الرئيسية » تقارير ودراسات » خارطة “بومبيو” ..هل حان الوقت لمحاسبة الملالي ؟
تقارير ودراسات رئيسى

خارطة “بومبيو” ..هل حان الوقت لمحاسبة الملالي ؟

وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.

تقرير: هبة المنسي

فى أول خطاب رسمى له عقب توليه حقيبة الخارجية الأمريكية ,رسم مايك بومبيو خطوطاً عريضة حدد بها ملامح واستراتيجية  جناح الصقور لمواجهة نظام الملالى الداعم للإرهاب مشدداً على ضرورة تغيير سياسة طهران  الرامية لزعزعة أمن واستقرار المنطقة فضلاً عن قمع الشعب الإيرانى .

خارطة الطريق الأمريكية التى عدها وزير الخارجية الأمريكى “مجرد بداية ”  تتكون من 7 محاور و قائمة من 12 مطلبا يتعين على إيران تلبيتها لرفع العقوبات وتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها  ,ومن هذه الشروط إعلان إيران “أهدافها من البرنامج النووي وإقفال مفاعلاتها”، وكذلك وقف إيران لما وصفه بومبيو بتهديداتها لجيرانها والتهديدات الصاروخية للسعودية والإمارات، إضافة إلى وقف دعمها لحزب الله وحركات حماس والجهاد وأنصار الله وسحب قواتها من سوريا.

وتطرق “بومبيو”  إلى الاتفاقية التى وقعت فى يوليو 2015 والمعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة  مشيراً إلى أنها أغفلت نقاط رئيسية من وجهة نظر  إدارة ترامب  من بينها الدور الإيرانى  فى زعزعة استقرار المنطقة  ودعم الإرهاب وما ترتب عليه من تهديد لإسرائيل ولحلفاء الولايات المتحدة فى الخليج  إذ مكّنها من التوسع في حروبها بالوكالة ، وكان له تبعات على كل من يعيش في الشرق الأوسط، فضلاً عن كونه لم ينه طموح إيران لحيازة أسلحة نووية.ولفت إلى أن “الاتفاق لم يستطع ضمان حماية الشعب الأمريكي من الخطر، الذي تمثله الجمهورية الإسلامية النووية , وأن بند المدة الزمنية المحددة بعشر سنوات سوف يسمح لملالى إيران بالوثب فوق الحواجز والاستغراق فى تصنيع قنبلة نووية .

الزحف الإيرانى بشدة نحو الشرق الأوسط  ومحاولات الهيمنة على المنطقة كان أحد النقاط التى تعهد جاك بومبيو بعدم استمرارها قائلاً  : “إنني سأعمل بصورة وثيقة مع وزارة الدفاع الأمريكية وحلفائنا في المنطقة لردع كل أشكال العدوان الإيراني، إننا سنضمن حرية الملاحة في مياه المنطقة، وسنعمل على منع كل الأنشطة السيبرانية المخربة من قبل طهران، إننا سنتعقب الوكلاء الإيرانيين وأعوانهم من حزب الله في جميع أنحاء العالم وسنسحقهم”.

وبالرغم من أن مواجهة دور إيران السلبي في المنطقة كان حجر الزاوية بخطاب بومبيو غير أنه تضمن إشارات وتلميحات حول مستقبل نظام الملالى  عندما تساءل عن مدى استفادة الإيرانيين من ثورتهم بعد مضى 40 عاما وتحدث صراحة عن تداعى الاقتصاد الإيرانى  واستمرار انهيار الريال لافتاً إلى أن الشعب المتضرر من جراء ذلك , إذ يبدو وزير الخارجية الإمريكى وكأنه يدفع الشعب نحو تقبل عملية التغيير  .

كما تجلت نزعات بومبيو عندما كشف أن عمر النظم الذى خرج من رحم ثورة 1979 ليس أبدياً مشيراً إلى تقارير عن تدهور حقوق الإنسان وعمليات القتل  والتعذيب التى يمارسها النظام  إلى جانب التمييز الممنهج ضد الأقليات والأعراق المختلفة حيث قال إن الشعب يتطلع للتغيير والحرية. وأكد على أن «المظاهرات أوضحت أن الشعب الإيراني غاضب من نظامه. إنهم لا يريدون النظام الذي قدم ملايين الدولارات للجماعات المسلحة في الخارج وسبب الأزمات الاقتصادية».

لذلك يبدو أن  التوجه الأمثل  لدى جناح الصقور هو ورسم خطوط النهاية للنظام والجمهورية الإسلامية وهو ما يتوافق مع دعوات إيمانويل فالترشتاين، الأب الروحي للتيار المحافظ فى الولايات المتحدة والذى حدد فى  ثمانينات القرن الماضي، ثلاثة مخاطر أساسية على الديمقراطية وهى الشيوعية، الخطر الأسود أو الصدامية، والخطر الأخضر أو الخمينية وقد انتهى الأول والثانى ولم يبقى سوى الثالث الذى يستوجب القضاء عليه  .

فلمحاولات الأمريكية لجمع شتات المعارضة الإيرانية تحسباً لأي حراك قادم تجاه إيران تتضح أيضاً من خلال  زيادة الدعم المالى لمنظمة مجاهدى خلق وعقد  الكونجرس لقاءات مستمرة  مع أعضاء مجاهدى خلق ، تضمن أحدها كلمة مسجلة لزعيمة المنظمة مريم رجوي من منزلها فى فرنسا. وتتزامن  مع ما كشفه إيدي كوهين الإعلامي الإسرائيلي والأكاديمي في “معهد بيجين-سادات” نقلا عما وصفه بالمصادر الاستخباراتية بأن الولايات المتحدة ستقود تحالفا أمميا وبمشاركة إسلامية وعربية لإسقاط نظام الملالى ولتحرير إيران وجعله دولة ديمقراطية شعبه يحكم ذاته بإنتخابات نزيهة متناغماً مع أمم العالم. كما تنسجم مع رسالة وجهها نحو 20 مسؤول أمريكى سابق فى الأيام الأولى من حكم ترامب يدعونه فيها إلى ضرورة فتح قنوات اتصال و إقامة حوار مع المنظمة

تحذيرات الصقر الأمريكى  التى تضمنت التلويح بممارسة ضغوط مالية غير مسبوقة على النظام الإيراني، قد تجعل لمعركة الاقتصاد القول الفصل فى إعادة ترتيب سلم  السلطة فالمجتمع الإيرانى فى قاع الجب ,لم يعد بوسعه احتمال المزيد , فبينما تحيط أكواخ الصفيح بالعاصمة طهران يسيطر قادة الحرس الثورى على حوالي ثلث الاقتصاد ، وذلك من خلال بسط نفوذهم على عدد من المؤسسات والصناديق الخيرية  و مئات الشركات في قطاع النفط والتعدين والطاقة بما فيها المشروع النووى . ويملك رجال الدين الذين يمسكون زمام السلطة ثروات طائلة قدرتها بعض المصادر بأكثر من 900 مليار دولار, ويحصل الحرس الثوري الإيراني على أكثر من 12 مليار دولار سنويا . وبلغت ميزانية الإنفاق الإيرانى على ميليشياته وأذرعه الخارجية  إلى 30 بليون دولار سنويا  فالتمويلات المتزايدة للجماعات المسلحة أرهقت خزانة الدولة والمظلات الدعائية  أَضحت كالزبد فوق أمواج  الفقر والبطالة  .

وحسب تقديرات الحكومة فإن نحو 15 مليون شخص بواقع  40 بالمئة من الشعب الإيراني يقبع تحت خط الفقر المدقع،  وما نسبته 25 بالمئة من الإيرانيين يسكنون في بيوت من الصفيح بسبب عدم استطاعتهم تأمين المال الكافي لدفع الإيجار ، وهناك 12 بالمئة من الأسر تعيلها النساء، و82 بالمئة من هؤلاء المعيلات عاطلات عن العمل , ولا يزال أكثر من 11 مليون شخص في إيران يعانون الأمية، بالإضافة إلى 24 بالمئة من الشباب العاطل عن العمل , فضلاً عن  أن إيران بها أعلى نسبة إدمان عالمياً، إذ تضم أكثر من مليون و325 ألف مدمن حتى 2012. وعدد المومسات في إيران يزيد على 300 ألف امرأة. وتتجلى أبشع حالات الاستغلال المتعمد للفقراء فى السماح بالاتجار بالأعضاء البشرية  حيث تعد إيران البلد الوحيد في العالم التي تجيز بشكل قانوني بيع الكلى والأعضاء البشرية وتؤكد التقارير أنّ العديد من الشباب أصحاب الشهادات الجامعية، العاطلين عن العمل في إيران، يبيعون كلاهم أو فصوصاً من أكبادهم، نتيجة الفقر والبطالة والادمان المنتشر في البلاد. وتتم جميع عمليات زرع الأعضاء في مستشفيات تابعة للحرس الثوري الإيراني في مدينتى شيراز وطهران

العقوبات التى وصفها “بوميبيو ” بأنها “ستكون الأقوى التاريخ ” أثناء كلمته  ، في مؤسسة “Heritage” الأمريكية تضع نظام الملالى  أمام خيارين كلاهما “مر” من وجهة نظرهم الأول:  الالتفات إلى الداخل ومحاولة النهوض بالاقتصاد المتعثر وإعطاء أولوية للقضايا الملتهبة بالساحة الداخلية ,  فى حين يتمحور الثانى فى  مواصلة الانتشار الجيوسياسى وانخراط صناع القرار وقادة الحرس الثورى فى تمويل الجماعات المتطرفة والحرب في العراق واليمن وسوريا وهو الأمر الذى يقضى بتحمل الملالى مغبته وتبعاته الوخيمة .

” الكرة الآن فى ملعب الملالى  ”  الذين جاء ردهم أسرع من المتوقع ,فبينما توجّه الرئيس الإيراني حسن روحاني للإدارة الأميركية بالقول “من أنتم لتحددوا لإيران والعالم ما الذي يتوجب عليهم فعله؟”. مؤكداً مواصلة طريقهم اعتماداً على الشعب  , قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن بلاده “تعمل مع شركاء لإيجاد حلول ما بعد خروج واشنطن من الاتفاق”، مضيفاً أن “الدبلوماسية الأميركية مقيدة بالأوهام والسياسات الفاشلة وفرضتها مصلحة خاصة فاسدة”.

وأصدرت الخارجية الإيرانية بدورها ,بياناً اعتبرت فيه تصريحات بومبيو “سخيفة ولا أساس لها ومهينة وتدخّل في شؤون الاخرين”، فضلاً عن أنها “حملت إهانات للشعب الإيراني ، وهو دليل على إفلاس المسؤولين الأميركيين أمام الشعب الإيراني”.

تصريحات المسؤولين فى طهران تعكس النهج الإيرانى خلال الفترة المقبلة  وجنبات المشهد تشى بأن نظام الملالى  لن يبدى  الاستعداد الذى ينتظره  “بومبيو” , لذلك فإن  التزام واشنطن مع المملكة العربية السعودية ودول المنطقة  الذى تم الإعلان عنه فى وقت سابق بالإضافة إلى الخارطة الجديدة التى تم الكشف عنها اليوم  تتطلب التفعيل الجاد والسريع للحد من طموحات إيران النووية وبرامجها لزعزعة الاستقرار في المنطقة, لقد لاح  وقت إنشاء إطار أفضل للضغط على إيران للإذعان للمطالب العالمية حتى لو اقتضى الأمر تغيير النظام برمته .