتيجة مرشحهم.
* ثانياً: كشفت النتائج أن الزخم الذي حصل عليه أبو الفتوح كان غير واقعي، ويبدو أنه كان نكاية في جماعة الاخوان التي فصلته اثر اصراره على الترشح للرئاسة، في حين كانت الجماعة قد أعلنت عن عدم تقديم مرشح للرئاسة، ثم عادت وقدمت مرشحين، فكسب أبو الفتوح تعاطف غير المؤيدين للجماعة، فضلاً عن خطابه الوسطي الذي لقي قبولاً لدى البعض، وتخوف البعض الآخر من تاريخه المقلق وعلاقته بتيارات العنف الاسلامية السابقة.
موسى وعقدة مبارك
* ثالثاً: لم يفلح عمرو موسى في التخلص من عقد انتمائه الى جيل ومدرسة مبارك، كما لم يفلح في تقديم نفسه للناخبين بخطاب واضح، فغلبت عليه لغة الدبلوماسي والمفاوض، دون مواقف واضحة، وحاول مغازلة كافة التيارات، ومال في الأيام القليلة الماضية نحو مهاجمة أحمد شفيق في محاولة لجذب المزيد من الأصوات، فوقع هو الآخر في الخطأ نفسه الذي صب في مصلحة شفيق. رغم أنه كان مقبولاً الى حد ما من معسكر الاخوان والثوريين عن شفيق، بمعنى أنه كان من الممكن القبول به منافساً لأي مرشح آخر في جولة الاعادة.
* رابعاً: يعتبر حمدين صباحي أكبر الفائزين حتى الآن "أدبياً" بنجاحه في مقارعة المشاهير والمدعومين، رغم ضعف قاعدته الشعبية، وعدم وضوح برنامجه الذي وصفه المراقبون بالبرنامج "الهلامي".. وتخبطه بين الفكر الناصري الاشتراكي الذي يمثله، وبين الرأسمالية والثورة التي شارك فيها.
شفيق والأغلبية الصامتة
خامساً: وتلك هي الأهم.. كيف وصل أحمد شفيق الى هذه المرتبة التي سببت صدمة كبيرة للمعسكر المضاد له؟
وللإجابة عن هذا السؤال يجب التذكير بالحملة العنيفة التي تعرض لها شفيق قبل الانتخابات بدءاً من "قانون العزل السياسي" الذي وضع على عجل عقب اعلان شفيق وعمر سليمان نيتهما في الترشح.. فبدا القانون شخصياً، ولم يراع تأثر قطاع كبير من المواطنين بأحداث العنف التي شهدتها مصر على مدار أكثر من عام، وضعف الحالة الأمنية، والصدام مع الجيش.. وهذا القطاع من المواطنين كان يطلق عليه "حزب الكنبة"، ويرد المنتمون له بأنهم "الأغلبية الصامتة" وهو الوتر الذي لعب عليه شفيق ببراعة.
ويبدو أن الهجوم على شفيق قد أتى بنتائج عكسية، فنال تعاطف "حزب الكنبة والأغلبية الصامتة" التي خرجت عن بكرة أبيها تأييدا لشفيق في صمت ودون ضجة، وجذبت معها أصوات من كانوا سيؤيدون عمر سليمان بعد خروجه من السباق.
إضافة الى ذلك، فان شفيق قدم نفسه كشخصية عسكرية سابقة، ودافع عن تاريخه العسكري باستماتة، اضافة الى تقديم نفسه كوزير ناجح، وكان أكثر وضوحاً من عمرو موسى في خطابه خاصة في حديثه عن فرض الأمن والتصدي للفوضى والانفلات الأمني، وتنظيم التظاهرات بشكل قانوني فقط، وطرحه للمواطنة وعدم التمييز بشكل أرضى الأقباط، وبلغة يبدو أنها لعبت على أوتار "حزب الكنبة" والأغلبية الصامتة، وان لم ترض هذه اللهجة قطاع "الثوريين".
مشهد عصيب واختيار اصعب
ومما سبق بات على معسكر "المصدومين" من نجاح شفيق، اعادة النظر في أدواتهم التي استخدموها في المرحلة السابقة بدلاً من البكاء على الحليب المسكوب.. ومصارحة أنفسهم بأنهم هم الذين أخطأوا في تقدير الموقف، ولم يراعوا مطالب ومخاوف "حزب الكنبة" من هيمنة الاخوان والتيارات الدينية، وانشغالهم بطرح قضايا دينية كالختان وتخفيض سن الفتاة للزواج، وحد الحرابة، وغيرها من قضايا بثت القلق لدى الأغلبية الصامتة، بدلاً من بحث كيفية النهوض بالوطن واسترداد عافيته بعد حقبة طويلة من القهر والاستبداد والفقر، فكان الرد بتأييد شفيق باعتباره من سيتصدى لأطروحات وتشدد تيارات الاسلام السياسي.
اذاً نحن الآن أمام مشهد عصيب، واختيار أصعب.. فالى أي تيار سينحاز المصريون بكافة انتماءاتهم.. الى محمد مرسي وراية الأخوان، أم الى أحمد شفيق المنتمي صراحة الى نظام حكم مبارك؟
مع ضرورة الانتباه مرة ثانية الى ثقل الكتلة التصويتية لحزب الكنبة والأقباط.
اضف تعليق