لقد سقط النظام السوري الذي حاول مرارًا وتكرارًا قتل وإغلاق مجلة “الوطن العربي”. سقط النظام ولكن المجلة لا تزال حية، تعيش وتواصل رسالتها التي بدأت منذ أكثر من خمسين عامًا.
لقد برزت ” الوطن العربى كصوت قوي ضد الاستبداد والتدخل الخارجي في الشؤون العربية، خاصة في معارضتها لسياسات النظام السوري ودوره المدمر في لبنان. عُرفت المجلة بصحافتها الجريئة، حيث انتقدت باستمرار تلاعب النظام السوري بسيادة لبنان، ممارساته القمعية، ودوره في تسهيل النفوذ الإيراني المتزايد في الشؤون العربية والإقليمية. من خلال كشفها للتحالف الاستراتيجي بين النظام السوري وطهران، سلّطت المجلة الضوء على كيفية استخدام هذا التحالف لزعزعة استقرار المنطقة، تقويض الوحدة العربية، وتعزيز الأجندات الطائفية على حساب الاستقلال الوطني.
ورغم المحاولات المتكررة للنظام السوري لإسكات صوتها، بما في ذلك الترهيب والرقابة وحتى الهجمات الإرهابية التي استهدفت طاقمها ومكاتبها، رفضت مجلة الوطن العربي التخلي عن رسالتها في الدفاع عن الحقيقة والمحاسبة. أصبحت رمزاً للمقاومة، ثابتة في مواجهة قوى القمع، وداعمةً لحق الشعوب في تقرير مصيرها وسيادتها. واستمرارها في العمل وبقاؤها ذات صدى بعد سقوط النظام يشكلان شهادة قوية على روح حرية التعبير والصمود لأولئك الذين يجرؤون على الوقوف ضد الطغيان والظلم.
لعبت “الوطن العربي” دورًا ثقافيًا مهمًا، حيث فتحت أبوابها لمثقفي المغرب العربي وأوروبا في وقت كان فيه قراء بلاد الشام والخليج لا يعرفون العديد من الأسماء التي دعمها هذا المنبر الإعلامي. وكانت المجلة وفية لاسمها، “الوطن العربي”، وامتدادًا لروح “المحرر” الثورية، حيث انتهجت خطًا معارضًا قويًا لنظام الأسد، مما أتاح مساحة كبيرة لقادة المعارضة السورية. ونتيجة لذلك، تعرض وليد أبو ظهر لتهديدات بالقتل. ففي عام 1979، نجا من محاولة اغتيال عندما أخطأت عصابة مسلحة في طعن جاره بدلاً منه، وهو الحادث الذي يبرز قوة تأثير “الوطن العربي” ومؤسسها.
تميزت المجلة بسلسلة من الانفرادات الصحفية التي كشفت عن خطط لاغتيال السفير الفرنسي في لبنان من قبل المخابرات السورية. وفي سبتمبر 1981، تم اختطاف السفير وقتله، مما أكد صحة السبق الصحفي الذي نشرته المجلة. وبعد بضعة أشهر، وفي ديسمبر 1981، تم العثور على قنبلة مخبأة داخل صندوق إذاعي أمام مكاتب المجلة. ورغم هذه المخاطر، لم يتراجع وليد أبو ظهر ولا المجلة عن الحفاظ على استقلالهما في الخط التحريري.
في بداية عام 1982، قامت قناة “تي-إف 1” الفرنسية بإعداد فيلم وثائقي عن اغتيال السفير، ما جعل المخابرات السورية تستهدف “الوطن العربي” ومؤسسها. في أبريل من نفس العام، وصل وليد أبو ظهر إلى معلومات تفيد بأن وحدة سورية من ثلاثين فردًا قد وصلت إلى باريس لتخطط لشن هجوم على المجلة. ولكن على الرغم من هذه التهديدات، بقيت “الوطن العربي” ثابتة على موقفها، وزادت احتياطاتها الأمنية.
في 22 إبريل 1982، انفجرت قنبلة أمام مكاتب “الوطن العربي” في شارع ماربيوف بباريس، مما أسفر عن مقتل سيدة بريئة وإصابة 68 شخصًا. هذه المحاولة الإرهابية كانت تهدف إلى إسكات المجلة ووقف رسالتها. ومع ذلك، لم تؤثر هذه الاعتداءات على سياسة المجلة التحريرية، بل استمرت في محاربتها ضد التواجد العسكري السوري في لبنان.
إن “الوطن العربي” لم تكن مجرد مجلة، بل كانت عنوانًا للثبات على المبدأ ووسيلة لنقل الحقيقة إلى العالم، رغم محاولات إخماد صوتها. سقط النظام السوري، لكن “الوطن العربي” لا تزال تواصل رسالتها، وفي قلبها روح الصمود والنضال من أجل القضايا العربية.
اضف تعليق