الرئيسية » تقارير ودراسات » صعود “الصدر” ..هل يسمح بمزيد من التقارب بين بغداد وموسكو؟
تقارير ودراسات رئيسى

صعود “الصدر” ..هل يسمح بمزيد من التقارب بين بغداد وموسكو؟

تؤشر البراغماتية  والحنكة  التي يحظى مقتدى الصدر بقدر كبير منها وينتهجها في سياسته داخل العراق إلى أن العلاقات الروسية سوف تستمر مع تشكيل الحكومة الجديدة وربما  تتوطد لتكون في أفضل حالاتها

شريك موسكو المرتقب  ليس سهلاً  فهو متقلب المواقف وقد يصبح أعداء اليوم غدا أصدقاء لذلك فإن  السياسات التي من الممكن أن يتبعها التيار الصدري تجاه موسكو بعد تولّى الحكومة العراقية المقبلة محل اهتمام من الجانب الروسي  والذي يدرك جيداً  ضرورة فتح قنوات اتصال مع الصدر في المرحلة الراهنة  انطلاقاً من قاعدة الاعتراف بموقعه في البلاد اليوم، حيث بات قادراً على التأثير في مجريات القرار العراقي .التوجه الروسي تجلى فى الحرص على التعليق على نتائج الانتخابات الأخيرة حيث أكدت موسكو استعدادها  للاستمرار في منح العراق الدعم الفعليّ لمقاومة الإرهاب الدوليّ، والمساهمة بشكل خاصّ في استمرار التعاون الروسيّ العراقيّ المتعدّد الجوانب”.

وصول الصدر  يشكل فرصة لروسيا إذ أن علاقاته متدهورة مع  الأمريكيين وهم غير مرتاحين لوصول الصدر وقد وضعهم تصدر تحالف سائرون في وقف محرج حيث حملت مليشيا ما يُعرف بـ “جيش المهدي” التابع للصدر السلاح ضد القوات الأمريكية بعد الإطاحة بصدام حسين، في 2003، فضلاً عن أن الإيرانيين لديهم تحفظات في الوقت الراهن عليه  الأمر الذي قد يدفع الجانبين إلى العمل معاً معا لإبعاد الصدر عن مركز القرار الرئيسي من خلال التحالفات لذا قد يميل بشكل أكبر نحو الجانب الروسي  لاسيما مع وجود بعض اليساريين داخل تياره  فقد أفضت تحالفات المصلحة الجديدة، مثل التكتل الصدري-الشيوعي الأخير، وصول الصدر إلى مجتمعات خارج قاعدته التقليدية وبوصف الاثنين (الصدر وموسكو) منافسًا أساسيًا لواشنطن في المنطقة فإن ذلك قد يشكل نقطة انطلاق نحو مزيد من التقارب .

موسكو لن تكتفي بالنظر فقط إلى عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة دون أن يقترن ذلك بتحرك على الأرض ,و بيان الصدر حول ضرورة إيجاد علاقات فعلية مع اللاعبين على الساحة السياسية في العراق، قد  يهيئ  لروسيا تربة خصبة يمكن أن  تعمل فيها على تطوير العلاقات والتعاون مع تحالف الصدر والذي بات يشكل قوة لا يستهان بها  فى تشكيل الحكومة والمشهد العراقي برمته لذلك فإن تعميق العلاقات من وجهة نظر موسكو قد يتطلب تنشيط العناصر العلمانية داخل التحالف والتي يمكن التعويل عليها فى إحداث أثر إيجابي على المشهد السياسي الداخلي فى العراق. وتفعيل  الحضور الروسي في عملية التعدد والذي سيكون مثمراً لاسيما وأن الصدر حتى هذه اللحظة لا يتمتع بعلاقات حسنة مع الروس .

التعاون الروسي مع العراق فى المسائل العسكرية والفنية قد يشكل أرضية مشتركة ,تسمح لموسكو بأن تكون شريكاً مؤثراً  والتصريحات تكشف عن صحة تلك الفرضية أو ربما التوجه  حيث قال  مدير مكتب الصدر إبراهيم الجعفري، الشهر الماضي، إن بلاده تسعى إلى تعزيز قدراتها الدفاعية وقواتها التنفيذية فى مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، رغم أنه أكد عدم السماح لأية دولة بالتدخل فى الشئون الداخلية للعراق. كما أثنى رئيس لجنة الدفاع والأمن فى البرلمان العراقي، حكيم الزميلي، والذي يرتبط  مع الصدر بعلاقات وثيقة ، على الجهود الروسية فى التصدي لتنظيم “داعش” الإرهابي .

وفى فبراير أدلى الزمليى بتصريح آخر استرعى انتباه الدول النافذة في العراق ومن بينها الولايات المتحدة حين تحدث عن حقّ العراق “في امتلاك أسلحة متطوّرة من أجل الدفاع عن أراضيه ومجاله الجويّ ضدّ الهجمات الجويّة” في وجه استخدام داعش المحتمل للطائرات من أجل تنفيذ هجمات على الأماكن المقدّسة،و قال نصاً : “يعتزم العراق امتلاك منظومة مثل “أس-400″ للدفاع عن الأرض والأماكن المقدّسة والمجال الجويّ. ونحن جديون بشأن ذلك”.وقال مدير مكتب الصدر، إبراهيم الجابري، لوكالة الأنباء الروسيّة “ريا” في 15 أيار/مايو: “سوف نسعى إلى تعزيز القدرات الدفاعيّة وإنفاذ القانون في بلدنا من أجل حمايته من المخاطر الخارجيّة والداخليّة”.المعطيات السابقة تدفع إلى الاعتقاد  بأن الحكومة العراقية المقلبة والتي سيغدو ائتلاف الصدر أحد دعائمها الرئيسية  من المستبعد أن تتخلّى عن فكرة شراء الأسلحة الروسيّة وتلقّي الدعم من أجل تطوير الحقول النفطيّة وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار.

 

المهمة الشائكة المتمثلة فى ملف إعادة الإعمار ستجعل من موسكو لاعباً رئيسياً  بالساحة العراقية لاسيما وأن أي حكومة مقبلة ستضع هذا الملف  نصب أعينها و يتطلع العراق إلى تعزيز علاقاته بملفي الإعمار والاستثمارات والذي من الممكن  أن تنخرط به شركات روسية في قطاعات الطاقة والنقل والكهرباء والصناعة والسكن وقطاعات أساسية أخرى، والقطاعات المتعلقة بمجال الموارد المائية العراقية، وبجانب من الخدمات الأخرى، فضلاً عن شركات النفط الروسية والتي تعمل بالفعل على مشروعات عدة شمالي البلاد.

إذ أن بناء قاعدة أصلب من العلاقات يمكن الارتكان به أيضاً على ملف النفط حيث تعمل شركات الطاقة الروسية “غازبروم نفط” و”لوك أويل” على الرواسب النفطيّة الكبرى في العراق فضلاً عن أن شركة روسنفت قد أظهرت مؤشرات على سعيها للاستثمار بعيد المدى فى العراق وذلك عبر إعلانها ,أواخر مايو الماضي, عن اكتشاف شركتها التابعة  “باش نفط إنترناشونال بي في” حقل سلمان  جنوبي غرب العراق . ومع أن الشركة لم تحدد حجم الاحتياطات غير أنها اعتبرته خطوة مهمّة نحو تطوير المراحل الأولى السابقة لإنتاج النفط في الخارج .هذا وتصل الاستثمارات الروسية في هذا المجال إلى 10 بلايين دولار.

طبيعة التحولات على الساحة العالمية والإقليمية أسهمت فى تصاعد العلاقات الروسية العراقية فمع تراجع الدور الأمريكي لاسيما بعد عملية الانسحاب وما ترتب عليها من تداعيات أمنية عدته روسيا فرصة ذهبية يمكن اغتنامها لتعزيز حضورها  فضلاً عن أن رغبة بغداد  في توسيع مساحة تحركاتها  خارجيا جعلها تتجه شكل متزايد نحو موسكو للاستفادة منها عبر ثلاثة  محاور الاستثمارات الروسية في العراق، والتعاون العسكري والتقني بين البلدين، بالإضافة إلى التعاون على الساحة الدولية فيما يتعلق بأهم القضايا الدولية.

ومع احتمال صحة الفروض السابقة تبدو التربة السياسية العراقية  مهيأة  أمام موسكو ليس للحفاظ على المستوى الراهن من العلاقات بل وتوطيدها أيضاً غير أن بعضاً من إشكاليات ذلك تتعلق بالصدر نفسه فإذا كان لتحالفه تأثير قوي في اختيار رئيس الوزراء الجديد فربما يتعيّن على الولايات المتحدة العمل معه لتأمين مصالحها في العراق، وقد كشف ضياء الأسدي، المساعد الكبير للصدر، إنه لا توجد محادثات مباشرة مع الأمريكيين، لكن جرى استخدام وسطاء لفتح قنوات مع أعضاء من تحالف “سائرون” الذي يقوده الزعيم الشيعي.

كما يراهن بعض المراقبين على أن واشنطن قد تحاول استغلال معارضة الصدر القوية لسياسة إيران وتعمد إلى استقطابه وربما يسفر عدم قدرته على مصارعة أكبر الائتلافات المدعومة من إيران مثل فتح بقيادة العامرى إلى إجباره على تغيير مسارات ومحددات استراتيجيته خاصة وأن بعض اللاعبين الآخرين قد يعمدون إلى تقييده وتحجيم دوره  .