قال رئيس بعثة المراقبين التي أوفدتها الجامعة العربية إلى سورية إنه لم ير "شيئا مخيفا" في أول زيارة لمدينة حمص لكن فرنسا وصفت تصريحاته بأنها سابقة لأوانها وحثت سورية على ضمان حرية التنقل لفريقه.
واصطدمت البعثة بعقبة في ثاني أيام عملها حين رفض سكان حي بابا عمرو في حمص الذي تعرض للقصف بنيران الدبابات التحدث إلى المراقبين في وجود ضابط من الجيش السوري.
وأوقف المراقبون زيارتهم للحي الذي قتل فيه عشرات المحتجين بنيران دبابات الجيش السوري والقناصة وحيث أطلق المتمردون المسلحون النار ردا على ذلك لحماية السكان.
وقال نشطاء لوكالة "رويترز" إن المراقبين عادوا في وقت لاحق دون مرافقين ودخلوا بابا عمرو لكنهم اضطروا إلى إلغاء محاولة للتحقق من منطقة يعتقد السكان أن قوات الأسد تخفي فيها معتقلين وذلك لاندلاع إطلاق للنار على مقربة منها.
ويعد دخول المراقبين إلى المواقع دون معوقات وحصولهم على إفادات دون رقابة أمرا حاسما كي تتمكن بعثة الجامعة العربية من التحقق من وفاء الرئيس بشار الأسد بمبادرة الجامعة التي تقضي بسحب الدبابات والقوات التي تهاجم المحتجين والإفراج عن السجناء وإجراء حوار مع المعارضة.
وقال الفريق أول الركن محمد احمد مصطفى الدابي رئيس بعثة المراقبين السوداني لوكالة رويترز: "كانت هناك مناطق الحالة فيها تعبانة (غير جيدة) لكن اعضاء الوفد لم يروا شيئا مخيفا."
وأضاف بعدما قام فريقه بأول زيارة لحمص التي يسكنها مليون نسمة وتعد أحد مراكز الاحتجاج الأساسية ضد الأسد "الحالة مطمئنة حتى الآن… لكن يجب أن تنتبهوا أن هذا هو اليوم الأول ونحتاج إلى وقت وفريقنا 20 شخصا وسيستمرون لوقت طويل في حمص."
ويبلغ العدد الإجمالي لفريق المراقبين 150 مراقبا ومن المقرر ان يصل معظمهم بنهاية الأسبوع.
ويقول معارضو الأسد إنه أطلق العنان لقواته المسلحة للتصدي للاحتجاجات السلمية التي بدأت في مارس اذار وانه ينفذ منذ تسعة شهور حملة قمع لا هوادة فيها تدفع سورية نحو حرب اهلية مع لجوء سوريين مناهضين للأسد إلى حمل السلاح.
ويقول الأسد إنه يكافح إرهابا إسلاميا من خارج سورية. وتقول الحكومة إن اكثر من 2000 من أفراد الشرطة والجيش قتلوا في الشهور التسعة الأخيرة.
واستخدمت قوات الأمن الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهرة مناهضة للأسد في حماة أحد مراكز الاحتجاج الكبرى إلى الشمال من حمص والتي يعتزم المراقبون العرب زيارتها اليوم الخميس. وورد ان ما لا يقل عن سبعة أشخاص جرحوا.
وأظهرت لقطات بثتها قناة الجزيرة على الهواء مباشرة أمس الأربعاء إطلاق للنار وتصاعد دخان أسود فوق شارع في حماة بوسط سورية فيما كان عشرات المحتجين يهتفون "أين المراقبين العرب". وظهر في اللقطات رجل ينزف من رقبته.
وتشهد حماة تقريبا نفس مستوى العنف الذي تشهده حمص ولديها ارث مؤلم من المشاعر المناهضة للأسد. فقوات الرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار اقتحمت حماة عام 1982 وقتلت زهاء عشرة الاف شخص لسحق تمرد اسلامي.
وأذكت انتكاسة المراقبين في حمص بسبب اعتراض السكان على مرافقة ضابط سوري لهم قلق نشطاء المعارضة من ان وصولهم الى المواقع سيكون مقيدا الأمر الذي يعوق اجراء اتصالات دون قيود مع المحتجين ويحجب عنهم الأبعاد الكاملة لحملة الأسد العنيفة.
وازعجت تصريحات الدابي التي تتسم باللين النشطاء المناهضين للأسد وبعض المسؤولين الغربيين الذين يخشون ان تنتهي البعثة باضفاء قدر من الاحترام النسبي على دمشق.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو "قصر مدة وجودهم في حمص يوم الثلاثاء لم يسمح لهم بتقييم الوضع السائد هناك.
"ينبغي ان يتمكن مراقبو الجامعة العربية من العودة سريعا الى هذه المدينة الشهيدة وان يكون بوسعهم التنقل بحرية واجراء جميع الاتصالات الضرورية مع السكان."
أما روسيا وهي من الحلفاء القلائل الباقين للأسد ومورد السلاح الأساسي لسورية فقد حثت دمشق على السماح لبعثة مراقبي الجامعة العربية بالتنقل بحرية في أنحاء البلاد.
وقال وزير الخارجية سيرجي لافروف في مؤتمر صحفي مع نظيره المصري محمد كامل عمرو "يجب ان تكون البعثة قادرة على زيارة أي مكان في البلاد وأي بلدة أو قرية وان تخلص الى رأيها المستقل والموضوعي بشأن ما يحدث وأين يحدث."
وتظهر تقارير مصورة لا يتسنى التأكد من صحتها على نحو مستقل أجزاء من حمص تبدو مثل منطقة حرب. ويمكن سماع اصوات نيران البنادق الالية والقناصة باستمرار وترى جثث مشوهة جراء الانفجارات.
ويقول نشطاء إن نحو ثلث الذين قتلوا في الاضطرابات في سورية منذ مارس اذار ويقدر عددهم بخمسة الاف لقوا حتفهم في حمص. وقتل العشرات في الأسبوع الأخير وحده واعتقل الالاف خلال الشهور التي سبقت توجيه الدعوة لمراقبي الجامعة العربية بزيارة سورية.
وتحظر دمشق دخول الصحفيين الاجانب الامر الذي يصعب معه التحقق من الانباء الواردة من مناطق الصراع.
وقال نشطاء في حمص انهم عرضوا على البعثة مباني تحمل اثار الاعيرة النارية وقذائف المورتر وأشاروا لهم الى ما قالوا انها دبابات لكنهم لم يمكثوا معهم سوى ساعتين يوم الاثنين.
وكان ناشط عرف نفسه بعمر مستاء.
وقال "شعرت بأنهم لم يعترفوا حقا بما رأوه. ربما لديهم أوامر بالا يظهروا تعاطفا. لكن لم يكونوا متحمسين للاستماع الى روايات الناس."
وأضاف "شعرنا بأننا نصرخ في الفراغ."
وقال "علقنا أملنا على الجامعة العربية كلها… لكن هؤلاء المراقبين لا يفهمون فيما يبدو كيف يعمل النظام ولا يبدو عليهم اهتمام بالمعاناة والموت اللذين تعرض لهما الناس."
ويمثل المراقبون اول تدخل دولي على الارض في سورية منذ بدأت الانتفاضة. ويأمل المحتجون ان تدفع تقاريرهم بشأن الاحداث المجتمع الدولي الى التحرك ضد الأسد.
لكن اختيار الفريق السوداني ليرأس بعثة مراقبي جامعة الدول العربية اثار استياء النشطاء الذين يشيرون الى تحدي السودان نفسه لمحكمة جرائم الحرب بشأن الصراع في دارفور.
وتقول الجامعة العربية ان الدابي يوفر خبرة عسكرية ودبلوماسية مهمة لبعثتها في أول تدخل من نوعه في الشؤون الداخلية لاحدى الدول الاعضاء.
لكن بعض نشطاء حقوق الانسان الدوليين الذين ينتقدون الخرطوم يقولون ان من المستحيل تصور أن يوصي ضابط سوداني كبير كان ضالعا في دارفور بتدخل خارجي قوي لوقف انتهاكات لحقوق الانسان في دولة عربية شقيقة.
ولا تظهر القوى الغربية رغبة في التدخل عسكريا في سورية ويشهد مجلس الامن انقساما حيث تعارض روسيا والصين التدخل.
ويقول الأسد إنه يقاتل نمرد إرهابيين مسلحين قتلوا 2000 من أفراد الجيش والشرطة.
وأذاع التلفزيون السوري أمس نبأ إفراج سورية عن 755 شخصا احتجزوا خلال الاضطرابات ممن "لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين."
ويأتي الإفراج عن المعتقلين في إطار اتفاق الأسد مع الجامعة العربية لنزع فتيل الأزمة. لكن منظمة العفو الدولية تقول انه لا يزال هناك 15 الف سوري قيد الاعتقال.
اضف تعليق