عاصفة انتقادات واسعة تجتاح الأروقة السياسية للملالى عقب توقيع اتفاق بحر قزوين الأسبوع الماضي حيث اتهم تيار الصقور الرئيس حسن روحاني بالتنازل عن جزء من حصة إيران لصالح روسيا بموافقة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
الاتفاقية التي وقعت بإشراف ومباركة من جانب خامنئي مثلت ظرفاً مناسباً لجناح الصقور لتجديد مطالبهم برحيل الرئيس الإيراني وتنحيه عن منصبه على الرغم أنه قبيل انعقاد القمة في مرفأ ” أكتاو ” الذي شهد التوقيع على الاتفاقية، كشفت دوائر مقربة من روحاني أنه لم يكن متحمساً لتوقيع الاتفاقية وأنه تعرض لضغوط شديدة من قبل شخصية نافذة على قمة هرم السلطة في طهران فى إشارة ساطعة للمرشد الأعلى والذي يبدو أنه أعطى الرئيس ضوءاً أخضر لتمرير الاتفاق , إذ أن روحاني وأي رئيس إيراني آخر لا يملك سلطة اتخاذ قرار حساس والتوقيع على اتفاقية بهذا القدر من الأهمية دون الحصول على إذن المرشد
حملة الاستهجان داخل إيران تضمنت اتهامات بأن ما حدث , بمثابة عملية بيع علنية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين فبينما لم يشمل الاتفاق تحديد مناطق قاع البحر والمياه الإقليمية بين الدول حيث تمت إحالتها لاتفاقات ثنائية لاحقة بين الدول المطلة على بحر قزوين، ذكر المنتقدون أن هناك نقاطا غامضة في الاتفاقية تدل على تنازل إيران عن حصتها و التي انخفضت وفقا لهم إلى 13% بدلا من 50%، وهي كانت حصتها خلال عهد الاتحاد السوفيتي التي خسرتها الآن بعد عقدين من الزمن.
فروض الولاء والطاعة التي قدمها المرشد الأعلى للرئيس الروسي عبر تمرير الاتفاقية قد تعود بالمقام الأول لحالة الضعف العام التي تعترى النظام الإيراني في الفترة الراهنة لاسيما مع دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ واستعداد واشنطن لفرض حزمة جديدة فضلاً عن الضغوط الدولية والإقليمية في مناطق التمدد الإيراني وخاصة سوريا حيث تتعالى الأصوات المطالبة لروسيا بإخراج المليشيات الموالية لطهران ,ناهيك عن تصاعد موجة الاحتجاجات داخل إيران ولعل هذا ما يفسر تصريحات المعارضة التي رأت أن النظام قدم قربان الطاعة لموسكو , حيث اعتبر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” الذي تقوده منظمة “مجاهدي خلق” أن اتفاقية بحر قزوين “تنازلاً من النظام للحفاظ على بقائه في السلطة”. كما وصف أبو الحسن بني صدر، أول رئيس إيراني بعد الثورة، في رسالة نشرت على حسابه على “تويتر” توقيع النظام الإيراني على اتفاقية دول بحر قزوين بأنها “دفع فدية لروسيا”.
“استمالة روسيا” عنوان رئيسي لابتلاع الملالي رغماً عنهم اتفاقيات بحر قزوين والتي تعنى نهاية الإدعاءات الإيرانية فيما يتعلق بحقوق السيادة المشتركة مع روسيا وتجاهل ثلاث دول متشاطئة من الجمهوريات السوفيتية السابقة التي تشكل فيما بينها نصف النظام القائم في المنطقة ,حيث عارضت طهران طيلة 22 عاما حتى النسخ الأضعف نصاً من الاتفاق الأخير المشار إليه, ووصلت المفاوضات إلى طريق مسدود في عهد الرئيس هاشمي رافسنجاني والذي كان الكرملين به أكثر تساهلاً عما هو الأمر الآن تحت رئاسة فلاديمير بوتين .
موقف الممانعة الإيراني لتقسيم السيادة في بحر قزوين استمر في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي حيث كانت الدولة الوحيدة التي رفضت الورقة الروسية لتسوية الوضع وذلك خلال القمة التي أقيمت في العاصمة التركمانية عشق آ باد، ووصل الأمر حد ادعاء الوفد المشارك إصابة خاتمي بآلام حادة في الظهر اضطرته للعودة إلى بلاده لتلقى العلاج هناك وذلك بغيه التحايل وإجهاض الاتفاق المنتظر حينذاك .
سياسية الرفض القاطع استمرت فى عهد محمود أحمدي نجاد ,صحيح أن المفاوضات إلى تمخضت عن حصول إيران على حصة 11.3%، وذلك بهدف استمالة روسيا لمساعدتها على التخلص من العقوبات الدولية الخانقة. لكن أسلوب “المراوغة الملائي “دفع كل من روسيا، وكازاخستان، وتركمانستان، وأذربيجان إلى تجاهل إيران تماماَ ووقّعت الدول المعنية تعاقدات الطاقة مع شركات غربية عملاقة، وشهدت عقدين من النمو الاقتصادي السريع الذي لم تشهد إيران مثله في تلك الفترة.حيث وقعت اتفاقيات ثنائية وأخرى متعددة الأطراف فيما بينها تغطي مساحة تقدر بنحو 87 في المائة من سطح بحر قزوين، لتترك إيران منعزلة داخل نسبة 13 في المائة المتبقية من مياهها الإقليمية المطلة على البحر.
الوصفة الروسية الجديدة طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرة الأولى عام 2015 أثناء زيارة سريعة إلى طهران حيث وافق الجانبان على إنشاء قناة اتصال مباشرة فيما بين الحكومتين بشأن الأمر؛ مما يعني محاولة لتجاوز العراقيل البيروقراطية في موسكو وطهران ومنذ ذلك الحين اعتمد خامنئي على مستشاره الخاص لملفات السياسة الخارجية علي أكبر ولايتي وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في إرسال واستقبال الرسائل المهمة من الرئيس بوتين.
أطماع إيران الجنونية في الشرق الأوسط، جعلتها تتنازل عن مصالحها الحيوية في بحر قزوين والذي تحول إلى بحيرة روسية خالصة السيادة ، وقد تجلى ذلك فى نفى وزير الخارجية محمد جواد ظريف بأن حصة بلاده هي 50% وأوضح خلال مقابلة مع التلفزيون الإيراني، الأربعاء، أن “هناك تصورا خاطئا عند البعض بأن حصة إيران من بحر قزوين هي 50% وهي ليست كذلك بل قد لا تتجاوز حتى نسبة 11% وقال إن “المياه الإقليمية لإيران هي 15 ميلا ” مبيناً أن الوثيقة الأخيرة لبحر قزوين تعتبر “جيدة” وتحفظ مصالح إيران.
ملامح الصفقة الروسية الإيرانية تتضح بشكل اوسع إذا ما علمنا أن الاتفاق تضمن حظرا طالما تطلع إليه بوتين على أي وجود عسكري على بحر قزوين من قبل غير الموقعين على الاتفاقية، مما يمنحها سيطرة بحرية كاملة لاسيما مقارنة الوجود العسكري الإيراني في البحر، والمتمثل فيما مجموعه 11 قارباً من قوارب الدوريات الساحلية، مقابل الوجود البحري العسكري الروسي والذي يشمل 22 قاعدة بحرية روسية على طول الشريط الساحلي وقد سبق واستخدمت موسكو أسطولها البحري في بحر قزوين لإطلاق صواريخ كروز على سوريا خلال دعمها العسكري لبشار الأسد.
تطلعات إيران إلى علاقات أكثر دفئاً مع روسيا قد يكون أحد دوافعها لقبول الاتفاق في ظل سياج العزلة الدولية الذي أعقب انسحاب الشركات الغربية تحت ضغوط من واشنطن وكثفت الحكومتان المحادثات في الأشهر الأخيرة بشأن السماح لشركات النفط والغاز الروسية بتطوير حقول في إيران. وأشارت موسكو أيضا إلى صفقات محتملة لمجموعات الطاقة الروسية لتتاجر بالنفط الإيراني مقابل شراء المزيد من السلع والخدمات الروسية من جانب جارتها الجنوبية.لكن هذا لا ينفى أن موسكو حققت انتصار نجحت بمقتضاه في منع أي محاولات لتخفيف نفوذها في بحر قزوين
اضف تعليق