الرئيسية » تقارير ودراسات » لماذا تخلى “أردوغان ” عن دعم جبهة النصرة ؟
تقارير ودراسات رئيسى

لماذا تخلى “أردوغان ” عن دعم جبهة النصرة ؟

مفاجأة أرودغانية من العيار الثقيل فجرها الرئيس التركي  بإعلان السلطات تَصنيف “هيئة تحرير الشام” (النُّصرة)، التي تسيطر على أكثر  من 60 بالمِئة من مَدينة إدلب وريفها،منظمة إرهابية مما يعنى منح روسيا وحلفائها موافقة ضمنية لشن هجوم على إدلب وإعادتها لقبضة النظام السوري.

إرهاصات فك الارتباط التركي مع الجبهة بدأت  قبل نحو ثلاثة أيام وذلك عندما أعلن الرئيس التركي عزم بلاده القضاء على الإرهاب فى سوريا وإعادة الاستقرار إليها ” محاولاً بذلك مغازلة الجانب الروسي وتجنب تبعات الهجوم الوشيك والتي من أبرزها فتح الحدود التركية أمام مقاتلي الجبهة وتدفق مئات اللاجئين إلى داخل تركيا لذلك قرر الانضمام للمعسكر المقابل لاسيما بعد أن عجز في التوصل إلى حل .ووفقًا لتقارير سابقة، فإن غالبية عناصر الجبهة، التي تسيطر على المساحة الأكبر في محافظة إدلب، رفضت، خلال المفاوضات، الرضوخ للمطالب التركية بحل نفسها تجنبًا لعمل عسكري وشيك تستعد له الحكومة السورية التي قالت على لسان وزير الخارجية وليد المعلم إن الهدف الرئيس من معركة إدلب هو “مسلحو الجبهة”.

إعطاء التحالف الروسي ضوءا أخضر يؤشر إلى أن  الرئيس التركي قد حسم أمره ,وانه اتخذ قراره بالاصطفاف إلى جانب موسكو موجهاً بذلك رسالة إلى حليفه الأمريكي فى حلف الناتو مفادها أن تركيا لن تجازف بإغضاب روسيا وأنه قد بدأ بالفعل البحث عن “أصدقاء وحلفاء جدد” ولعل هذا ما يفسر مواصلة أردوغان اليوم  حملة التصعيد في وجه الإدارة الأميركية وإبراز مؤشرات التحدي, ففي رسالة مبطنة للولايات المتحدة نقلت صحيفة “ميليت” التركية عن أردوغان قوله إن بلاده “ليست مستعدة لطلب الإذن من أي شخص للحصول على أنظمة الدفاع الصاروخي إس 400″، روسية الصنع,   مضيفاً: “أبرمنا اتفاقا مع روسيا من أجل أنظمة إس 400، والبعض يشعر بالقلق من ذلك. أنا آسف، لكننا لن نطلب الإذن من أي شخص”، في رسالة مبطنة إلى الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من الشكوك المحيطة بمدى جدية تركيا فيما يتعلق بالالتزام بالقرار الذي اتخذته حيال الجبهة لاسيما وان البعض يرى أنه مناورة تكتيكية ترمى أنقرة من ورائها إلى كسب المزيد من الوقت وتأجيل المعركة المرتقبة, غير أن أردوغان مضطر في كل الأحوال للتقيد بمحتوى قراره خاصة فى ظل حالة التوتر والتصعيد المستمرة مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبالتالي لن يجد أفضل من معركة إدلب ليبرهن  للرئيس بوتين على صدق توجهاته وجدية تحالفه مع روسيا خاصة في ظل حالة التوتر والتصعيد المستمرة مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والتي  أفضت إلى إحراجه داخلياً وفقدان جزءاً من شعبيته  بسبب انهيار العملة المحلية .

تصنيف الجبهة كمنظمة إرهابية جاء بتنسيق روسي هدفه بالمقام الأول  عزل التنظيم “المتشدد” عن باقي التنظيمات “المعتدلة”، المتحالفة مع تركيا، والتي ستضطر إلى عقد مصالحات مع الدولة السورية بدلًا من خوض “معارك خاسرة  إذ أن إصدار القرار فى هذا التوقيت الحاسم من شأنه أن  يربك صفوف الجبهة وربما يسفر عن انشقاقات بين عناصرها والتي سيبحث بعضها عن طوق نجاة  ويرضى بالتسوية وتسليم أسلحته، وفى حين سيقاتل البعض الأخر بدافع عقائدي إيديولوجي، حتى الرمق الأخير. القرار التركي من شأنه كذلك أن يجعل العمليات العسكرية محدودة وأن يدفع فصائل المعارضة المسلحة “المعتدلة” للدخول في تسويات ومصالحات مماثلة مع الحكومة السورية، وهو ما تفضله كل من  موسكو ودمشق حيث تميلان إلى هذا الخيار المتمثل في “نصر دون حرب”.

استدارة أردوغان  نحو موسكو  وتخليه عن جبهة النصرة لم يكن مستبعداً خاصة لمن يعرفون براجماتية الرئيس التركي وتاريخه الحافل بالمناورات وتبدل المواقف لاسيما إذ ما اتسقت مع مصلحته الشخصية والحزبية  وقد سبق  وأشاح بوجهه بعيداً عن حلب قبل عامين وذلك بالتزامن مع بدء الهجوم الروسي السوري لاستعادتها . وقد أدرك بحنكته السياسية أن موسكو ألقت بكامل ثقلها العسكرى والسياسي فى معركة إدلب حتى لو اضطرها الأمر للدخول فى حرب مع الولايات المتحدة لذلك قلب أردوغان موازينه على الفور وقرر مساندة الدب الروسي وإزاحة جميع العقبات من طريقه طمعاً في مكافأة روسية تتمثل بالحصول على النصيب الأكبر بكعكة إعادة الأعمار  فضلاً عن أنه في المرحلة الراهنة لا يستطيع أن يفك ارتباطه بروسيا سياسيا واقتصادياً إذ أن تركيا التي سبق و أعطت تطمينات للأهالي بحماية أدلب وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال أي هجوم من قبل النظام وحلفائه علي المدينة تدير ظهرها لهم  الآن حماية لمصالحها مع روسيا . لكن هذا لا يمنع  أن موسكو نفسها لا تستطيع شن هجوم على إدلب دون أن يكون أردوغان في جانبه لذلك يميل المحللون إلى أن ثمة صفقة قد أبرمت بين الجانبين سيتم الكشف عنه في الأيام المقبلة .

صحيح أن العلاقات الروسية التركية في أحسن  حالاتها فيما يتعلق بقطاع النفط والطاقة غير أنها على طرفي النقيض بشأن العديد من القضايا ، بدءً من سوريا وإلى أوكرانيا حيث دعم بوتين نظام بشار الأسد بينما ساند أردوغان المعارضة مما وضع  أنقرة مرة أخرى في مواجهة موسكو.وقد بدأت تركيا في الاستماع لبوتين حين أسقطت  طائرة روسية عام 2015 كانت قد انتهكت مجالها الجوي من سوريا،وهددت موسكو حينها  بتسليح حزب العمال الكردستانى وفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة طلبت على إثرها مساعدة حلفائها ومع تخلى حلف الناتو عنها وإعلانه أن تلك المشكلة تخص النظام التركي بمفرده وعليه التعامل معها ,هنا فقط بدأت تميل لمحور روسيا  وحقق بوتين مبتغاه فقد كان هذا ما يريده بالضبط.

انكشاف أنقرة المفجع على التهديد الروسي دفع أردوغان إلى تجنب التصعيد مع موسكو وقد أدرك بوتين ذلك الأمر وعمد إلى استغلاله واستثمار تزايد المشاعر المعادية للغرب في تركيا إثر محاولة الانقلاب الفاشل  وكان أول المتصلين , فالرئيس الروسي كان لديه رغبة حاسمة في إضعاف  حلف “الناتو” و يدرك أن إحدى الوسائل  لتحقيق ذلك تكمن في إضعاف التزام أنقرة تجاه الحلف. وفى سبيل تحقيق ذلك شجع بوتين تركيا على شراء نظام “أس-400”. وخلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة، أعلن الزعيم الروسي أنه سيقدّم تاريخ تسليم النظام بعام واحد من 2020 إلى 2019، عارضاً في الوقت نفسه على الأتراك خيارات تمويل لشراء المنظومة التي تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار.

خطوة أنقرة ,جاءت قبيل القمة الثلاثية المرتقبة بين روسيا وإيران وتركيا في 7 أيلول/سبتمبر الجاري والتي من المرجح أن تنطوي نتائجها على إعلان ساعة الصفر في إدلب  وأن يكون لمواقفها دور هام في نتائج المعركة وانعكاساتها على مُجمل المسارات بما فيها المسار السياسي ورسم خارطة ” سوريا الجديدة الموحدة ” والتي ستضمن ,بلا شك , بقاء نظام الأسد لسنوات .