حدث ما طال انتظاره: إسرائيل توجه ضربة مباشرة للمواقع النووية الإيرانية ولبُنية القيادة العسكرية في طهران، عبر حملة جوية محكمة، تهدف إلى تقليص القدرات الإيرانية تمهيدًا لما قد يكون فصلًا جديدًا من التفاوض، لا نهاية حرب.
هذه الضربة، التي وُصفت بأنها دقيقة وفعالة، جاءت في أعقاب عقدين من التوقعات المتضاربة بين محللين وخبراء وصناع سياسات، ممن تنوعت قراءاتهم ما بين انتفاضة شعبية في إيران، أو شلل اقتصادي بسبب انفجار أسعار الطاقة، وصولًا إلى احتمالات حرب شاملة. والآن، تدخل تلك التوقعات حيّز الاختبار.
ترامب يراهن على الحرب المحدودة لصناعة التفاوض
الغائب الأكبر عن الضربة – حضورًا عسكريًا على الأقل – كانت الولايات المتحدة. فباستثناء إشارات غامضة من بعض المسؤولين، لم يكن هناك انخراط علني أمريكي في الضربة. ومع ذلك، أبدى الرئيس السابق دونالد ترامب دعمًا سياسيًا واضحًا للخطوة، بل ذهب أبعد من ذلك في منشور له على “تروث سوشيال”، داعيًا القادة الإيرانيين للعودة إلى طاولة التفاوض قبل أن “ينهار كل شيء”.
وتأتي هذه الضربة لتختبر إحدى الفرضيات التي لطالما روج لها ترامب، وهي أن إيران ستُذعن تحت ضغط القوة العسكرية، وستقبل بتنازلات رفضتها في عهد سلفه باراك أوباما. يرى ترامب – كما صرّح لموقع “أكسيوس” – أن الضربات الإسرائيلية قد تُعجّل بالتوصل إلى “صفقة كبرى” مع إيران.
لا غزو ولا احتلال.. ولكن “رسالة استراتيجية”
ما يُميز الضربة الإسرائيلية أنها جاءت دون مشاركة أميركية مباشرة – لا قاذفات “بي-2” الثقيلة، ولا قنابل خارقة للتحصينات مثل تلك اللازمة لضرب مواقع عميقة كمنشأة فوردو. لكن هذا قد يكون جزءًا من التصميم، لا من النقص.
فالرسالة التي تُرسلها تل أبيب وواشنطن – ولو من خلف الستار – هي أن القوة قد تُستخدم، ليس لتدمير إيران بالكامل، بل لفرض شروط تفاوضية جديدة. غياب واشنطن عن العمليات قد يُفسر بأنه مقصود: ضوء أخضر غير مباشر لإسرائيل، مع الحفاظ على مسافة تُمكن من تجنب الانجرار إلى حرب إقليمية واسعة.
إيران في موقف الانتظار.. ولكن إلى متى؟
حتى الآن، لم يصدر رد إيراني مباشر واسع النطاق، ما دفع بعض المراقبين للاعتقاد بأن طهران قد تختار امتصاص الضربة. لكن هذا الافتراض قد يكون سابقًا لأوانه. فالقيادة الإيرانية تمر بحالة ارتباك، وقد يتأخر الرد بينما يُقدّر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أبعاد التصعيد.
تاريخيًا، لم تكن إيران من النوع الذي يُظهر أوراقه فورًا. وفي ظل ضربة استهدفت قلب قدراتها النووية والعسكرية دون مشاركة أميركية، قد ترى طهران أن الرد السريع ليس الخيار الأنسب، بل الانتظار لحشد أوراق القوة والتوقيت.
حروب تبدأ دون أن تنتهي.. والتفاوض جزء من المعركة
قد يرى البعض في غياب رد إيراني فوري دليلاً على نجاح استراتيجية “الضربة من دون تورط”، إلا أن هذه قراءة جزئية. فالحروب الكبرى، كما يُظهر التاريخ، لا تُحسم في الليلة الأولى، ولا حتى في الأسبوع الأول. التفاوض لا يعني نهاية المعركة، بل امتدادًا لها بأساليب أخرى.
كما حدث بعد أسابيع من دخول بغداد عام 2003، حين أعلن جورج بوش “المهمة أنجزت”، اتضح لاحقًا أن الانتصار كان بداية مأزق طويل. والآن، ورغم أن الضربة الإسرائيلية قد تبدو حاسمة، إلا أن نتيجتها النهائية ستُحسم على طاولة المفاوضات، أو عبر موجات جديدة من التصعيد.
خلاصة المشهد
إسرائيل قصفت، إيران تترقب، وترامب يُلوّح بالصفقة. وبين التهديد بالتدمير والدعوة إلى الحوار، يبدو أن الضربة الأخيرة لم تُقصد بها إشعال حرب، بل إعادة تشكيل شروطها. هي ضربة “تمهيدية”، هدفها ليس إسقاط النظام، بل جره – أو دفعه – نحو تسوية يُراد لها أن تُكتب بأيدٍ خارج طهران.
اضف تعليق