الرئيسية » رئيسى » كيف يستطيع اللبنانيون تأمين مستقبل بلادهم؟
الرأي تقارير ودراسات رئيسى

كيف يستطيع اللبنانيون تأمين مستقبل بلادهم؟

حلت هذا الأسبوع الذكرى العشرين لرحيل والدي وليد أبو ظهر مؤسس الوطن العربي. خلال حياته كمالك إعلامي وناشر لبناني، واجه أكثر من ثماني محاولات اغتيال. بدءاً من لبنان، حيث هوجم مكتب صحيفة “المحرر” بالمدفعية الثقيلة، بلغت هذه الهجمات ذروتها بهجوم بسيارة مفخخة على مكاتب “الوطن العربي” في باريس عام 1982. وفي النهاية، كان السرطان هو الذي أودى بحياته في عام 2004، قبل عام واحد من قيام نفس الرعاة الذين استهدفوه بإطلاق العنان لمخطط اغتيال وحشي ومنهجي في جميع أنحاء لبنان، بما في ذلك اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير 2005.

لو كان لي أن أذكر كل الرؤساء ورؤساء الوزراء والسياسيين والصحفيين والمحامين والقضاة والمفكرين الذين وقعوا ضحية قوى الشر هذه في لبنان طوال هذه الفترة، لربما شغلت مساحة هذا المقال بالكامل. هل تغير أي شيء خلال الأربعين سنة الماضية؟ وللأسف، فإن الجواب هو لا. وفي الأسبوع الماضي فقط، تم اختطاف باسكال سليمان، منسق حزب القوات اللبنانية المسيحي في منطقة جبيل، واكتشفت وفاته فيما بعد.

وبحسب الجيش، قُتل في عملية سطو على سيارة على يد أعضاء عصابة سورية، ثم نقلوا جثته عبر الحدود. وفي الجنازة، دفعت التحية والغضب المعزين للتعبير عن شكوكهم في تفسير الجيش. لقد أدى انعدام الأمن والوضع الحالي المروع إلى عدم وضوح الخطوط وجعل عمليات القتل أسهل. علاوة على ذلك، قام حزب الله بترهيب وتآكل كل المؤسسات السيادية.
ودعا وزير الداخلية إلى إجراء تحقيق مفتوح. لكن الواقع للأسف أن وزارة الداخلية، مثلها مثل الجيش، عاجزة عن التحرك، وسيتم دفن هذا التحقيق مثل كل التحقيقات التي سبقته. فهل يستطيع أحد أن يوقف موجة جديدة من الاغتيالات السياسية التي تحدث اليوم؟ مرة أخرى، الجواب هو لا.
هناك شيء واحد واضح في كل مرة توضع فيها التوازنات الإقليمية على المحك: اللبنانيون يدفعون الثمن. عادة يقولون إن السياسي كلما واجه ضغوطا داخلية يبحث عن أزمة دولية ليخرجه منها. وفي لبنان العكس. في كل مرة تواجه المنطقة أزمة، يستهدف النظام السوري أو حزب الله المشهد الداخلي ويضربه بقوة أكبر من أي وقت مضى.

ونحن الآن في واحدة من تلك الدورات الخطيرة. ومع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران ووكلائها، فإن لبنان معرض لخطر الانجرار إلى المواجهة. إنها مرة أخرى رهينة في وضع حيث ترتكز على غير قصد على السياسات العدوانية للنظام الإيراني، والتي تنفذها من خلال حزب الله. ورغم أنني أعتقد أن كلا البلدين يتطلعان إلى تجنب المواجهة الكاملة في عام الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن الأخطاء تحدث. ومع المناوشات المستمرة بين حزب الله وإسرائيل في الجنوب، سوف يستمر أمن لبنان في التدهور، مما يعرض المؤسسة السيادية برمتها لخطر الانهيار.
وقد وضعت الجغرافيا والديموغرافيا لبنان في منتصف هذه الدورات. وعلى الرغم من سعة الحيلة والإبداع لدى شعبها، إلا أنهم لم يتمكنوا من الهروب من هذا المأزق. لكن هناك تغيراً هذه المرة مقارنة بالأزمات السابقة. لقد جرد الوضع الاقتصادي والسياسي الحالي البلاد من رمزيتها الإقليمية. لقد فقدت حالة الطفل المفضلة لديها وهي الآن الحالة المنسية. فهو لم يعد مركز الأزمة ولا أحد يتطلع إلى إنقاذ لبنان لأنه تم إنقاذه مرات عديدة بالفعل.

كم عدد المبادرات الدولية وخطط الدعم المالي وغيرها التي قدمت للبنان، فضاعت بالكامل؟ وإذا أضفنا إلى جشع وحماية مخطط بونزي في القطاع المصرفي، فإننا نصل إلى مستوى الاشمئزاز.

باختصار، لن يأتي أحد لنجدة لبنان هذه المرة. لقد حان الوقت لينقذ اللبنانيون أنفسهم. قد أبدو وكأنني أردد أسطوانة مكسورة، ولكن السبيل الوحيد للمضي قدماً ــ حتى لو لم يكن ضماناً للنجاح ــ هو الفيدرالية. كلما توجهنا إلى المستوى المحلي فيما يتعلق باتخاذ القرار، زادت فرص النجاح. وهذه أيضًا هي الطريقة التي يمكن بها لكل مجتمع أن يحمي نفسه ويعبر عن رأيه، فضلاً عن التحالف مع من يرغب في المنطقة. إن مقتل سليمان، سواء على يد عصابة سورية أم لا، يسلط الضوء على مخاطر استهداف مجتمع معين. وهذا أيضًا جزء من الحلقة المفرغة لسياسة فرق تسد، والتي يمكن أن تؤدي إلى الانفصال.

الآن، صحيح أن هذا الحل لا يغير من هيمنة حزب الله في البلاد أو اختطافه للسياسات الدفاعية والأمنية والخارجية. لكنه يسمح لصوت جديد بالظهور. فهو يسمح للبنانيين بمواصلة الحياة فيما حزب الله يختار الموت. علاوة على ذلك، من الأهمية القصوى في وقت الأزمة هذا تقديم خطة لمستقبل أفضل للبلد الذي هو للبنانيين ولللبنانيين. ولا تحمل أي من الخطط التي أسمعها إمكانية حقيقية للتغيير باستثناء الفيدرالية.

وفي نعي والدي، وصفته  صحيفة «الشرق الأوسط» بلطف بأنه “قارئ التقلبات السياسية”. وحتى عندما كان المرض يسيطر على البلاد، توقع الاضطرابات التي جاءت إلى لبنان في عام 2005. وهكذا، من أجل جميع ضحايا هذه التقلبات الجيوسياسية ومن أجل مستقبل البلاد، دعونا نعمل على ميثاق سياسي واجتماعي جديد يحافظ على لبنان ومحصن من كل هذا: فهو يبدأ بخطة الفيدرالية.

المصدر: عرب نيوز