الرئيسية » تقارير ودراسات » على أبواب كابول .. القصة الكاملة لاستيلاء طالبان على السلطة
تقارير ودراسات رئيسى

على أبواب كابول .. القصة الكاملة لاستيلاء طالبان على السلطة

توشك عملية انهيار الدولة في أفغانستان وسقوط البلاد في قبضة حركة “طالبان” على النهاية، حيث دخل المسلحون إلى مشارف العاصمة كابل.

الأحداث الميدانية

على الصعيد الميدانى  وما جرى على الأرض أعلنت الداخلية الأفغانية اليوم الأحد أن مسلحي “طالبان” بدأوا بدخول العاصمة من جميع الاتجاهات. ولفتت تقارير عن استيلاء المسلحين على جامعة كابل غرب المدينة ورفعهم أعلام حركتهم فوق أحد أحياء العاصمة على الأقل، وسط أنباء عن إخلاء المباني الحكومية على وجه الاستعجال من المسؤولين.

 

بدورها، ذكرت الرئاسة الأفغانية على حسابها في “تويتر” أن كابل لم تتعرض لأي هجوم، مؤكدة في الوقت نفسه سماع دوي طلقات نارية في “عدد من المناطق البعيدة” في العاصمة. وأشارت الرئاسة إلى أن أجهزة الأمن تعمل بالتنسيق مع الشركاء الدوليين بهدف ضمان أمن المدينة، مشددة على أن “الوضع تحت السيطرة”.

 

في غضون ذلك، صرح القائم بأعمال وزير الداخلية الأفغاني، عبد الستار ميرزاكول، في تصريح مسجل نشرته قناة “طلوع نيوز” بأن كابل لن تتعرض لهجوم وسيتم ونقل السلطة سلميا، مشددا على أن القوات الأمنية لا تزال تعمل على ضمان الأمن في العاصمة.

 

بدورها، أعلنت “طالبان” في بيان صدر عنها اليوم أنها أمرت قواتها بـ”الوقوف عند أبواب كابل” دون محاولة دخول المدينة، بهدف تفادي العنف، مشددة على أنها “لا تريد دخول المدينة بالقوة والحرب بل بسلام”.وأشارت الحركة إلى أن التفاوض جار على إطلاق عملية انتقالية وتسليم كابل إليها، محملة إدارة الرئيس أشرف غني المسؤولية عن أمن المدينة.

 

وتعهدت الحركة بعدم ملاحقة المسؤولين العسكريين والسابقين في إدارة غني، مطالبة الجميع بـ”البقاء في أماكنهم ومنازلهم وعدم محاولة مغادرة البلاد”. ونظرا لهذا البيان، أعلنت الداخلية الأفغانية عن نشرها قوات خاصة للشرطة في مختلف أنحاء كابل للتعامل مع “انتهازيين” محتملين.

 

كما أعلنت “طالبان” عبر وسائلها الدعائية عن سيطرتها على سجن بل تشرخي في ضواحي كابل الشرقية وإطلاق سراح أكثر من خمسة آلاف من عناصرها المعتقلين هناك.

 

ونقلت “رويترز” عن مسؤول في القصر الرئاسي الأفغاني أن الرئيس غني يجري الآن محادثات طارئة مع المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان زلماي خليل زاد ومسؤولين كبار في حلف الناتو.

 

في الوقت نفسه، قال مسؤول أفغاني لوكالة “أسوشيتد برس” إن “طالبان” أرسلت وفدا إلى القصر الرئاسي للتفاوض على نقل السلطة في البلاد، وأكدت وسائل إعلام أخرى صحة هذه الأنباء.وأكدت شبكة “سي إن إن” الأمريكية أن وفد “طالبان” يضم ثمانية أو تسعة أشخاص، بينهم أنس حقاني (وهو الشقيق الأصغر لسراج الدين حقاني، نائب زعيم “طالبان” ورئيس “شبكة حقاني”).

 

وصرح العضو في الفريق التفاوضي الحكومي، فوزي كوفي، لـ”رويترز” أن وفدا من حكومة غني برئاسة رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية سيتوجه اليوم إلى كابل لإجراء محادثات مع “طالبان”.

 

وتتوقع وسائل إعلام محلية وأجنبية أن تتمخض هذه المحادثات عن تشكيل حكومة انتقالية برئاسة وزير الداخلية وسفير أفغانستان لدى ألمانيا سابقا علي أحمد جلالي، وسط توقعات بتقديم الرئيس غني الاستقالة في الساعات القادمة.وأكدت مصادر دبلوماسية لـ”رويترز” اختيار جلالي المقيم في الولايات المتحدة لرئاسة الحكومة الانتقالية المؤقتة.

 

وأشار قيادي في “طالبان” في الدوحة لـ”رويترز” إلى أن الملا عبد الغني برادر الذي بعد الشخص الثاني في الحركة يستعد للعودة إلى أفغانستان، وسط توقعات بأنه سيشارك في المشاورات بشأن نقل السلطة.

 

تأتي هذه التطورات على خلفية مواصلة الولايات المتحدة عملية إجلاء طاقم سفارتها من العاصمة  الأفغانية.ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى أن مبعوث واشنطن خليل زاد طلب من “طالبان” عدم دخول كابل ما لم تختتم عملية إجلاء الرعايا الأمريكيين والأفغان المتعاونين مع الإدارة الأمريكية من المدينة، لافتة إلى أن هذه العملية قد تشمل أكثر من 10 آلاف شخص.

 

وذكر مسؤول أمريكي في حديث لـ”رويترز” أن الأعضاء الرئيسيين في الطاقم الأمريكي في كابل يعملون من مطارها الآن، موضحا أن أقل من 50 موظفا في سفارة واشنطن سيبقون في المدينة في الوقت الحالي.

 

بدوره، أشار مسؤول في حلف الناتو للوكالة إلى أن العديد من موظفي دول الاتحاد الأوروبي انتقلوا إلى موقع أكثر أمنا في كابل في ظل تقدم “طالبان”.وتأتي هذه التطورات على خلفية سيطرة “طالبان” على كافة حدود أفغانستان، ومواصلة الحركة إحكام سيطرتها على مراكز الولايات التي لم تستول عليها بعد.

 

وأعلنت “طالبان” عن سيطرتها اليوم على مدينة محمود راقي (مركز ولاية كابيسا شمال شرقي البلاد)، ومدينة باميان (مركز الولاية التي تحمل الاسم نفسه وسط البلاد) ومدينة خوست (مركز ولاية خوست جنوب شرقي البلاد) ومدينة ميدان شهر (مركز ولاية وردك وسط البلاد) ومدينة نيلي (مركز ولاية دايكندي وسط البلاد) وجلال آباد (مركز ولاية ننكرهار في الشرق) ومدينة مهترلام (عاصمة ولاية لغمان في شرق البلاد).

 

كما ذكرت “طالبان” أن مسلحيها سيطروا على تسيطر على قاعدة بغرام العسكرية (وهي كانت قاعدة رئيسية لقوات حلف الناتو في البلاد) وأطلقوا سراح عناصر الحركة المعتقلين في سجنها.

 

في غضون ذلك، أكدت وكالة “نوفوستي” نقلا عن مصدر مطلع صحة الأنباء عن مغادرة القيادي العسكري الأفغاني البارز، عبد الرشيد دوستم، بلده إلى أوزبكستان مع مجموعة من العسكريين، مضيفة أن دوستم يجري الآن محادثات مع سلطات هذا البلد المجاور.

أسباب انهيار الجيش

السؤال الآن كيف تمكن حوالي 60 ألفا من مقاتلي الحركة، بأسلحة تقليدية ودون تدريب مناسب على أساليب الحرب الحديثة، من هزيمة أكثر من ربع مليون جندي بالجيش الأفغاني، مزودين بكل أنواع الأسلحة الحديثة، بما في ذلك سلاح الطيران، ويتلقون مساعدات دولية استثنائية؟.

هيئة التفتيش المختصة بإعادة إعمار أفغانستان (SIGAR) نشرت تقريرا تفصيليا عن الواقع الحقيقي للجيش الأفغاني، شككت فيه بحقيقة الصورة الخارجية التي يظهر فيها هذا الجيش.

وقال التقرير إن القادة الرئيسيين في الجيش كانوا طوال السنوات الماضية يتصرفون كـ”أمراء حرب”، مشيرا إلى أنهم “يعتبرون الجيش مؤسسة كبرى للحصول على المغانم، ويبنون من خلاله شبكات من المنافع والمحسوبيات، عبر دوائر عائلية ومناطقية، تفتقد لروح العقيدة العسكرية المتماسكة والمنظمة المؤسساتية”.

 

وشرح التقرير كيف أن “هذا النمط من الهرمية غير العقائدية وغير المنضبطة يساهم بما يجري من تفكك، وفرار لعناصر الجيش حتى قُبيل دخول المعارك أمام مقاتلي طالبان.

هذا الانهيار للجيش الأفغاني، جاء رغم إنفاق الولايات المتحدة، أكثرمن 83 مليار دولار في تسليحه، وتزويده بالمعدات والتدريب، على مدى عقدين من الزمن، وترجع الصحيفة انهيار الجيش الأفغاني، إلى عدة عوامل، من بينها تمكن طالبان على مدى الشهور الماضية، من محاصرة الجنود الحكوميين في نقاط الحراسة، بالمناطق الريفية، ثم تقديم وعود لهم بعد أن يكون الجوع قد أنهكهم، بعدم التعرض لهم إذا ما استسلموا وتركوا معداتهم وراءهم.

أما الأساسي الذي تتحدث عنه الصحيفة، فهو الفساد الحكومي، إذ تقول إنه ورغم، أن العدد المسجل على الأوراق، لأفراد الجيش الأفغاني يبلغ 300 ألف جندي، فإن الموجود على الأرض، لا يتعدى سدس هذا العدد، وأنه جرى التلاعب بالعدد، بفعل الفساد والسرية، التي تميز تعامل المسؤولين الأفغان مع القضية.

أسلحة طالبان

على النقيض من ذلك تماما، نشر مركز مكافحة الإرهاب، الذي هو مؤسسة بحثية واستشارية ضمن “الأكاديمية العسكرية الأمريكية”، تحليلا عن العدد الفعلي لمقاتلي حركة طالبان، ذاكرا أنهم لا يتجاوزون 60 ألفا فقط.

لكن، حسب المركز، فإن الحركة تمكنت من عقد عشرات التوافقات مع القوى الأهلية الأفغانية، من عشائر وزعماء المناطق ووجهاء المجتمع المحلي في العديد من المناطق، الذين رصدوا آلاف المقاتلين لصالح الحركة، التي تلاقت مصالحها مع مصالح هؤلاء.

 

وتبعا لحسابات المركز الأمريكي، فإن العدد الفعلي لمقاتلي الحركة ومؤيديها يبلغ 200 ألف مقاتل في مخلف المناطق، ولهذا فإن مقاتلي الحركة أكثر معرفة وخبرة بالمناطق الجغرافية والديموغرافية في أماكن المعارك التي ينتشرون فيها.

لكن الباحث الأفغاني جوهر طالبي، يُعيد الإجابة على السؤال إلى كمية ونوعية الأسلحة الهائلة التي ظهر أن الحركة تملكها.

وشرح طالبي في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “ثمة كميات مهولة من الأسلحة بيد الحركة، ومن جميع الأنواع. فبكل بساطة يمكن ملاحظة أسلحة أمريكية حديثة بيد مقاتلي الحركة، حصلوا عليها من مخازن الجيش الأفغاني”.

 

وتابع: “إلى جانب ذلك، يمتلكون أسلحة أخرى مخزنة منذ عهد الاحتلال السوفياتي في ثمانينيات القرن المنصرم، ومعها أسلحة إيرانية وباكستانية، حتى أن المرء يشعر أن مقاتلي طالبان يغوصون في بحر من الأسلحة”.

 

وأضاف طالبي: “كانت تلك الأسلحة تُستعمل بكثافة عالية أثناء المعارك. فالحركة حينما كانت تحاصر المدن والبلدات، كانت تُمطرها بوابل كثيف من النيران، وفي مرات كثيرة تستمر لأيام، دون أي شعور بالمسؤولية تجاه المدنيين أو البنية التحتية، على عكس الحذر الذي كانت تتعامل به القوات الحكومية”.

 

واعتبر الباحث الأفغاني أن هذه الكثافة النارية كانت “تدفع عناصر الجيش للفرار وترك المدنيين في مواجهة مقاتلي الحركة”.

“الدور السياسي” في هذه الهزيمة

ونوه طالبي كذلك إلى “الدور السياسي” في هذه الهزيمة، مذكرا بأنه “خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ظهر الزعماء السياسيون الأفغان فاقدين لأية قدرة على تقديم مشروع وطني لبناء دولة وحكومة في أفغانستان، في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي”.

 

واستطرد: “في ذلك الوقت كانت حركة طالبان تروج دعايتها المتحدثة عن الخطاب الوطني والديني وتحرير البلاد، لذا فإن جزءا غير صغير من المجتمع الأفغاني، بالذات الطبقات الأكثر ريفية والأقل تعليما، كانوا يملكون مشاعر مختلطة في دعم الحركة والإيمان بشعاراتها، وهو أمر استخدمته الحركة بكثافة”

كابول والأهمية استراتيجية

و تحظى كابول بأهمية استراتيجية بالغة، الأمر الذي يجعل السيطرة عليها، ورقة ضغط بيد طالبان.وتقع العاصمة الأفغانية على ضفاف نهر كابول في القطاع الشرقي من البلاد، وتحيط بها سلاسل جبلية شديدة الانحدار من كل الجهات، وتبلغ مساحتها 4462 كيلومترا مربعا.

 

وتتمتع كابول بموقع مميز، حيث تقع على امتداد طرق التجارة في جنوب ووسط آسيا، كما أنها تعد منفذا إلى شمال الهند وباكستان، وينطلق منها أيضا طريق إلى شمال إيران وآسيا الوسطى.

 

وديموغرافيا تغير عدد سكان كابول منذ مطلع نهاية الثمانينيات من مليون و300 ألف نسمة إلى مليون و100 ألف في 2021، وذلك بسبب الحروب التي شهدتها البلاد.وتتكون التركيبة السكانية في كابول من 60% من الأفغان الباشتو، و24% من الطاجيك، و15% من الأوزبيك، إلى جانب أعراق تركية وفارسية.

وتحتضن المدينة “المنطقة الخضراء” شديدة التحصين، والتي تضم القصر الرئاسي وسفارات ومقار منظمات دولية.ويشكل مطار كابول “حامد كرزاي”، ورقة مهمة في المشهد الأفغاني، إذ يعتبر ممرا للبعثات الدبلوماسية وبوابة للمساعدات الإغاثية.