“إيران سقطت في بئر يوسف لكن قافلة العزيز لن تمر “هكذا يبدو نظام طهران فى وضع أقرب للانتحار السياسي عقب قذائف التهديد التي أطلقها للمرة الألف بشأن إغلاق مضيق هرمز وبالرغم من الشكوك حول قدرة واستعداد طهران لإدخالها حيز التنفيذ.على تحقيق ذلك غير أن خطورتها تكمن فى أنها تتزامن مع موجة تصعيد غير مسبوقة قد تعجل من نهاية الملالي أو تضع المنطقة على شفا حرب جارفة .
التهديد الضمني الذي أطلقه الرئيس الإيراني حسن روحانى خلال لقائه مع جالية بلاده في سويسرا وقال فيه إن «منع إيران من تصدير النفط يعني أن كافة دول المنطقة ستكف عن بيع النفط»،و تم تفسيره بأن إيران ستغلق مضيق هرمز أمام مرور النفط الإقليمي. استتبعته جملة من المعارك الكلامية من القوى الإيرانية المؤيدة خاصة الحرس الثوري، والخارجية المنددة والرافضة والتي كان أبرزها كان التصريح الأمريكي بالتزام البحرية الأمريكية بحماية ممرات الملاحة من وإلى الخليج العربي.
تلويح روحانى قوبل بموجة عارمة من التصريحات الاستعراضية المؤيدة إذ تلقفه قادة من الحرس الثوري الإيراني بالإعلان عن جاهزيته وقدرته على تنفيذ التهديدات ،وعبر قاسم سليماني عن دعمه لروحاني قائلاً: «إننا في خدمتك»، مشيراً إلى أن قواته مستعدة لتطبيق سياسة تعرقل الصادرات الإقليمية. وبينما أعرب محمد علي جعفري عن استعداد قواته لإغلاق مضيق هرمز بقوله “نأمل أن تنفذ هذه الخطة التي تحدث عنها رئيسنا إذا اقتضت الضرورة… سنجعل العدو يدرك أنه إما أن يستخدم الجميع مضيق هرمز أو لا أحد (سيستخدمه), هدد “إسماعيل كوثري”، القيادي بالحرس الثوري الإيراني، بمنع مرور شحنات النفط عبر مضيق هرمز إذا حظرت واشنطن صادرات بلاده منه.
الضجيج الإيراني بورقة “هرمز ” أحد أساليب المراهقة السياسية ويؤشر إلى حالة الخوف والهلع التى يعيشها نظامه فضلاُ عن التخبط بفعل انهيار العملة المحليّة، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية الإيرانية على خلفية الأزمات الاقتصادية متعددة المظاهر بعد موجات غلاء الأسعار . كما أنه يبعث بعدة رسائل اتجاه التصعيد الأمريكي مفادها إظهار تماسك ووحدة النظام الإيراني بجناحيه الإصلاحي والمتشدد إزاء الضغوط الدولية بالرغم من تحميل التيار المحافظ للإصلاحيين بقيادة روحانى أوزار وخطايا الاتفاق النووي مع إدارة أوباما . كما تهدف إلى إخماد النيران المشتعلة بالداخل ورأب صدع الانقسامات ،من خلال الإيحاء بأن إيران على وشك مواجهة عسكرية مع الأعداء، ما يستوجب تلاحم الشعب مع القيادة، ومنع الفرقة ووقف التظاهرات والاحتجاجات الشعب.
أبرز الإشارات التي حملها تهديد روحانى تتعلق بالولايات المتحدة حيث حاول النظام الإيراني التأكيد على أنه لديه بدائل عدة لمواجهة العقوبات الأمريكية ومن بينها أسعار النفط عبر التصعيد في مضيق هرمز , وبالرغم من إدراك الإيرانيين أن إغلاق الممر النفطي لا يتعدى كونه مجرد حديث افتراضي ليس من السهل تنفيذه لاسيما وأنهم أول المتضررين غير أنه يحمل دعوة مبطنة للإدارة الأمريكية للجلوس على طاولة المفاوضات ومناقشة القضايا الخلافية بما تتضمنه من ملفات حول دور إيران ومنظومة الأسلحة النووية والبالستية
الهدوء النسبي وسياسة ضبط النفس التي اتسم بها رد الفعل الأمريكي متمثلاً فى تعهد الجيش الأميركي بالحفاظ على حرية الملاحة لناقلات النفط في الخليج العربي والتدفق الحر للبضائع حيثما يتيح القانون الدولي يمكن قراءته من زاويتين الأولى عمق إدراك الولايات المتحدة بأن التهديدات الإيرانية غبر قابلة للتنفيذ بحكم ميزان القوى العسكرية والذي يميل بطبيعة الحال نحو الأسطول الأمريكي المرابط فى الخليج . كما أن الولايات المتحدة قد تعمد إلى استثمار تلك التصريحات المتهورة بما يؤشر إلى أن نظام طهران يمثل تهديداً مباشراً للسلم العالمي وحرية الملاحة الدولية الأمر الذي من شأنه تشكيل تحالف ضد إيران وإعطاء أمريكا ضوءاً أخضر لمزيد من التصعيد وربما المواجهة الكاملة .
التخرصات الإيرانية لاتسمن ولا تغنى من جوع حيث أن تكلفة وصعوبات إغلاق مضيق هرمزلا قبل للملالي بها على الصعيد السياسي والتكتيكي , إذ يعني ذلك خسارة طهران لدول حليفة وفى مقدمتها الصين وكوريا الجنوبية، والتي تتجه 58% من شحنات النفط العابرة للمضيق إليها أى أن المتضرر من عملية الإغلاق الدول لدول الآسيوية والأوروبية وليس أميركا وإسرائيل التي تقول إيران أنها في مواجهتها،فضلاً عن أن صادرات الغاز القطرية تمر خلاله وبالتالي ستخسر إيران حليفها في الدوحة .
كما أن التهديد مجرد ورقة قديمة على طاولة الملالى فبالرغم من أنه تكرر أكثر من مرة ووصل إلى أن تحول إلى مشروع قانون في مجلس الشورى يهدد بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط، غير أنها لم تستطع ترجمته إلى تحرك على الأرض حتى فى ظل احتضار النظام يحتضر أثناء تشديد العقوبات من عام 2011حتى 2016.
الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني كان أول من هدد بإغلاق بلاده مضيق هرمز، عندما كان رئيساً للبرلمان عام 1983، خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). وفي عام 2011، أعلن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد عزم بلاده إغلاق مضيق هرمز، رداً على إعلان الولايات المتحدة عزمها فرض عقوبات على بيع النفط الإيراني. عقب ذلك، أطلقت إيران تدريبات عسكرية في المضيق، تحت شعار “تدريبات إغلاق مضيق هرمز”، حسبما أعلن، حينها، نائب رئيس الحرس الثوري علي أشرف نوري. وصرح آنذاك وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا، عام 2012، قائلاً: “لن نسمح لإيران بإغلاق مضيق هرمز أمام مرور النفط، ويعتبر هذا الأمر خطاً أحمر بالنسبة للولايات المتحدة”.
وإذا افترضنا أن إيران نجحت بالفعل في إغلاقه فالأمر لن يستمر لفترة طويلة لاسيما مع وجود انتشار قواعد البحرية الأمريكية والتي ستتولى مهمة فتحه بالقوة , وطهران انكشفت عسكريا فى مواجهاتها مع إسرائيل بما يعنى أنها ستخسر المعركة لا محالة ,كما أن الخطوة غير المحسوبة قد تعرضها لمخاطر تحرك أمريكى لضرب المفاعلات النووية .
لكن إيران قد تقدم على إغلاق المضيق عبر برامج ومخططات تخريبية ، تجنبها مواجهة عسكرية إذ يكفي لإغلاق المضيق إغراق باخرة نفطية إيرانية أو توجيهها للاصطدام بالصخور في قلب المضيق لتجميد صادرات ثلث نفط العالم لشهور أو سنوات. وربما يعمد الحرس الثوري إلى تلغيم الممر النفطي واستهداف البوارج الأميركية من خلال عمليات تفجيرية وهجمات إرهابية تقوم بها مليشياتها وهو ما ستحمله إيران إلى جهات معادية للولايات المتحدة أو مناهضة لها تسعى لتوريطها.
إيران تطلق النار على نفسها إذ أن إغلاق هرمز ربما يشعل شرارة الحرب ويكون ذريعة ومبررا لتغيير النظام الحالي نفسه , فهناك شبه إجماع على أن إغلاق المضيق، أو تهديد حركة الملاحة فيه سيضع طهران قيد المواجهة والتي قد تكون الأخيرة , فمعركة النفط هى قطع أعناق, إلا إذا كان الملالي يخططون لاستدراج الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري ضدهم ،يحسبون انه خيارهم الأمثل لاستعجال التفاوض









اضف تعليق