محاولات مضطربة وغير مدروسة يتوسل من خلالها نظام الملالي الطرائق والحيل لاستباق الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية والتي من المنتظر دخولها حيز التنفيذ في 4 نوفمبر المقبل ، وذلك بهدف تقليص تداعياتها لاسيما وأن الحكومة أخفقت في احتواء الأزمات الاقتصادية التي نجمت عن المجموعة الأولى .
الإجراء الأميركي المرتقب سوف يفضى إلى تعميق حدة الأزمة الاقتصادية الداخلية خاصة وأنها سوف تطال قطاع الصادرات النفطية والذي يعتمد عليه الاقتصاد الإيراني بشكل أساسي حيث يشكل ما يقترب من نصف إيراداتها، ونسبة تتراوح ما بين 60- 70% من الصادرات. لذلك عملت إيران على مراجعة علاقاتها مع بعض دول الجوار مثل باكستان وتركيا ودول بحر قزوين بشكل يؤشر إلى أنها تسعى لخلق شراكات جديدة تستبق من خلالها الخطوة الأميركية .
جسور التقارب التي تعمد إيران إلى مدها مع دول الجوار يمكن رصدها من خلال عدة مؤشرات حيث اتجهت ، إلى رفع مستوى علاقاتها مع قطر ، وزيادة التبادل التجاري والنشاط السياسي، والتي كانت قد بدأت بفتح قنوات تواصل عملياً معهما، منذ المقاطعة الخليجية، العام 2017.
خطوط التماس مع باكستان منحتها الفرصة لخلق مساحة من التفاهم مع رئيس الوزراء الجديد إذ تؤشر تحركات السياسة الخارجة لطهران إلى أنها دعمت وصول عمر خان إلى رئاسة الحكومة وكانت أولى الدول المرحبة به ,فقد سارعت إلى إجراء مباحثات مع خان والمسئولين هناك عبر زيارة وزير الخارجية محمد جواد ظريف لـ” إسلام أباد ” ولعل اللافت في تلك المحادثات أنها تركزت بشكل رئيسي على قضايا تتعلق بتقليص تداعيات العقوبات الأمريكية كالتعاملات المصرفية ومشروعات نقل الطاقة من إيران إلى باكستان فضلاً عن جهود تطوير الموانئ على غرار تشابهار وغوادار، هذا إلى جانب الملف الأمني.
التقارب الواضح بين خان وإيران، تجلى أيضاً في مباركة القيادي البارز في ميليشيات الحوثي، بفوز حزب حركة الإنصاف بأكبر نسبة من أصوات الباكستانيين في الانتخابات العامة التي أجريت مؤخرًا.حيث كتب رئيس اللجنة الثورية العليا، محمد علي الحوثي، في تغريدة على “تويتر”: “نُبارك للشعب الباكستاني نجاح عرسه الديمقراطي، كما نبارك للدكتور عمران خان بفوز لائحته التي تحمل برنامج كسب ثقة شعبه”.
التفاهمات المتزايدة بين أنقرة وطهران اتضحت من خلال مساندة الأولى لمواجهة العقوبات الأميركية ومطالبة إيران الولايات المتحدة بـ”وقف إدمانها للحظر”. حيث اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف نشوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فرض المشاكل الاقتصادية على حليفتها في الناتو تركيا، أمراً یبعث على الخجل, وفي تغريدة له على “تويتر” ف 11 أغسطس الماضي وبالتزامن مع العقوبات على أنقرة حذّر ظريف، الرئيس الأميركي، بأنه إن لم يقلع عن إدمانه على فرض الحظر والغطرسة فان العالم كله سيتوحد ضد واشنطن لإرغامها على ذلك. كما قام الوزير الإيراني ظريف بزيارة أنقرة وعقد اجتماعًا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو، في 29 أغسطس الفائت، قبيل القمة الثلاثية التي سوف تجمع أردوغان مع الرئيسين الإيراني حسن روحاني والروسي فيلاديمير بوتين في إيران في 7 سبتمبر الجاري. الأمر الذي انعكس على موقف الرئيس روحاني خلال القمة حيث اتخذ موقفاً محايداً من التراشق الروسي التركي .
دوائر الحركة الإيرانية لامست المياه الدافئة لبحر قزوين حيث أظهرت خلالها القمة الخماسية المنعقدة فى كازاخستان في 12 أغسطس الماضي , مرونة غير متوقعة وهى التي سبق وعارضت طيلة 22 عاما حتى النسخ الأضعف نصاً من الاتفاق الأخير المشار إليه, ووصلت المفاوضات إلى طريق مسدود في عهد الرئيس هاشمي رافسنجاني والذي كان الكرملين به أكثر تساهلاً عما هو الأمر الآن تحت رئاسة فلاديمير بوتين . فروض الولاء والطاعة التي قدمها المرشد الأعلى للرئيس الروسي عبر تمرير الاتفاقية تعود بالمقام الأول لحالة الضعف العام التي تعترى النظام الإيراني في الفترة الراهنة لاسيما مع ترقب دخول الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ ولعل هذا ما يفسر تصريحات المعارضة التي رأت أن النظام قدم قربان الطاعة لموسكو , حيث اعتبر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” الذي تقوده منظمة “مجاهدي خلق” أن اتفاقية بحر قزوين “تنازلاً من النظام للحفاظ على بقائه في السلطة”. كما وصف أبو الحسن بني صدر، أول رئيس إيراني بعد الثورة، في رسالة نشرت على حسابه على “تويتر” توقيع النظام الإيراني على اتفاقية دول بحر قزوين بأنها “دفع فدية لروسيا”.
إذ أن تطلعات إيران إلى علاقات أكثر دفئاً مع روسيا قد يكون أحد دوافعها لقبول الاتفاق في ظل سياج العزلة الدولية الذي أعقب انسحاب الشركات الغربية تحت ضغوط من واشنطن وكثفت الحكومتان المحادثات في الأشهر الأخيرة بشأن السماح لشركات النفط والغاز الروسية بتطوير حقول في إيران. وأشارت موسكو أيضا إلى صفقات محتملة لمجموعات الطاقة الروسية لتتاجر بالنفط الإيراني مقابل شراء المزيد من السلع والخدمات الروسية من جانب جارتها الجنوبية.لكن هذا لا ينفى أن موسكو حققت انتصار نجحت بمقتضاه في منع أي محاولات لتخفيف نفوذها في بحر قزوين
لكن ثمة عقبات تلوح في الأفق قد تقوض فى مجملها المساعي الإيرانية الراهنة لجذب مواقف عدد من القوى الإقليمية إليها،خاصة وأن هذه الدول لن تضحي بشبكة مصالحها مع واشنطن من أجل عيون الملالى ودائرة علاقتها المحدودة معهم مما يعنى أن شتى التحركات من جانب نظام طهران لتفادي تأثير العقوبات سوف يضطرها بنهاية المطاف إلى الاستسلام والإذعان للشروط الأمريكية.
فالرهان الإيراني عل دعم عمران خان يبدو من الوهلة الأولى خاسراً إذ لا يمكن التعويل على الاعتبارات الداخلية التي كانت تدفع رئيس الوزراء المنتخب إلى إطلاق تصريحات معادية لواشنطن وحلفائها من محور الاعتدال ، لاسيما وأن أن موقعه الجديد بالسلطة سوف يفرض عليه تفاهمات جديدة ، لذا فإن العلاقة مع طهران لم تعد خياراً مطروحاً أمام رئيس الوزراء الجديد ولاسيما مع إمكانية تعرض الحكومة الباكستانية لضغوط أمريكية قوية حال انحيازها لإيران أو المضي قدماً فى تنفيذ مشروعات نقل النفط أو التعاملات المصرفية .فضلاً عن التحديات الاقتصادية التى تواجه عمان خان وحالة التجاذب بين إسلام أباد وواشنطن حول التطورات الأمنية والسياسية في أفغانستان.
انحراف ” خان ” بعيداً عن إيران يتضح من خلال ميوله المبكرة نحو السعودية والتي سبق وخصها بالحديث في خطاب النصر حيث قال إن: “المملكة العربية السعودية هي صديق لنا، ولطالما وقفت إلى جانبنا في الأوقات العصيبة”.كما يتجلى في اختيارها كوجهة أولى فى جولاته الخارجية , فبحسب تقارير لوسائل إعلام توجه رئيس الوزراء الباكستاني الجديد عمران خان إلى العاصمة السعودية الرياض، يوم الثلاثاء ا، في أول زيارة خارجية منذُ تولّيه منصبه. وأعلنت وزارة الخارجية أن الزيارة تأتي تلبية لدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.وتابعت في بيان أن “رئيس الوزراء سيقوم بزيارة صاحب الجلالة الملك سلمان وسيعقد اجتماعًا ثنائيًا مع ولي العهد
وعلى الرغم من أن الزيارة تأتى في وقت تواجه باكستان أزمة في ميزان المدفوعات وتسعى إسلام أباد من خلالها إلى الحصول على قروض بمليارات الدولارات من السعودية تخرجها من الأزمة الاقتصادية وتجنّبها العودة إلى صندوق النقد الدولي.غير أنها في كل الأحوال تكشف توجهات السياسة الخارجية لـ”عمران خان ” فى المرحلة المقبلة والتي قد تجهض المساعي الإيرانية للتقارب مع باكستان
تحركات طهران لاستثمار التوتر المتصاعد بين أنقرة وواشنطن قد يذهب أدراج الرياح , صحيح أن حبال الود بينها متصلة على الصعيد الاقتصادي غير أن الخلافات المتزايدة حول الموقف في إدلب قد تنذر بإنهاء حالة الوفاق , فالصلات التركية الإيرانية أسيرة مصالح تتناقض وتتنافس على حصد المكاسب والولايات المتحدة بدأت تُظهر للأولى مؤشرات عن رغبتها بالتعاون معها في سوريا، وذلك تحديداً عبر تعيين جيمس جيفري كمبعوث عن الخارجية الأمريكية إلى سوريا، والذي يرى أن الخلافات بين تركيا وبلده قابلة للمساومة، فضلاً عن مواقفه الإيجابية بالنسبة لتركيا فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية و منبج ووحدات حماية الشعب.
عاصفة الانتقادات الواسعة التي اجتاحت الأروقة السياسية للملالي عقب توقيع اتفاق بحر قزوين قد تحد هى الأخرى من قدرة الرئيس روحانى على استغلالها في تقارب أمثل مع دول الجوار بما فيهم روسيا حيث اتهم تيار الصقور الرئيس حسن روحاني بالتنازل عن جزء من حصة إيران لصالح روسيا بموافقة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. إذ أن الاتفاقية التي وقعت بإشراف ومباركة من المرشد مثلت ظرفاً مناسباً لجناح الصقور لتجديد مطالبهم برحيل الرئيس الإيراني وتنحيه عن منصبه على الرغم أنه قبيل انعقاد القمة في مرفأ ” أكتاو ” الذي شهد التوقيع على الاتفاقية، كشفت دوائر مقربة من روحاني أنه لم يكن متحمساً لتوقيع الاتفاقية وأنه تعرض لضغوط شديدة من قبل شخصية نافذة على قمة هرم السلطة في طهران فى إشارة ساطعة للمرشد الأعلى والذي يبدو أنه أعطى الرئيس ضوءاً أخضر لتمرير الاتفاق لكن حالة الجدل التى أثارتها دفعت الحكومة إلى تهدئة الرأي العام عبر التأكيد على أن المباحثات التي أجريت لم تتناول قضية تقسيم ثروات بحر قزوين.
لا يبدو أن انخراط إيران لمد حبال الود مع دول الجوار سوف يؤتى ثماره بشكل يعزز من قدرتها على احتواء تداعيات الحظر الأميركي لاسيما مع انتباه واشنطن لطبيعة الآليات المستخدمة من جانب طهران والتى تبنتها من قبل بالمرحلة التي سبقت توقيع الاتفاق النووي .
اضف تعليق