الرئيسية » تقارير ودراسات » تمثال سليمانى ..إلى متى سيظل نصر الله مصراً على تغيير هوية لبنان ؟
تقارير ودراسات رئيسى

تمثال سليمانى ..إلى متى سيظل نصر الله مصراً على تغيير هوية لبنان ؟

فى تحد سافر لإرادة الشعب اللبنانى  الذى انتفض رافضاً التمدد الإيرانى فى بلاده وبعد جادة الإمام الخميني على طريق المطار،احتفل حزب الله  بإزالة الستارة عن نصب لقاسم سليماني في الجنوب ليبدو نصر الله مصراً على تغيير هوية لبنان وإدخاله في صراع المحاور وليؤكد يوماً تلو الآخر  أنه مجرد فصيل بالحرس الثوري الايراني

تمثال سليماني في جنوب لبنان، سبقته الورقة المسربة من مدارس المهدي عن أسئلة توجه للأطفال بهدف تلقينهم  معلومات عن قائد فيلق القدس والتي جاء نص الامتحان بها كالتالى: من المقصود بعابر الأوطان؟ – اختر الإجابة الصحيحة: وُلد قاسم سليماني في: قم، أم طهران، أم كرمان؟ – متى عُيّن قائد فيلق الفجر؟ – متى منحه الخميني وسام الحرس الثوري؟ – متى استشهد بغارة أمريكية؟ – حدّد صفتين لسليماني، مبدياً رأيك بشخصيته

إصرار الأمين العام للحزب الذى من المفترض أنه لبنانياً على تغيير هوية بلاده وعزله عن فضائه العربى ليست جديدة ولكنها تحمل معها إرهاصات النهاية التى بدت وشيكة فى ظل عدة معطيات أبرزها حراك الشارع فى لبنان . فقد  بعثت الانتفاضة الشعبية  فى لبنان والعراق  برسائل سياسية صريحة لـ”خامنئي ” ورفاقه مفادها أن الشيعة العرب ليسوا بحاجة لإيران كى تدافع عنهم الآن , حيث ترسخت لديهم قناعات بأن النظام الإيرانى ليس سوى نظام سياسي له أهدافه  وأنه  ليس مؤهلًا أو راغبًا في حمايتهم والدفاع عنهم أو  حتى جادًا في إدعاءاته وأن الشعارات الطنانة التى رفعها منذ الثورة الخميينة كانت مجرد واجهة براقة  لتحقيق غرض  واضح وهو محاولة استقطابهم بعيداً عن محيطهم العربى واستخدامهم كأدوات وأذرع له لتحقيق مآربه التوسعية.ولعل هذا مايفسر  موجة الانتقادات  التى أثارها الكشف عن نصب سليمانى

فقبل نحو ثلاثة عشر عاما , خاض الأمين العام لحزب الله  حرب تموز والتي استمرت   لمدة 33 يوماً,   توج على إثرها بطلا بالشارع العربى بيد أن انكسار حاجز التقديس وسقوط هالة المقاومة فضلاً عن انكشاف الوجه الطائفى للحزب أفضى إلى انكماشه  إذ أن اختبار مكامن القوّة الشعبية لدى نصر الله يكشف عن إفلاسه جماهيريا وتراجع مصداقيته لدى الشارع اللبنانى , فالصورة العملاقة وغير المسبوقة من حيث الحجم لأمين عام حزب الله  والتى وُضعت على الطريق الذي يصل المطار الدولي بوسط بيروت، ويبدو فيها أكبر من لبنان , تضاءلت كثيراً فى أعين اللبنانيين إذ لم يعد الحزب  في نظر الأكثرية الساحقة غير مليشيا طائفية . لقد تعاطى حزب الله مع طوائف الشعب باعتبارهم مجرد قطع على رقعة شطرنج يجلس عليها لاعب واحد فقط هو نصر الله يحركها كيفما شاء .  ولعل مادار فى فى 7 مايو  عام 2008 ما يؤكد صدق تلك الفرضية وذلك عندما قام الحزب “باحتلال” غرب العاصمة بيروت  بعد قيام الحكومة اللبنانية باتخاذ إجراءات ضد شبكة الاتصالات الخاصة به  مهدداً خصومه  بالسلا ح من قوى 14  آذار و”تيار المستقبل”، في واحدة من أخطر الأحداث الميدانية عنفاً منذ انتهاء الحرب الأهلية مما  أفضى إلى تزعزع ثقة الجماهير به حيث رأت  الطوائف الأخرى فى تلك الحادثة   إشارة إلى أن حزب الله قد يحتل لبنان بأكملها .

ومع أن سجل نصر الله حافل بوقائع أخرى مماثلة منها خطاب قديم ألقاه حسن نصر الله عام 1988 وسربته مؤخراً  قناة العربية، يتحدث فيه عن نية الحزب إقامة دولة إسلامية شيعية في لبنان غير أن الانفضاض الشعبى من حول الحزب تحقق مع قراره بدعم نظام بشار الأسد في سورية، والمشاركة العسكرية في الحرب الأهلية الدائرة بالرغم من الرفض الرسمى ,إذ أضحى صعود الحزب لدى المواطنين مرادفاً صريحاً لـ” سقوط لبنان”ليس بين الطوائف السنية والمسيحية , فحسب  بل امتدت حالة الامتعاض من خيارات نصر الله إلى صفوف الشيعة اللبنانيين والذين أبدوا  تحفظات بشان سياسات الحزب لاسيما وأنه  فشل فى الوفاء بوعود الانتخابات الأخيرة والتى فاز بها ليس لكونه الأكثر شعبية فى لبنان بل لأنه استطاع التخلص من المعارضة وتمكين الحلفاء عن طريق تهديد السلاح. الثقوب المتزايدة بالغطاء المقدس للحزب ,الذى أسسه فى الوجدان العربى من هالة المقاومة أفضت إلى انكماشه , وخلافاً لما كان يحدث فى 2006 اضحت خطب نصر الله جوفاء من دون صدى ,باتت محل سخرية  ولم يعد أحد يضيع وقته في الاستماع إليه , فقد تبدلت صورة زعيم حزب الله  حين أضحت سياسة المقاومة ضد إسرائيل ثانوية مع تحوّل جل تركيزه إلى المقامرة السورية وتورطه بقتل مواطنين سوريين يفوق مئات المرات عدد  من قتلهم من الإسرائيليين طيلة سنوات صراعه معهم والتى تتجاوز 15 عاماً .

التجييش الطائفى  وبروز الهوية السياسية المذهبية باعتبارها العنصر الحاسم لخيارات نصرالله ارتدت سلباً لدى أغلبية من المسلمين السنة  , فعلى الرغم من تدرجه فى الذرائع التى ساقها لتبرير دخوله إلى الساحة السورية بداية من حماية الشعية اللبنانيين مروراً بادعاءات مثل شن حرب استباقية لمنع التكفيرين من دخول لبنان , وهو الخطاب الذى استمر قرابة عامين  غير أن رفعه شعارات على  غرار ” ، لبيك يا حسين، لبيك يا صاحب الزمان، لبيك يا زينب , لن تسبى زينب مرتين ” وإعلان الحزب فيما بعد,  الغاية من هذا الانخراط وهى الحفاظ على النظام السورى  , استفزت المشاعر الطائفية لدى البعض لاسيما وأن نصر الله تبنى خطاباً معادياً لدول المنطقة اتهمها خلاله بالتقاعس عن نصرة فلسطين .

الخاصرة الرخوة فى بينة نصر الله تحمل عوامل تفككه ذاتياً , والقمصان السوداء لم تعد تقتصر على إخماد صوت معارضيه من الأحزاب الأخرى بل باتت تستخدم لإطفاء جمر انقاسمات  تتعاظم داخل صفوف الحزب ولتصفية مراكز النفوذ المناطقية التابعة لبعض قياداته وهى الصراعات التى طفت على السطح عقب انتقادات طالت خيارات نصر الله بشأن الحرب السورية مما دفع الأخير  إلى تصفية بعضهم وتهديد آخرين وإبعاد بعضهم من صناعة القرار وقد تكشف ذلك بجلاء تام فى مايو   2016 حيث تشير تقارير استخباراتية إلى ان  مصطفى بدر الدين القائد البارز السابق في حزب الله  قد لقي مصرعه في عملية اغتيال نظمها عدد من رجاله وعناصر يقودهم في سوريا بناء على أوامر شخصية من حسن نصر الله وذلك عقب خضوعه لضغوط قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذى كان على خلاف مع  بدر الدين  بشأن  تداخل العمليات بين الطرفين داخل الأراضي السورية. وفى يوليو 2017 خرجت حملة من  القمصان السوداء لقمع تمرد  في الضاحية الجنوبية لبيروت المعقل الرئيسي للحزب للقضاء على مراكز القوى التابعة لبدر الدين . وبالتزامن مع انسحاب  الحزب من سوريا فى 2018 زادت حدة الانقسامات بيين “جنوبيي” الحزب، و”بقاعييه” على وقع أزمة اقتصادية خانقة اضطرته إلى خفض رواتب عناصره  وبرامج الرفاه الاجتماعي.

على مشارف عقده السابع يبدو الأمين العام لأطول الأحزاب العسكرية عمراً منهكاً مالياً بفعل ارتباطه العضوى بنظام طهران  والتى تزود ه بنحو 700 مليون دولار سنويًا من عائدات النفط , إذ انسحبت تأثيرات العقوبات الأميركية المشددة على الحزب والذى بات فى وضع حرج فى ظل  انخفاض التمويلات المقدمة من إيران و تحويل نسبة اكبر من ميزانية  تمويل المليشيات والأذرع الخارجية  إلى الأنشطة العسكرية .

لقد كان بوسع نصر الله أن يتجنب موراد التهلكة , والأمر لم يكن يتطلب أن يكون من أولى العزم من الرسل , فقط كان عليه التزام  الحياد الإيجابي  وأن يتبنى وساطة حقيقة  للتوصل إلى حل سياسي , كان مطلوباُ منه أن ينحاز إلى محيطه العربى , وأن يقدم نفسه لبنانياً شيعياً، وليس العكس , لكنه أثر الولاء للولى الفقيه .  إذ أن الحقيقة المؤلمة  التى لابد من الوقوف بمواجهتها تتمثل فى أنها سلاح حزب الله بات يشكل خطراً على الدولة اللبنانية و أن نصر الله يتصرف وكأنه صاحب الكلمة العليا والآمر الناهى في لبنان وفى ظل امتلاكه للسلاح

ومن ثم فإن حالة الاستعصاء اللبنانية تستوجب خلط الأوراق ومن ثم إعادة ترتيبها مجدداً , لاسيما وأن مستجدات الأحداث وتعقيدات المشهد الراهن فى لبنان  تتطلب ليس فقط , الذهاب إلى إجراء انتخابات نيبايبة مبكرة بل الاستفتاء على صياغة دستور جديد يتضمن فصلاً كاملاً بين السلطات خاصة القضاء ,ومن دون وجود رغبة وإرداة حقيقة  لترجمة ذلك سياسياً إلى خطوات مدروسة على  أرض الواقع سيتعذر علينا بناء دولة المؤسسات التى يتطلع إليها الشعب اللبنانى

إن الإرادة والقضاء المستقل فضلاً عن جيش لبنانى واحد بعد أن يتم نزع سلاح حزب الله أحد مصادر الفساد يعد أقصر الطرق لاستعادة لبنان المنهوبة