الرئيسية » دراسات وتحليلات » كيف تم اختراق المنظومة السرية لـ”حزب الله” ؟
تقارير ودراسات دراسات وتحليلات رئيسى

كيف تم اختراق المنظومة السرية لـ”حزب الله” ؟

حزب الله
حزب الله

كشفت تقارير استخباراتية غربية لموقع “الوطن العربي” عن تفاصيل اختراق المنظومة السرية لـ”حزب الله” في جنوب لبنان ، مؤكدة على نقاط القوة والضعف في البناء الداخلي لخلايا الحزب، بما يفسر طريقة عمل الجماعة التي تحولت من حركة مقاومة غامضة ،وميليشيات طائفية تحت الأرض، إلى قوة عسكرية كبيرة شبه منتظمة.

وأشارت التقارير إلى أن التضامنات الاجتماعية تسهم في فعالية هذه الميليشيات ،وأن هذا ينطبق على العديد من الميليشيات المحلية والأجنبية ،والتي شاركت في الحرب الأهلية السورية،وليس “حزب الله” فقط ، حيث كانت الميليشيات أطرافا فاعلة رئيسية في العديد من الصراعات الأخيرة في الشرق الأوسط.

لكن السؤال المهم هنا: هوكيف تقف هذه الميليشيات على أقدامها وتتحول إلى كيانات ذات قوة ونفوذ ؟ الاجابة ليست سهلة لأنها تحتاج الى جولة مفصلة، نخترق فيها المنظومة السرية لتكوين هذه الميليشيات،ونحلل طريقة تشكيلها ،وهى في الواقع مهمة ذات أهمية كبيرة على المستوى الاستراتيجي ،وخاصة إذا عرفنا أن إنشاء إيران للميليشيات في لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن ، هى أداة من أدوات التهديد للأنظمة العربية من داخلها.

وقد اشارت التقارير الاستخباراتية أيضا إلى ضلوع ايران في عملية اعداد وتحضير للميليشيات العابثة في الشرق الاوسط ،والتي غالبا ما تتألف من متطوعين من دون تدريب عسكري سابق، أو ميليشيات للدفاع عن مصالح جماعة عرقية طائفية أو حركة سياسية أو حزب سياسي، أو لدعم القوات الحكومية التي تقاتل المتمردين أو القوات الاجنبية لقد لعبت هذه الميليشيات دورا حاسما جدا في الأحداث التاريخية الأخيرة، في المنطقة، كمنظمات عسكرية.

ففي حرب لبنان عام 2006، نجح “حزب الله” في أن يكون الذراع العسكرية ل”دولة الملالي”، كحائط صد في وجه اسرائيل .

كما لعبت الميليشيات العراقية (وخاصة قوات الحشد الشعبي) دورا هاما في الكفاح المسلح ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وأحيانا طغت على الجيش العراقي.

من هنا تأتي أكثر التساؤلات صعوبة وهى: ما هي العوامل التي تمثل مصداقية بعض هذه الميليشيات والتزامها وفعاليتها النسبية؟ ماذا تقول لنا الإجابة عن نقاط قوتها ومواطن ضعفها؟ وهل يمكن للجيوش العربية التقليدية استغلال هذه العوامل لتعزيز فعاليتها العسكرية؟

أسباب فعالية “حزب الله ” العسكرية
ميليشيات “حزب الله” اللبناني تأسست عام 1982 كحركة شيعية تحت الأرض لمحاربة القوات الأجنبية في لبنان، ويشارك الحزب الآن في الصراعات المسلحة في سوريا ،وأماكن أخرى في المنطقة لدعم راعيه الإيراني.
وعلى الرغم أنه تمت دراسة تاريخ “حزب الله” وسياساته وإيديولوجيته ومشاركته في الإرهاب بقدر من التفصيل ،إلا أنه لا يزال هناك الكثير من الأبحاث التي يتعين القيام بها للكشف عن مصادر النجاح العسكري ل”حزب الله”.

لكن يمكن أن نقول إن أسباب فعالية “حزب الله ” العسكرية واضحة إلى حد ما،وهى تتمثل في أربع نقاط رئيسية وهى:

أولا، الدور الذي يقوم به القادة العسكريون المبتكرون والناشطون مثل الراحل عماد مغنية وابن عمه وشقيق زوجه الراحل مصطفى بدر الدين، وهو الدور الذي أدى إلى تحويل “حزب الله” إلى منظمة تعلم عالية الكفاءة.

وثانيا، العادات السرية والأسس التنظيمية المزروعة من بداية “حزب الله” كحركة مقاومة سرية وقد عززتها عقود من الصراع.

ثالثا، أن ثقافة الجماعة من الجهاد والاستشهاد والمقاومة لديها قبضة قوية على العديد من أعضائها.

رابعا، معرفة المقاتلين بالتضاريس المادية والبشرية عند القتال على أرض الواقع.

وأخيرا، هناك مساهمة الأسلحة الإيرانية والتدريب والتمويل والاستخبارات والدعم اللوجستي.

ومع ذلك، فإن فحصنا الجديد للسير الذاتية لأكثر من 2100 مقاتل من حزب الله قد“استشهدوا” في القتال من 1982 إلى يوليو 2017 يسلط الضوء على عامل رئيسي إضافي.

وهو اعتماد”حزب الله” على الأسرة والعشيرة والصلات المحلية (أو العصبية، وهو مفهوم التضامن داخل الجماعة ،والذي اشتهر به المفكر العربي في القرون الوسطى ابن خلدون) حيث يستغل ذلك لتجنيد الأعضاء وبناء وحدات متحمسة ومتماسكة وفعالة.

وتكشف المعلومات أن عددا كبيرا من شهداء حزب الله يتقاسمون الأسرة أو العلاقات العشائرية المحتملة، ومن بين ما يقرب من 900 شهيد تم تحديدهم بالاسم بين عامي 2012 و 2017، تم تحديد حوالي خمسة في المائة من أقارب قريبين – أخ أو ابن أو ابن عم أو ابن أخ – من شهيد آخر من حزب الله.

وعلاوة على ذلك، كان حوالي 30 في المائة من هؤلاء الشهداء يحملون نفس اللقب وبلدة المنشأ ،وعلى الأقل شهيد آخر من هذا الإطار الزمني، مما يشير إلى وجود أفراد عائلتهم أو عشائرهم المشتركة من بين أكثر من 1200 شهيد تم تحديد أسماءهم بين عامي 1982 و 2000، كان ما يقرب من 40 في المائة.

وفي حالات كثيرة، كان أكثر من شهيدين يشتركان في نفس اللقب وبلدة المنشأ،ومنذ عام 1982، أعلن “حزب الله” استشهاد ما لا يقل عن 30 مقاتلا مع اسم عائلة الموسوي، التي نشأت من بلدة النبي شيت (من المحتمل أن يكونوا من أقارب الأمين العام السابق لحزب الله ومقيم في النبي شيت، الراحل عباس الموسوي)كما ساهمت العديد من العشائر الأخرى في تقديم الكثير من الشهداء.

وتشير المعلومات أيضا، فضلا عن المقالات المنشورة على مواقع “حزب الله” الرسمية والمواقع غير الرسمية المؤيدة للحزب ، إلى عدد من الطرق الأخرى التي يمكن أن تسهم في الفعالية العسكرية للمجموعة.

أسس بناء الميليشيات الطائفية
وقد تساهم الأسرة والعشيرة والسلوكيات المحلية أيضا في تماسك وفعالية الميليشيات، وتسعى معظم الجيوش الحديثة إلى تجنيد المجندين من خلفيات متنوعة إلى “مجموعة من الإخوة” الراغبين في القتال والموت من أجل تحقيق هدف مشترك، أو من أجل إيديولوجية أو قضية.

وعلى النقيض من ذلك، غالبا ما تقوم الميليشيات الطائفية على الأسر والعشائر، في حين أن الميليشيات الطائفية كثيرا ما تكون مشوشة مع شعور قوي بالتضامن الديني.

وبهذا المعنى، فإن المواد الخام البشرية لهذه المنظمات هي في كثير من الأحيان عصابات من الإخوة – حرفيا وجسديا.

وبهذه الطريقة يستخدم “حزب الله” الأسرة – وهى المؤسسة الأكثر نفوذا في المجتمع العربي، لغرس المثل العليا التي تتمثل في الاستشهاد – ربما أقوى مفهوم في النظام الشيعي من الاعتقاد، ويعتبر حزب الله ثقافته الاستشهادية من أسرار نجاحه.

قيادة الميليشيات
تلعب القيادة دورا حاسما في خلق وحدات محفزة ومتماسكة وفعالة، ووفقا ل” نورفل ديتكين”، فإن المقاتلين في القوات والميليشيات غير النظامية العربية غالبا ما تكون مرتبطة ببعضهم البعض بعلاقات عائلية أو قبلية، وغالبا ما تستند هياكل قيادتهم إلى صفات القيادة العربية التقليدية.

وعلى النقيض من ذلك، غالبا ما تضعف القوى التقليدية العربية من خلال ثغرات اجتماعية واسعة بين سلاح الضباط والجنود القدماء، وعدم وجود هيئة ضباط صف محترفين لسد هذه الثغرات، ومن خلال هيكل قيادة من أعلى إلى أسفل يدفع الضباط المبتدئين إلى انتظار الاوامر.

وفي حين أن المقاتلين والقادة في العديد من وحدات “حزب الله” قد يتقاسمون الروابط العائلية والعشائرية، فإن شرعية وفعالية سلسلة القيادة في المنظمة لا يبدو أنها مستمدة من هذه العلاقات، بل تأتي من الوضعية والمصداقية التي يتمتع بها العديد من الشيعة اللبنانيين، وإيمان مقاتليها بأنهم في طاعة لسلسلة القيادة، وفي نهاية المطاف خضوع لإرادة الله.

شرح فعالية حزب الله
ويستخدم حزب الله الأسرة والعشيرة والصلات المحلية لتعزيز تماسك الوحدة، وتعزيز التزام المقاتلين بثقافة الجهاد والاستشهاد والمقاومة الدينية.

وقد أسهم التآزر الناتج عن ذلك في الفعالية العسكرية ل”حزب الله”، لكن الحزب ليس فريدا من نوعه في استخدام التضامن الاجتماعي للنهوض بالأهداف العسكرية، وقد أنشأت نظم عربية مختلفة وحدات للدفاع عن الانقلابات أو الاضطرابات المستمدة من أفراد يشتركون في العلاقات القبلية أو العرقية الطائفية مع قادة البلاد.

مثل الحرس الجمهوري السوري والفيلق المدرع الرابع والحرس الجمهوري العراقي (في عهد صدام حسين) ولكن لم تثبت مصداقيتها سياسيا فحسب، بل حققت بشكل عام أداء أفضل في ساحة المعركة من الوحدات العادية من هذه الجيوش.

وقد يعود نجاح هذه الوحدات الحزبية، جزئيا على الأقل، إلى تعبئة الكثير من نفس السمات االاجتماعية التي اعتمدت الميليشيات على نجاحها.

تأثير الحرب السورية على “حزب الله”
لقد اكتسب “حزب الله” بلا شك خبرة عملية هائلة وتعلم دروسا مهمة في سوريا، ومع ذلك، فإن التكاليف البشرية والمادية العالية للحرب أدت إلى إضعاف معنويات أعضاء الحزب الأقل التزاما، وأجبرتها على تخفيف متطلبات السن والفحص الأيديولوجي من أجل استبدال الخسائر القتالية (خفض سن المجندين إلى 16).
وكثير منهم ينضمون الآن إلى وظائف براتب محدد، مما يخلق فرص توظيف محتملة لأجهزة المخابرات الأجنبية المعادية، كما قام “حزب الله” بخفض الإنفاق على الرعاية الاجتماعية من أجل دفع تكاليف العمليات القتالية.

وقد أدى ذلك إلى إعطاء الأولوية للمدفوعات لأسر المقاتلين المخضرمين، مما خلق توترات بين أسر المجندين الجدد والحرس القديم، وبين غير المقاتلين والمقاتلين.

ويبقى أن نرى ما إذا كان لهذه التطورات تأثير على تماسك “حزب الله” وفاعليته العسكرية، وإذا كان بإمكان “حزب الله” أن يحافظ على العناصر الفعالة لثقافته في الميليشيات ،عندما يصبح منظمة عسكرية شبه منتظمة، أو ما إذا كان سيأخذ بعضا من ملامح العديد من الجيوش العربية التقليدية.

إن سياسات القوى العاملة التي تساهم في فعالية “حزب الله” قد تكون أيضا ضعيفة، لأنها غالبا ما تؤدي إلى تفاوت كبير في الخسائر بين الأسر والعشائر والمناطق.

وفي حين أن هذا قد يكون مصدرا للفخر بالنسبة للبعض، إلا أنه مصدر استياء للآخرين،حيث يمكن استغلالهم من خلال العمليات الحركية والإعلامية على السواء – خاصة إذا كانت دوافعهم متزايدة بسبب اعتبارات المرتزقة، و تبرز المعلومات أيضا أن هناك أوجه لعدم المساواة في توزيع استحقاقات الرعاية الاجتماعية.

ومثلما يستخدم صوت أمهات الشهداء الملتزمات أيديولوجيا لغرس ثقافة الجهاد والاستشهاد والمقاومة، فإن أصوات الأمهات المنشقات قد تضخم من قبل الآخرين لتقويض هذه الثقافة وإضعاف معنويات القاعدة الاجتماعية للميليشيات.

وأخيرا، تظهر التجربة أن “حزب الله” حساس للإصابات – رغم تفانيه الواضح للجهاد والاستشهاد، هذا هوموطن ضعف آخر يمكن استغلاله ضد “الحزب”، خاصة في ضوء الخسائر الفادحة التي عانى منها “حزب الله” في سوريا ،وتجاهل راعيه الإيراني، والذي كان دائما يتحمل مخاطر وتكاليف الحرب عن شركائه.

وأخيرا، فإن التأثيرات السلبية للحرب السورية قد وضعت “حزب الله” في مأزق ،أمام أنصاره ،حيث بات عاجزا عن تلبية الاحتياجات الاجتماعية، بما يهدد بانخفاض شعبيته، وربما انهياره من الداخل.