استخدمت قوات الأمن السورية أمس القنابل المسيلة للدموع والهراوات لتفريق أكثر من 70 ألف متظاهر احتشدوا في ميدان الساعة (وسط حمص) للتعبير أمام المراقبين العرب عن سخطهم جراء ما تعرضوا له من على يد قوات الجيش والأمن من عنف وقمع وعمليات أمنية مبرمجة ومركزة على مدينتهم طوال الأشهر الماضية، وسط أنباء عن مقتل 60 شخصا في المدينة منذ يوم الاثنين.
وكان أفراد بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية بدأت مهامها في سورية صباح أمس بزيارة الى حمص المحاصرة، معقل التمرد على نظام الأسد، لتقييم مدى التزام هذا النظام بالمبادرة العربية الهادفة لوقف حملة القمع ضد المحتجين المطالبين بإسقاطه.
وبجانب حمص، يفترض بالبعثة أن تنهي عملية انتشار في أنحاء مختلفة من محافظات إدلب وحماة ودرعا ودمشق، في حين تتولى الدفعة الثانية الانتشار في القامشلي ودير الزور والساحل السوري، بعد وصولها إلى البلاد في الأيام القليلة المقبلة.
حمص تعتصم
وفي حين ذكرت قناة الدنيا، الموالية للنظام، أن الوفد توجه فور وصوله إلى حمص لمقابلة المحافظ، وبعد ذلك الى حي باب السباع، حيث "قاموا بتقييم الأضرار التي سببتها المجموعات الإرهابية، والتقوا أقرباء شهداء وشخصا خطفته" هذه المجموعات من قبل.
وتابعت أنه عند وصول المراقبين الى باب السباع "تجمع عدد كبير من الأشخاص، ليؤكدوا أنهم يريدون التصدي للمؤامرة التي دبرت ضد سورية".
لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان أكد أن أكثر من 70 ألف متظاهر حاولوا الدخول إلى ميدان الساعة، لملاقاة المراقبين والتعبير لهم عن معاناتهم، لكن قوات الأمن تصدت لهم وفرقتهم بالقوة مستخدمة القنابل المسيلة للدموع.
وأضاف المرصد، نقلا عن ناشطين وسكان وشهود عيان، أن أكثر من 30 ألف شخص اعتصموا في حيي الحمرا والقصور، ثم انتقلوا الى حي الخالدية التي زارها المراقبون، في خطوة أرادت المعارضة منها "فضح ممارسات النظام وجرائم أجهزته الأمنية، خصوصا ما حدث لمدينتهم في الأيام الأخيرة".
كما تحدث المرصد عن "تظاهرة حاشدة وكبيرة في حي باب الدريب (…) التحم المتظاهرون فيها مع تظاهرة أخرى خرجت في حي جب الجندلي المجاور، بينما كانت هناك تظاهرات مماثلة في أحياء كرم الشامي وحي الميدان، مما جعل العدد الإجمالي للمتظاهرين يفوق السبعين ألف شخص".
وأوضح رئيس المرصد رامي عبد الرحمن أن "وفد المراقبين دخل الى بابا عمرو يرافقه أشخاص من الحكومة، لكن أيا من أفراد البعثة لم يلتق أحدا من سكان الحي".
الدبابات اختبأت
وكان النظام السوري استبق وصول بعثة المراقبين، ووفق ناشطين، بسحب قواته العسكرية من حمص التي تعرضت أخيراً لقصف عنيف على مدار 5 أيام متتالية أسفر عن مقتل العشرات.
وقال رامي عبد الرحمن إن "11 دبابة شوهدت تنسحب من حي بابا عمرو" حوالى الساعة التاسعة صباحا بالتوقيت المحلي، مضيفا أنه "لم يعرف ما إذا كانت هناك ناقلات جند في الحي".
واستدرك قائلا إن دبابات النظام، التي تحاصر حمص منذ فترة طويلة، انسحبت إلى داخل المراكز الحكومية "فقط"، وأكد أن انتشارها مجددا في أحياء المدينة لن يحتاج لأكثر من خمس دقائق.
ورأى أن هذا التحرك "يؤكد استمرار النظام لمكره ومحاولاته الالتفاف على بعثة الجامعة العربية، بهدف تأكيد رواياته الكاذبة". وعرض ناشطون على مواقع الإنترنت مقاطع فيديو توضح محاولات الجنود "الاختفاء وراء الأشجار" حتى تمر سيارات موكب المراقبين في المدينة.
ومع بدء البعثة العربية مهامها، لم يتضح ما إذا كان سيتاح للمراقبين رؤية الصورة الكاملة للعنف على واقع الأرض، ومدى نجاحها في وقف العنف الذي اندلع بانتفاضة شعبية مناهضة للنظام في مارس الماضي، قابلها الأخير بحملة قمع عسكرية. وكان رئيس بعثة المراقبين، الفريق محمد أحمد مصطفى الدابي، قال قبيل توجهه الى حمص "حتى الآن فإن السلطات السورية تتعاون معنا".
استمرار العنف
وفي حين بدا حي بابا عمرو، هادئا، قال ناشطون إن ستة أشخاص قتلوا في هذا الحي وسيدة في حي السيدة، وذلك قبل ساعات من وصول المراقبين. كما أكد المرصد السوري أن "منطقة كفرعايا القريبة من بابا عمرو شهدت اطلاق نار كثيف نفذه عناصر من الأمن على الأهالي الذين خرجوا لتشييع قتلى، سقطوا في القصف الذي استهدف المنطقة الاثنين".
ووفق الناشط عمر الحمصي، فإن القصف تواصل طوال ساعات الليل، "ولم يتوقف إلا قبيل ساعات فقط من وصول المراقبين"، مشيرا الى أن حصيلة القتلى الذين سقطو يوم الاثنين وصلت الى 60 قتيلا و70 جريحا.
مبادرة المجلس
وكان المجلس الوطني السوري قد طالب مساء الاثنين بعثة الجامعة العربية بالتوجه مباشرة إلى مدينة حمص لتفقدها، مشيراً إلى أن أحياء فيها تتعرض لقصف متواصل منذ أيام، وتخضع لحصار مشدد من قبل أكثر من أربعة آلاف جندي، وحذر البيان من خطر حصول "إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية". وكان المجلس الوطني السوري المعارض طالب مساء الاثنين بان "يتبنى مجلس الأمن المبادرة العربية" في شأن سورية، معتبرا أن الجامعة "لا تملك الوسائل لتطبيقها".
واعتبر رئيس المجلس برهان غليون في مؤتمر صحفي في باريس "إذا تبناها مجلس الأمن سيؤمن سبل تطبيقها.. وسيمنح المبادرة مزيدا من القوة".
وأضاف غليون ان "الخطة العربية اليوم هي خطة جيدة لاحتواء الأزمة، ولكني أعتقد ان الجامعة العربية لا تملك الوسائل الفعلية لتطبيق هذه الخطة.. ولا أعتقد أيضا أن المراقبين سيستطيعون القيام بمهمتهم"، مشيرا الى أن "بعض المراقبين أعلنوا أنهم لا يستطيعون الوصول الى أمكنة لا تريد السلطات أن يصلوا إليها".
وفي خبر أمني آخر، أعلن المرصد مقتل مواطن وإصابة اثنين آخرين بنيران قوات الأمن في إدلب. كما قتل مواطن آخر من اللاذقية، وأصيب اثنان بجراح.
اضف تعليق