تجدد الحديث عن دور حزب الله بشكل مباشر في العراق مع تزايد سياسية العقوبات الأميركية تجاه الحزب وأذرعه الممتدة هناك والتي تكشف عن رغبة واشنطن في تقليم أظافر طهران عبر الضغط على حزب الله ، والذي يعد القوة الضاربة لإيران بالمنطقة.
رباعي “حزب الله” في العراق شكل الحلقة الأولى ضمن المجموعة المستهدفة بسلسة العقوبات الأميركية وتقوم بأنشطة عملياتية واستخباراتية ومالية هناك ,حيث أعلنت وزارة الخزانة فى 13 نوفمبر الماضي ، فرض عقوبات على خلية تابعة لحزب الله، والحرس الثوري الإيراني، تتكون من 4 إرهابيين، على قوائم دعم الإرهاب.وشمل القرار، محسن عبيد الزيدي، ويوسف هاشم، وعدنان حسين كوثراني، ومحمد عبد الهادي فرحات، لتقديمهم دعمًا لأعمال الإرهاب
قائمة العقوبات الأميركية ضد حزب الله في العراق كان آخرها في 28 نوفمبر الماضي حيث وافق مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون يعاقب حزب الله فرع العراق المدعوم من إيران وحلفائها وكذلك شمل مشروع القانون ميليشيا عصائب أهل الحق التي يرأسها الشيخ قيس الخزعلي والتي فازت بـ19 نائبا في البرلمان العراقي الجديد. وإضافة الى الخزعلي فإن مشروع القانون يفرض عقوبات أيضا على أكرم ألكعبي زعيم ميليشيا حزب الله الذي يخضع منذ مدة للعقوبات الاميركية، ويؤكد متابعون أن مشروع القانون سيشمل لاحقا الميليشيات الأفغانية والباكستانية المدعومة من إيران والتي تقاتل في سوريا الى جانب حزب الله اللبناني دعما لنظام الأسد.
عوامل انتشار حزب الله في العراق تعود بالمقام الأول لطبيعة تكوين الحزب ونشأته والذي تأسس بدعم إيراني كامل إذ لم ينشأ استجابة لمطالب قومية أو محلية بل تنفيذاً لأيدلوجيات طهران في المنطقة وهو الأمر الذي يبدو ساطعاً للعنان وقتل بحثاً وأشارت إليه العديد من الدراسات بل واعترف به القادة الإيرانيين وعلى رأسهم السفير الإيراني في سوريا آنذاك آية الله علي أكبر محتشمي والذي أكد أن الفكرة الأصلية للتنظيم تبلورت في عام 1975 عندما أنشأ آية الله هادي غفاري الفرع الأول لحزب الله في طهران بهدف محاربة الشاه .ومثل بناء حزب الله لبنان التجربة العملية الأولى لتصدير الثورة الإيرانية إلى الجوار الإقليمي،والتي لم تجد فى حركة أمل بغيتها . وقد اكتسب حزب الله بداية الأمر شرعيته المحلية والإقليمية عن طريق غطاء المقاومة العسكرية لكن مع تغير الشرق الأوسط باندلاع نزاعات ليست على علاقة بإسرائيل تغيرت كذلك أولويات حزب الله واتجه على الفور إلى تنفيذ الأجندة الإيرانية والمخطط لها منذ الثمانينات مع اندلاع ما يعرف بـ”ثورات الربيع العربي” حيث استغرق في إنشاء شبكات خاصة سمحت له بالتمدد لاسيما فى المناطق الرخوة مثل العراق وسوريا واليمن .
لكن توغل حزب الله في مفاصل العراق يرجع لفترة أبعد نسبياً ، إذ شكل عام 2003 اللبنة الأولى للوجود الفعلي للحزب داخل الحدود العراقية ، حيث أُرسل القيادي في الحزب عماد مغنية الى محافظة البصرة، وذلك على الرغم من مساعيه السابقة لنشر أفكاره في العراق قبل هذا التاريخ وذلك عبر دعمه للعديد من المؤسسات الحزبية والتي أسهمت بشكل مباشر في تنامى نفوذه في عراق ما بعد 2003على شكل “كتائب حزب الله”، التي حاربت ضد القوات الأمريكية وقوات الائتلاف في خلال الصراع الطائفي في العراق في 2007، والتي تملك نسخة مطابقة تقريبًا لشعار “حزب الله” على العلم. وكان أحد قادة المجموعة، أبو مهدي المهندس، مستشارًا سابقًا لـ”فيلق القدس” الإيراني، وتلقى علنًا التدريب والتمويل من “فيلق القدس” و”حزب الله” اللبناني، وعمل مع “حرس الثورة الإسلامية” في خلال الحرب العراقية-الإيرانية
الشواهد على تمدد حزب الله فى كافة المحافظات العراقية تتجلى في امتلاكه سلسلة ضخمة من المؤسسات المالية فقد أُسس شركات كبيرة في قطاع الفنادق والمطاعم السياحية ومكاتب الاستيفاء الجمركي، التي تعمل لصالح الحكومة لقاء رسوم مالية تبلغ واحدًا في المائة. وقد بدأت تلك الاستثمارات فى عام 2006 في بغداد ومدن عدة جنوب البلاد، خلال الفترة التى تولى بها نوري المالكي رئاسة الوزراء ,فقد فتح الباب على مصراعيه لرجال الأعمال اللبنانيين المرتبطين بمليشيا حزب الله جعلته يملك ما يمكن اعتباره سلطة مطلقة النفوذ، ومنحهم فرصًا استثمارية كبيرة. وغالبا ما يجرى ذلك تحت ستار من السرية والكتمان لتفادى شمولهم بالعقوبات الأميركية حيث يعمد الحزب إلى اختيار أسماء فوق مستوى الشبهات يتم إسناد المشاريع إليهم ومن ثم تنقل ملكيتها لاحقاً إلى أشخاص آخرين فى سلسة معقدة يصعب تتبعها , وهي بالمناسبة إحدى آليات إيران فى الالتفاف على العقوبات . وقد تمكنت تلك الشركات من الحصول على عقود استثمار وتنمية ضمن خطة بغداد 2016، شملت مشاريع إعمار وعقود تجهيز دوائر ومؤسسات وتراخيص في القطاع السياحي في البلاد، فضلاً عن عقود تجهيز مواد غذائية تابعة لوزارة التجارة العراقية، بأكثر من 312 مليون دولار.
وعلى الرغم من عدم وجود أرقام محددة حول تلك الاستثمارات غير أن واقع الإجراءات الأميركية كشف فى فبراير الماضي حجم الارتباط الشبكي مع حزب الله وفرضت واشنطن عقوبات على 6 أفراد و7 شركات مرتبطة برجل الأعمال اللبناني أدهم طباجة الذي يعد الممول الرئيسي لمليشيا حزب الله ويملك معظم أسهم شركة مجموعة الإنماء للأعمال السياحية التي تُعنى بقطاع العقارات والبناء في لبنان، ولها فروع كشركة الإنماء للهندسة والمقاولات التي تنشط في لبنان والعراق، وشركة الإنماء للتسلية والترفيه.كما يرتبط بعلاقات مباشرة مع كبار العناصر التنظيميين في مليشيا حزب الله، بما في ذلك الذراع التنفيذية للحزب، وكما يوجد باسمه ممتلكات على الأراضي اللبنانية نيابة عن الحزب.و استخدم طباجة فروع شركة الإنماء للهندسة والمقاولات في العراق للحصول على مستلزمات مشاريع نفطية وتنموية؛ بهدف تقديم المزيد من الدعم المالي والتنظيمي للحزب.
التواجد المسلح على جبهات القتال ملمح آخر من علامات التمدد إذ أن للحزب دوراً في تدريب الميليشيات في العراق، والذي واتضح الأمر من خلال انخراط مستشارين وفصائل مسلحة في ميليشيات عراقية، منها: ميليشيات “الحشد الشعبي والتى يعمل حزب الله على أن تكون نسخة كربونية منه أيديولوجيًّا وأمنيًّا وسياسيًّا وأكد قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في تصريحات سابقة أن قوات الحشد الشعبي تحولت الى “جيش حزب الله” بعد التحاق الحشد الشعبي بالجيش العراقي
انخراط حزب الله في محاولات رأب الصدع بين مكونات البيت الشيعي عقب الانتخابات العراقية الأخيرة تعكس مدى توغله في الحياة السياسية العراقية وقد أشارت تقارير عن زيارة مسئول الملف العراقي في حزب الله اللبناني محمد كوثراني،للعراق فى مايو الماضي بهدف لملمة المعسكر الشيعي وأجرى اتصالات مع قادة القوى السياسية الشيعية في العراق لحثهم على ضرورة تشكيل تحالف موحد يضم جميع هذه القوى للعمل على إفراز حكومة قوية تضم شخصيات وطنية.ويعد كوثراني صاحب نفوذ واسع على أحزاب السلطة والميليشيات الشيعية في العراق، وسبق له أن لعب دورا كبيرا في جمع شتات البيت الشيعي الذي كاد أن يتهاوى في نهاية أغسطس 2014 عندما أخفق زعيم حزب الدعوة نوري المالكي في نيل الولاية الثالثة.
تأثيرات حزب الله تمتد كذلك إلى الصعيد الإعلامي حيث يمتلك الحزب أكبر مقر لفضائية عراقية، هو مقر قناة الاتجاه الفضائية، الواقع في حي العرصات، فضلاً عن وكالتين إخباريتين، هما الاتجاه برس والمعلومة، بالإضافة إلى مركزي بحوث وتدريب إعلامي ضمن النادي اللبناني في بغداد.
وعلى الرغم من ذهاب البعض إلى أن العقوبات الأميركية في ثوبها الكلاسيكي لن تحقق أهدافها المنشودة لاسيما وأنها تركز على الأذرع المالية والتي من المرجح أن يعمد الحزب إلى الالتفاف عليها عبر تأسيس شبكات ومؤسسات بديلة وبأسماء لا غبار عليها يمكنها التعامل مع القوى السياسية وثيقة الصلة بالحزب غير أن ارتدادات العقوبات الأميركية سواء على الحزب أو إيران ظهرت بشكل جلي في تشكيل الحكومة اللبنانية حيث عمد “حزب الله” إلى تغيير تكتيكاته. وبات يعمل جاهدًا الآن لضم حلفائه السُنّة مما يتيح له التحكم بشكل أوسع فى مالية الحكومة وذلك تحسباً لتراجع الدعم المالي من إيران وجراء فرض عقوبات على أذرعه المالية .فضلاً عن أن إصرار الحزب على استلام حقيبة الصحة يؤشر إلى عجزه عن تغطية نفقات الرعاية الصحية الخاصة بها , ناهيك عن إغلاق بعض مقراته والبحث عن مكاتب أصغر لتخفيض نفقاته ,مما يعنى تزايد الضغوط عليه بشكل جعله يدفع نحو تشكيل حكومة مؤيدة لـ”حزب الله” تعيق تنفيذ العقوبات أو تنفيذ التدقيق المفروض على المنظمات المستهدفة.
اضف تعليق