أكدت مصادر سياسية غربية أن نظام “الملالي” في إيران لايدير معركة الصراع الاقليمي مع الدول العربية على أساس طائفي (سنة وشيعة) ،فقط، وانما أيضا على أساس سياسي يطمع من خلاله في تكوين امبراطورية جديدة يستعيد بها الامبراطورية الفارسية المنقرضة.
،وأشارت المصادر ذاتها أنه يتم العمل على هذا الهدف كحلم قومي ،وعقيدة مجوسية متأصلة في نفوس القادة الايرانيين، وهى “الشعوبية “التي تتطلع للمجد الفارسي السابق ،والكارهة لكل ما هو عربي .
فرغم أن ايران الجديدة ،لن تقوم على المجد التليد للنار المقدسة ،لكنها تتخفى، وراء الاسلام السياسي،والمذهب الشيعي ،وتتذرع بكل السبل ، لتنهش في جسد الأمة العربية، وتقطع أوصالها،مدعومة بلهب المجد الفارسي البائد،والخصومة التاريخية القديمة لها مع العرب.
فمنذ تأسيس سايروس الإمبراطورية الأخمينية العظمى في عام 625 قبل الميلاد، ظلت إيران مخلصة لهويتها الإمبراطورية،حتى أن مهندسي الثورة الإيرانية عام 1979 حافظوا على طموحات البلاد لبناء إمبراطورية جديدة على قيد الحياة، وإن كان ذلك سيأتي من خلال دور سياسي إسلامي.
وفي مقال نشرته وزارة الخارجية الإيرانية في عام 2014، لم يترك وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أي مجال للشك في طموحات الجمهورية الإسلامية للقيام ب”دور إقليمي وعالمي بارز”، وما زال قادة البلاد يذكِّرون باستمرار المسؤولين الأجانب عن مطالبتها بالاستثنائية الثقافية.
إن قادة إيران يعتقدون حقا أن دولتهم قد برزت كأحد أقوى دول العالم ،بفضل مثابرتها وصمودها، وهو موقف يتجلى بشكل لا لبس فيه، في السياسة الخارجية الإيرانية.
ازدواجية السياسة الايرانية
منذ بداية الثورة، وضع آية الله روح الله الخميني إيران على مسار تصادم مع الولايات المتحدة، التي أطلق عليها اسم “الشيطان الأكبر”. ووضع الخميني معيارا للسياسيين الايرانيين وقادة الحرس الثوري والحرس الثوري والدبلوماسيين على حد سواء لادانة السياسة الخارجية الامريكية، وخاصة فيما يتعلق ببلادهم والصراع الاسرائيلى الفلسطينى.
ومع ذلك، فإن الخطاب القوي والمثير للتهديد في كثير من الأحيان للخميني وخليفته المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، هو مجرد عنصر واحد من استراتيجية إيران السياسية ذات الشقين.
ففي حين أن آية الله والحرس الثوري الإيراني يصدران تصريحات عدوانية ضد إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي، فإن الحكومة ذات التوجه الإصلاحي في طهران تتخذ نهجا دبلوماسيا أكثر مهادنة في علاقاتها الدولية.
وهذا النهج يبرز بوضوح أن التكتيكات الايرانية تكمل بعضها البعض، فمن ناحية، ترغب” دولة الملالي” في الحفاظ على خطاب معتدل مع القوى الأجنبية، بما يمكن الجمهورية الإسلامية من التعايش مع منافسيها الأيديولوجيين المعلنين مثل الولايات المتحدة ،وذلك دون إثارة أوصدام ،يمكن أن يعرض النظام السياسي للخطر.
ومن ناحية أخرى، فإن إيران تحرص على صراعها مع الولايات المتحدة ،وهذه الازدواجية السياسية كشفها الباحث الايراني السويدي “تريتا بارسي” في كتابه “التحالف الغادر” ،والذي يدور حول العلاقات السرية بين ايران وأمريكا واسرائيل، فهى علاقات تعاون رغم وجود توتر بين الطرفين.
تصدير الثورة
وهذا التمييز ضروري لإيران، حيث تعتمد طهران على عدائها مع واشنطن لرفع مكانتها ،وتأمين حلفائها في الخارج ، من خلال موارد مالية وعسكرية محدودة توضع تحت تصرفهم.
وكان أحد الأهداف الرئيسية للبلاد خلال العقود الأربعة الماضية هو تصدير إيديولوجيتها الثورية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
إن رؤية الخميني للجمهورية الإسلامية قد كلفت بتوسيع السياسة الخارجية لإيران، لتشمل المنطقة العربية بأسرها، وتحقيقا لهذه الغاية، أقامت القيادة الدينية والحرس الثوري علاقات وثيقة مع الجماعات غير الحكومية في الشرق الأوسط، بما في ذلك “حزب الله” في لبنان والجهاد الإسلامي الفلسطيني وحماس وحركة الحوثيين اليمنية وقوات الحشد الشعبي العراقية.
لقد اغتنم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي كان يدرك جيدا نوايا طهران، كل فرصة لتذكير العرب في منطقة الخليج بأن العراق هو المدافع عنهم.
لكن الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 أزال العقبة الرئيسية التي تحول دون دخول إيران إلى المنطقة العربية،وفي الليلة التي استولى فيها المتمردون الحوثيون على العاصمة اليمنية في أيلول / سبتمبر 2014، وجه علي رضا زنكاني، وهو مشرع إيراني قريب من المرشد الأعلى، كلمة إلى البرلمان لإبراز أن صنعاء “رابع عاصمة عربية في طريقها إلى إثر الثورة الإيرانية”.
وبعد بضعة أشهر من الذكرى السنوية ال36 للثورة، تفاخر قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قائلا: “نحن نشهد تصدير الثورة الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، من البحرين إلى العراق إلى سوريا واليمن وشمال أفريقيا”.
وأكد ظريف التزام طهران الدائم بتوسيع نفوذها في مقال نشرته مجلة الأطلنطي في تشرين الأول / أكتوبر قائلا: “الشؤون العربية” هي أعمال إيران … كيف لا يمكن أن تكون؟ ”
ويقول الزنكاني إن نشر الثورة الإسلامية أمر متأصل في نجاحها المتواصل، ويقول إن ذلك يتطلب من إيران أن تعد الشرق الأوسط للتحول من خلال الاستيلاء على الفوضى والفساد بين أبناء المنطقة الذين يعتبرهم معارضين من الإسلام.
ومن أجل دفع أجندة السياسة الخارجية، استفادت إيران من الاضطرابات التي عصفت بالشرق الأوسط منذ اندلاع الانتفاضات العربية في كانون الأول / ديسمبر 2010.
ويتوقف إنجاز الثورة الإسلامية على استمرار العنف والانقسامات العربية -العربية والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ولولا الاضطراب في العالم العربي، لم يكن لدى رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية أي ذريعة لإعلانه في أواخر عام 2016 أن بلده بحاجة إلى “قواعد بعيدة”، وأنه “قد يصبح من الممكن انشاء (قواعد بحرية) على ضفتي اليمن وسوريا “، ببساطة، لا تريد طهران السلام مع جيرانها العرب ما لم يعترفوا أولا بهيمنتها.
الفشل الايراني
وعلى مدى الألفيات الماضية حاولت إيران، في نسخها المختلفة، توسيع إمبراطوريتها عبر العالم العربي، لكنها فشلت فشلا ذريعا ،وكان فشلها في هذا المسعي يشكل إهانة للقادة الإيرانيين، و يقوض الهيبة الثقافية والسياسية التي ينسبونها إلى دولتهم الفارسية.
وبالتالي، فإن الرغبة في بناء إمبراطورية في الشرق الأوسط لا تزال تنتشر في السياسة الخارجية الإيرانية، وترى الجمهورية الإسلامية أن سوريا هي مفتاح هذا المسعى، وهو موطئ قدم يمكن أن يصل إليه العالم العربي بأسره.
لكن عبء التفاعلات الإيرانية التاريخية مع الدول العربية في المنطقة جعلها حذرة من التقدم الذي أحرزته طهران.
وفي الواقع، هناك رد فعل عنيف في الشرق الأوسط ضد إيران، وحذر وزير الخارجية السعودي ردا على القذائف الصاروخية التي أطلقها الحوثيون على الرياض في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي من ان “التسامح تجاه ايران لن يترك اي عاصمة عربية آمنة” من هذه الاعتداءات.
وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من مكاسبها الهائلة في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، فإن إنجازات إيران هناك ضعيفة.
واذا كانت الحرب في سوريا تقترب من نهايتها، فإن روسيا فيما يبدو قد وصلت إلى هدفها في البلاد، واكتسبت مرافق جوية وبحرية هناك قبل أن تنتقل للمساعدة في جهود إعادة الإعمار، فإن مشروع إيران في سوريا لا يزال بعيدا عن الاكتمال.
وإن نهاية الصراع الطويل الأمد لا تهدد ليس فقط التدخل في طموحات طهران في الشرق الأوسط ،بل أيضا لتخفيض مكانتها كقوة إقليمية بارزة.
ويعمل قادة إيران على افتراض أن النظام الدولي القائم يفسح المجال أمام نظام متعدد الأقطاب ، يمكن لبلادهم أن يضع فيه لنفسه مكانة خاصة به، لكن منطقهم معيب.
وما تفشل طهران في فهمه هو أنه لن تكون هناك قوة إقليمية أو عالمية – لا روسيا أو الولايات المتحدة، ناهيك عن إسرائيل – ستقبل الجمهورية الإسلامية على قدم المساواة معها،وعلى القادة الايرانيين أن يدركون أن إيران يمكن أن تحترق بنارها ،وأن النار الفارسية انطفأت ،ولن تبعث من تحت رمادها.
اضف تعليق