وقع “حزب الله” في مستنقع الأزمات المالية المتكررة ،ولم يعد قادرا على الوفاء بالتزاماته المادية،سواء على مستوى المشروعات المدنية التي ينفق عليها في الجنوب اللبناني ،أو على جانب تسديد فاتورة الانفاق على تدخلاته العسكرية، فالحزب يتعرض لنوع من تمزق المجهودات ،على أكثر من جبهة ،مما أدى إلى ارهاقه اقتصاديا .
“حزب الله” الذي تسبب في اشعال منطقة الشرق الأوسط ،لم تعد خزانته قادرة على تحمل فاتورة تورطه في الحرب السورية،أو دعمه للميليشيات الشيعية في العراق ،أوضلوعه بمساعدة الحوثيين في اليمن ، ويبدو أن كيان الحزب الذي يتزعمه حسن نصرالله يسير بسرعة نحو الهاوية، لينهار أو يتم تفكيك أوصاله .
وخاصة في ظل التهديدات الأميركية بتجفيف منابع التمويل الخاصة بالحزب ،وتعاون الدول الأوروبية معها بهذا الشأن،ووقوف التحالف العربي ضده ،وهو ما انعكس على وجه “حسن نصرالله” خلال كلمته الأخيرة ،حيث بدا في أسوأ حالاته.
أبعاد الأزمة
إن التهديدات الإقليمية والدولية التي يشكلها “حزب الله” لم تزد إلا بمرور الوقت، بسبب الدعم المالي الذي أدى إلى تضخم قدرات الحزب، لذلك تتعاظم أهمية حرمان الحزب من التمويل والموارد الداعمة له، للحد من قدرته على العمل ، بعد أن كشفت مصادر استخباراتية غربية أن “حزب الله” يستغل النظام المالي الدولي لفائدته.
وأضافت المصادر ذاتها أن الحزب قد تعرض لسلسلة من الانتكاسات المالية، مما دفع المسؤولين الأمريكيين إلى التأكيد بأنه يمر بأسوأ مأزق مالي له منذ عقود”.
وفي الواقع، لجأ “حزب الله” في الأشهر الأخيرة إلى إطلاق حملة لجمع التبرعات عبر الإنترنت ،بعنوان “تجهيز حملة مجاهد”، والتي دعا فيها الحزب أعوانه إلى تقديم تبرعات كبيرة أو صغيرة، تدفع مرة واحدة أو على أقساط، لتزويد مقاتلي “الحزب” بالتمويل اللازم، لدعم أنشطته اللوجستية، مثل إنشاء المنظمات الأمامية ، وشراء الأسلحة، والمواد ذات الاستخدام المزدوج، وجوازات السفر المزورة.
كما شجع “حزب الله” أيضا حملة لجمع التبرعات على اللوحات الإعلانية، والملصقات التي تروج لبرنامجه السياسي ،وأشارت المصادر إلى أنه طرح عرضا مغريا يتيح للمؤيدين له تجنب التجنيد في قوات الميليشيات التابعة للحزب مقابل دفع حوالي $ 1،000.3.
ورغم أن هذه التدابير تعكس استراتيجية يائسة للحزب الذي يعاني من أزمة مالية صعبة ، إلا أنه يواصل جمع الأموال الكافية، لنشر ميليشيات كبيرة ، سواء في الداخل اللبناني، أو في سوريا، بالاضافة إلى إرسال مجموعات أصغر من النشطاء إلى العراق واليمن، ومواصلة تشغيل منظمة دولية تتحكم في شبكة إرهابية ذات تأثير خطير.
وشدد الخبراء الاستراتيجيون على دور الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة تمويل “حزب الله” حيث يجب أن تقود جهدا دوليا لاستهداف السلوكيات المالية غير المشروعة للحزب، سواء في الداخل أو في لبنان أو في باقي دول العالم، والتي تتمثل في غسل الأموال على نطاق واسع، وتهريب المخدرات، وبيع الأسلحة.
وأشار الخبراء الاستراتيجيون أيضا أن فكرة الحد من النمو الاقتصادي ل”حزب الله” هنا ليست لتقويض الاقتصاد اللبناني، بل لحمايته من اختراق المؤسسات الإجرامية ،وعمليات غسل الأموال ، والتي يشارك فيها الحزب مشاركة عميقة.
ليس مفاجئا أنه بعد أن أصدر الكونغرس قانون منع التمويل الدولي ل”حزب الله”، أصدر البنك المركزي اللبناني تعميما، يطلب فيه من المصارف اللبنانية إغلاق حساباتها للأفراد والمؤسسات المرتبطة ب”حزب الله”، ووفقا للبنك المركزي اللبناني ،ومنذ ذلك الحين أغلقت الحسابات المرتبطة بالحزب.
وبالمثل، فإن التواصل مع الشركاء الأجانب فيما يتعلق ب”حزب الله” لا يقوم فقط على المشاركة بشكل متزايد في مواجهته، بل من خلال توحيد المواقف تجاه “الحزب ” على اعتبار أنه جماعة إرهابية،تماما كما يصنفه المفهوم العالمي.
إن المشاريع الإجرامية ل “حزب الله” تعرض الاقتصادات الوطنية والنظام المالي الدولي للخطر، حيث يواصل “حزب الله” العمل في أوروبا، حتى بعد فرض الحظر على أجزاء من جماعته (الجيش والأجنحة الإرهابية) في تموز / يوليه 2013، والتي تشارك بقوة في المشاريع الإجرامية في أفريقيا و أمريكا الجنوبية.
وعلى الرغم من اعتبار “حزب الله” جماعة إرهابية من قبل مجلس التعاون الخليجي ، فقد أفادت التقارير أن “الحزب” بدأ في تخزين بعض أمواله خارج لبنان، وخاصة في أماكن مثل العراق ودبي.
غضب دولي بسبب تحول “حزب الله”
أثار “حزب الله” حالة من الغضب الدولي بعد أن خرج عن سياقه المحلي ،وتورط في الصراع السوري ،فالحرب في سوريا غيرت “حزب الله” بشكل كبير، فلم يعد يقتصر على دور “الفارس” بالنسبة للسلطة السياسية في لبنان، أو محاربة إسرائيل، بل أصبح “الحزب” الآن لاعبا إقليميا يتدخل في صراعات تتجاوز دوره التاريخي، مثلما يحدث في العراق واليمن،و في كثير من الأحيان يقوم بهذا التدخل بالتعاون مع إيران.
وأقوى المؤشرات على التحول الهيكلي ل”حزب الله”، منذ عام 2013، أنه أضاف لمجموعته اثنين من الأذرع الجديدة له –أولا على الحدود اللبنانية السورية، والثاني داخل سوريا نفسها – علاوة على قواعده الحالية في جنوب و شرق لبنان.
وكشفت مصادر مطلعة أنه بعد تواجد ذراع “حزب الله” الجديدة في سوريا، قام “الحزب” أيضا بنقل الموظفين الرئيسيين إلى مركز قيادة أنشئ حديثا في سوريا، من القيادة الجنوبية العليا التي كانت تقليديا على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل ،بالإضافة إلى “حزب الله” اللبناني التقليدي الذي يرسل مقاتليه إلى سوريا.
وأكد الخبراء الاستراتيجيون أن ايران شكلت “حزب الله” الثاني في سوريا”، في أوائل عام 2014،حيث بدأت تتكون عدة ميليشيات شيعية في سوريا، كانوا يطلقون على أنفسهم، اسم “حزب الله في سوريا”، على أساس أن التجربة مستوحاة من نجاح “حزب الله” اللبناني، وقد بدأت إيران في بناء جناح سوري للحركة من أجل “تنفيذ الأيديولوجية الايرانية ، في سورية وغيرها من المناطق الإقليمية ، ولتحقيق أهداف محددة تتمثل في إسقاط الأنظمة العربية”.
احباط مقاتلي “حزب الله”
وعلى الرغم أن معظم أعمال “حزب الله” حتى الآن مقصورة على سوريا، فإن مجموعة “حزب الله” في سوريا دعت إلى توحيد مع الميليشيات الشيعية الأخرى في العراق أيضا.
بل إن تأسيس “حزب الله” في سورية ، في الاسم والهيكل والولاء، يدل على إنجاز كبير لطهران، حيث يسمح لها بالحفاظ على النفوذ الأصعب ،وأكثر فعالية في مشروع السلطة داخل سوريا وخارجها.
وأوضح خبير استراتيجي في الشأن السوري أنه لا يعتقد أن الدعم الإيراني ل”حزب الله “سيستمر على نفس المستوى الذي ظل عليه منذ عدة سنوات ،لأن المزيد من تلك الأموال تذهب الآن إلى دعم أنشطة “حزب الله” في سوريا أكثر مما هو الحال في لبنان.
وهذا ما يضع ضغوطا كبيرة على “حزب الله “في لبنان، حيث ترتفع التوترات بسبب افتقار الحزب إلى الدعم ، وقد أدى ذلك بدوره إلى أزمة أيديولوجية بالنسبة لمقاتليه، لأن الكثيرين منهم، قد أصيبوا بالاحباط ،و لم يعودوا يعتبرون أن الحرب في سوريا معركة مقدسة.
وحتى مع تعميق أنشطته في سوريا، يواصل “حزب الله” مساعدة الميليشيات الشيعية في العراق، حيث يرسل عددا صغيرا ،وعددا آخر من المدربين المهرة، لتدريب الميليشيات الشيعية، والمساعدة في الدفاع عن الأضرحة الشيعية هناك.
وهذا ليس كلاما مرسلا ،فقد اعترف حسن نصر الله في 6 مارس / آذار 2016 بأن “حزب الله” أرسل سرا عناصره إلى العراق قائلا: “في العراق، قاتلنا تحت القيادة العراقية، ولم نتدخل في شؤونهم”، كما أشار إلى أن بعض مقاتلي “حزب الله” ظلوا في العراق.
“حزب الله” والأزمة اليمنية
وكشف ماثيو ليفيت مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في “واشنطن” أن عدد المقاتلين الذين أرسلهم حزب الله لمساعدة الحوثيين في اليمن، قد يكون صغيرا،نسبيا بالمقارنة بعدد مقاتلي في سورية، ولكن هذا بالتأكيد ، ليس انعكاسا للأهمية التي تعلقها الجماعة على الحرب الأهلية في اليمن، بل لأن “الحزب” يرسل مبعوثين على أهمية قصوى ،وليس مجرد مقاتلين.
ودلل ماثيو ليفيت على كلامه قائلا: “خذ على سبيل المثال خليل حرب، قائد العمليات الخاصة السابق والمستشار القريب لنصر الله، الذي يشرف على أنشطة “حزب الله” في اليمن – ويدير عملية نقل الأموال إلى التنظيم داخل البلاد – و يسافر في كثير من الأحيان إلى طهران للتنسيق مع المسؤولين الإيرانيين، نظرا لتجربته في العمل مع المنظمات الإرهابية الأخرى، وعلاقاته الوثيقة مع القادة الإيرانيين و”حزب الله”، وخبرته مع العمليات الخاصة والتدريب.
وكشفت مصارد استخباراتية غربية أخرى أنه قد تم تعيين “حرب” للعمل في اليمن، غير أن “حرب” ليس من أكبر المناصب التي أرسلت إلى اليمن، ففي ربيع عام 2015، بعث “حزب الله” أبو علي الطبطبائي، القائد الأعلى الذي كان متمركزا في سوريا، لرفع مستوى تدريب مجموعة برنامج المتمردين الحوثيين في اليمن، والذي يقال إنه ينطوي على تعليمهم تكتيكات حرب العصابات .
تراجع ايراني عن دعم “حزب الله”
وأشارت مصادر ايرانية مطلعة إلى أن هناك حالة غليان داخل اروقة السياسة الايرانية ،لأن “حزب الله” قد تسبب في وضع ايران في مواجهة محتومة مع المجتمع الدولي،وأن من يتحمل المسؤولية كاملة ليس “حسن نصرالله ” بل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ،والذي شدد على إرسال مقاتلي “حزب الله اللبناني” إلى سوريا لدعم بشار الأسد، رغم معارضة “نصر الله”، والذي أذعن للأوامر ، بعد تلقيه نداء من المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي،بهذا الشأن، ونتيجة على ذلك، تحوّل الحزب إلى قوة طائفية إقليمية تهدد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وتجلب العداءات السافرة تجاه دولة “الملالي”.
وهو الأمر الذي يرفع خطوط المواجهة مع ايران إلى حدودها القصوى ،حيث صارت تبحث عن منفذ آمن للخروج من هذا المأزق ،وهو لن يكون إلا باعلان حل “الحزب”،لتفادي الضربة العسكرية الأميركية، والاذعان لشروط التوافق مع القوى الدولية أم هل تكون رأس حسن نصرالله “كبش فداء” لخروج ايران من تأثيرات الضغوط الدولية؟ لاشك أن كل السيناريوهات مطروحة على مائدة اللعبة السياسية الاقليمية ،فماذا بعد؟
اضف تعليق