لا جديد لدى الجماعة الحوثية سوى المزيد من المراوغات السياسية والتي مارستها بامتياز بهدف عرقلة مشاورات جنيف حتى قبل أن تبدأ ، فى إشارات ساطعة للعيان بعدم رغبتها في إحلال السلام لتظل اليمن تدور داخل حلقة مفرغة .
فعلى استحياء أعلن المبعوث الأممي فشل المفاوضات وصنع مبررا لعدم حضور الحوثيين، بالقول إن الظروف لم تكن مواتية لمجيء الوفد ووعد بزيارة جديدة إلى صنعاء لاستكمال المشاورات غير أن هذا التصريح أثار غضب رئيس وفد الحكومة الشرعية ، وقال وزير الخارجية “خالد اليماني”، في ذات المؤتمر الصحفي للمبعوث الأممي، إن غريفيث أعطى بتصريحاته مبررا لعدم حضور الحوثيين، وطالبه باتخاذ موقف أقوى تجاه ميليشيات الحوثي، ، مؤكدا أن الحكومة ستواصل مشروع استعادة الدولة من الانقلابيين بعد فشل المفاوضات .
الذرائع الواهية التي أطلقها الحوثيون تؤشر إلى عدة أمور لعل أهمها استخفافها الواضح بمنظمة دولية مثل الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لليمن السيد “مارتن غريفيث” والذي رأى البعض فى موقفه مع الحوثيين نوع من المرونة الزائدة وغير المفهومة إذ أن المبعوث الأممي لم يكتفي بتوفير غطاء سياسي للوفد الحوثى بل سارع للإعلان عن توجهه إلي صنعاء لاستئناف المفاوضات , ولم يعبر عن استيائه من تعنت الميلشيا .لذا تشوب مقاربة الأمم المتحدة للأزمة اليمنية عدة شوائب ، فهي تتعامل مع الحوثيين باعتبارهم جماعة تحوز نوعٍ من الشرعية وهى نظرة يعتريها قدراً من اللبس والفهم الخاطئ إذ أنها بنهاية المطاف ميليشيا مسلحة وإرهابية، وقد أثبت الوقائع أنها لا تفهم إلا لغة السلاح ولا ترغب في التفاوض السلمي و ترى أن لا مستقبل لها إلا بالحرب، وان مصيرها مرهون بقوتها المفروضة على الأرض. وبالتالي فهي لا تستعجل إنهاء المعركة كما هو الحال مع الحكومة الشرعية .
تراث الجماعة حافل باختلاق الأعذار والمراوغة لاسيما عند شعورها بالضغط السياسي والعسكري إذ أن مؤتمر جنيف 3، جاء بعد أربعة جولات تفاوضية سابقة ، هي جنيف 1، وجنيف 2، والكويت 1، والكويت 2، خلال كل تلك المؤتمرات عمدت مليشيا الحوثي على إجهاض كل مبادرات السلام ومشاوراته،فبكل ما تحمله الجماعة من تقلبات وغدر سجلت على مدار أربعة سنوات 20 خرقاً للهدن العسكرية المعلنة ونقضت العديد من الاتفاقات والمواثيق.
الحوثيين ربطوا هذه المرة مصير 30 مليون يمني، بعدد من الجرحى الذين أصيبوا في معارك من المفترض أن يشعروا معها بالخجل , و كانت المليشيا قد تخلفت عن حضور جنيف؛ بسبب اشتراطها طائرة عمانية، كبيرة، وغير محددة بعدد معين من الركاب لكي تحمل عدد من الجرحى . وعلى الرغم من عدم التصريح بهوية المصابين غير ان المعلومات المتداولة تؤشر أنهم كانوا جرحى إيرانيين أصيبوا في المواجهات مع الجيش الوطني، بالإضافة إلى بعض عناصر حزب الله فضلاً عن قيادات حوثية بارزة من بينهم المدعو “ابو علي الحاكم” الأمر الذى أدى لإلغاء الرحلة وطرد كل الموظفين من المطار وهو الأمر الذي جددت الحكومة اليمنية حينها على لسان وزير خارجيتها خالد اليماني رفضها له، قائلة إنها لن توافق على نقل جرحى لا تعرف هويتهم.
ظاهر الأمر يكشف أن الحوثيين لم يكن لديهم نية للحضور إلي جنيف هذه المرة، وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال تشكيلة الوفد، فحتى لو تم حل مشكلة الطائرة كانوا سيبحثون عن ذريعة آخرى، و لو كان الأمر يتعلق بنقل الجرحى لكانوا فعلوا ذلك مع طائرات الأمم المتحدة التي لم تنقطع عن مطار صنعاء.لكنهم حقيقة الأمر مجرد مليشيا يتلاعب بها حزب الله وإيران لذلك يبدو أنها على الأرجح كانت تنتظر توجيهات طهران فيما يتعلق بالمشاركة بالمفاوضات من عدمها إذ أن القرار ليس حوثياً بامتياز، لاسيما عندما يرتبط الأمر بجولة مفاوضات بإشراف أممي وبالتالي فإن الدور الإيراني بلا شك يعارض أي سعي للتفاهم السياسي بل ويساهم في تعنت الجماعة واستهتارها بجهود السلام التي تسعى الأمم المتحدة، إ ذ تعمد إيران مع التصعيد الأميركي ضدها وفرض العقوبات إلى تحريك كل أذرعها الخارجية وتعزيزيها بشكل يضغط على مختلف القوى الإقليمية ولتكون كما يقول المسئولون الإيرانيون رأس حربة في أي صراع محتمل مع الولايات المتحدة أو بعض القوى في المنطقة و هناك جناح الصقور الذين يرفضون، بناء على التوجيهات التي يتلقونها من إيران، والتي تريد أن تستخدم الحركة الحوثية كمخلب قط لزعزعة الاستقرار والأمن فى اليمن
المماطلة الحوثية قد لا تكون مدفوعة بالرفض الإيراني فحسب بل يمكن إرجاعها كذلك إلى أنهم لم يكن أمامهم سوى خيارين , الأول, تشكيل وفد خالص منهم يثقون في جميع أعضائه بحيث يضمنون عودتهم بعد المشاورات، وفي هذه الحالة سيظهرون أمام الرأي العام العالمي والمحلي أنهم وحيدون وأنهم لا يقبلون بالآخر، الثاني تكوينه من جميع القوى الفاعلة باليمن وعلى رأسها المؤتمر، وفى تلك الحالة عليهم أن يتوقعوا ويقبلوا بانشقاق عدد من أعضاء الوفد بعد خروجهم، وبهذا تكون فضيحة قوية توجه لهم، وتثبت أنهم حولوا المناطق التي يسيطرون عليها إلى سجن كبير.
الملفات التفاوضية كانت أحد أسباب إحجام الحوثيين عن الحضور فقد استشعروا الحرج فيما تم تداوله من أن وفد الشرعية سيطرح مسألة رفع العقوبات عن السفير أحمد علي كذلك مسألة تسليم جثمان الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وهو الأمر الذي قد يتسبب في مشكلة داخل الوفد الحوثي خاصة مع وجود ممثلين لحزب المؤتمر ضمن الوفد المشارك , فضلاً عن أن المفاوضات كانت ستركز على بحث ملفات رفع الحظر عن مطار صنعاء، وفتح طرق إمداد المساعدات، بالإضافة إلى ملف تبادل الأسرى والمعتقلين، وهو ملف تسعى المليشيا لربطه بصفقة سياسية كاملة.
تعويل الحوثيين على اتساع دائرة الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة والشرعية في الجنوب واحتمال انحرافها عن مسارها السلمي وتحويلها إلى فوضى وعنف بشكل يظهر حكومة الشرعية وكأنها فقدت سيطرتها على البلاد الأمر الذي قد يضعف ,بلا شك , موقفها التفاوضي , دفع المليشيا للمراوغة وتأجيل المفاوضات لكي تكون متزامنة مع مشاورات الدورة التاسعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف والتي يأملون من خلالها بتقوية موقفهم التفاوضي لاسيما مع ما اشتمل عليه التقرير من اتهامات لدول التحالف وانحيازه الواضح للحوثيين مما قد يعوض ضعف الموقف العسكري للجماعة خاصة وأن التقرير أعطاها دفعة قوية في أن تواصل تعنتها وعرقلتها لهذه المشاورات، ومنحها ضوءً أخضر للمُضي قدما في التلاعب بالمفاوضات .
ما جرى من تغيّب الميليشيا عن جنيف، لم يكن مستغرباً، ، فإيران اليوم تحاول أن تثبت للعالم أنها مازالت قوية وتستطيع تحريك أذرعها في ملفات عديدة، على الرغم من الأزمات الداخلية الاقتصادية والسياسية التى تواجهها.
اضف تعليق