مناورة ملائية جديدة حملها تصريح وزير الخارجية الإيرانية , أمس , بإمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة, إذ أن ثمة ما يؤشر به إلى مخاوف طهران من تداعيات التوتر مع أوروبا على خليفة قضية فيلبينت والتي ألقت بظلالها على العلاقة بين فرنسا وإيران التي لا تملك حاليا لا هذه ولا تلك سفيرا لها لدى الأخرى.
الأبواب المفتوحة شرط أن تكون جديرة بالثقة والتي أشار لها ظريف خلال مقابلة مع قناة “بي. بي. سي” البريطانية في نيويورك رغم إعلان ، علي خامنئي، رفضه لأية مفاوضات جديدة مع واشنطن. ونعته الشخصيات الإيرانية التي تدعو للحوار بأنهم “عملاء وليسوا برجال دولة”، قائلاً إن “مَن يروّج في الداخل الإيراني للتفاوض مع الأعداء هم الخونة”.لم تخلو من إطراء على الجهود الأوروبية حيث اعتبر ظريف أن دعم أوروبا للحفاظ على الاتفاق النووي المبرم عام 2015 في مواجهة الضغوط الأميركية “كان أفضل من المتوقع”. من جانبه أشاد الرئيس الإيراني حسن روحاني بأوروبا لاتخاذها “خطوة كبيرة” للحفاظ على النشاط التجاري مع إيران، ونقلت وكالة تسنيم عن روحاني قوله “للإبقاء على علاقات مالية ونقدية مع إيران شكلت أوروبا كيانا خاصا… اتخذت أوروبا خطوة كبيرة”.
إذ أن الإجراءات الفرنسية ربما لا تكون النتيجة الوحيدة للمقامرة الإيرانية المثيرة للجدل،وقد تمتد تداعياتها إلى المخاطرة بالدعم الأوروبي للاتفاق النووي ,وعودتها إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب, فعلى الرغم من أن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي تحظى بأهمية خاصة لدى نظام طهران غير أن ذلك لم يمنعها من المجازفة بها والتورط في محاولة تفجير المؤتمر الذي نظمته قوى المعارضة الإيرانية في مدينة فيلبنت بشمال فرنسا في 30 يونيو 2018، والذي حضرته شخصيات سياسية إقليمية ودولية بارزة الأمر الذي قد يفضى إلى تراجع قدرة طهران على احتواء تداعيات الحزمة الثانية من العقوبات والتي من المقرر دخولها حيز التنفيذ في 5 نوفمبر المقبل .
الأزمة الراهنة قد تحفز الدول الأوروبية إلى إعادة النظر في سياستها مع إيران لاسيما مع شعور تلك الدول أن الاتفاق النووي والذي لا تزال حريصة على دعمه ورفعت بموجبه العقوبات لم يمنع نظام الملالى من الاستمرار بأنشطته التخريبية والتي تتنوع مابين استهداف المعارضة ودعم التنظيمات المتطرفة والتمدد داخل الدول بغية افتعال الأزمات مما يؤشر إلى إمكانية حدوث تحول قد يسفر عن تفاهمات مع الإدارة الأمريكية لاسيما وأن الأخيرة قد بررت انسحابها من خطة العمل المشتركة بأنه لم يسفر عن حدوث تحولات جذرية بالسياسة الخارجية الإيرانية فلم يتوقف نظام طهران عن مواصلة تطوير منظومة الصورايخ البالستية فضلا عن انخراطه في تصعيد التوتر بالشرق الأوسط , وهو ما أثبتت الأيام صحته .
ترحيب مجلس الأمن القومي الأمريكي، في 2 أكتوبر الجاري بالخطوة الفرنسية والذي جاء بعد فترة قصيرة من انتقاد واشنطن لاتجاه بعض الدول الأوروبية لإنشاء كيان خاص يساعد على التفاف إيران على العقوبات عبر نظام يشبه المقايضة ,يمكن تفسيره في إطار محاولة الإدارة الأميركية استثمار الأزمة , فقد يعمد الرئيس ترامب إلى استقطاب أطراف أوروبية إلى صفه بغية ممارسة مزيد من الضغوط على إيران وتبنى إجراءات مماثلة لاسيما وأن مسارات الأحداث كشفت صدق مزاعمه والتي تتهم إيران بأنها الراعي الأول للإرهاب في العالم. وكان مجلس الأمن القومي الأمريكي قد قال في تغريدة على تويتر إن فرنسا تتّخذ قرارات قوية ردّاً على الهجوم الإرهابي الإيراني الفاشل في باريس،.. يجب على طهران أن تعرف أنّ هذا السلوك الفاضح لن يتم التساهل معه.من جهتها قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نويرت للصحفيين إن المخطط الذي كشفت باريس تفاصيله يثبت أن إيران هي الراعي الأول للإرهاب في العالم.
محاولات التهدئة من جانب طهران تعكس كذلك قدراً من مخاوف النظام الإيراني من أن التبدلات المحتملة بالموقف الأوروبي قد تفضي إلى موقف جماعي وآلية يتم توظيفها لممارسة ضغوط عليها، من أجل الاستجابة لإجراء مفاوضات جديدة حول الملف النووي وهو ما يعد انتصار للولايات المتحدة بالمعركة الدبلوماسية الدائرة فى ظل حالة الاستقطاب بينها وبين طهران لجذب الجانب الأوروبي.
وفيما يبدو أن محاولة لخفض التصعيد مع واشنطن خلال الأسبوع الماضي خرجت من الوزير الإيراني تصريحات تحمل إشارات إيجابية لواشنطن، وكشفت الصحفية الأمريكية، روبين رايت، فى مقالها الذى نشرته “ذا نيويوركر”، عن لقائها بوزير الخارجية الإيرانية، عقب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذكرت رايت أنها، بعد عودة روحاني إلى طهران، تحدثت مع ظريف، الذي تحدث حول مستقبل العلاقات بين إيران والولايات المتحدة قائلا “نحن نعيش فى عالم من الاحتمالات لأن لا شى مستحيل، ولكن لا يزال يتعين أيضا البقاء وترقب ما يحدث”.
ومع ذلك لا تزال احتمالات اضطرار إيران للجلوس على طاولة المفاوضات قيد الرهان على صعوبة حدوث توافق أمريكي – أوروبي وأن الإجراء الفرنسي سيبقى موقفاً فردياً في ظل حالة الانقسام التي تشهدها أوروبا في المرحلة الراهنة، وتعارض الأيديولوجيات بين الأنظمة القائمة هناك فضلاً عن اختلافها حول الرئيس دونالد ترامب، والخصومة مع الإدارة الأميركية بسبب التعريفات الجمركية.
وعلى الرغم من رهان البعض على احتمال إيران للعقوبات الأمريكية استناداً إلى إلى صمودها السابق والذي امتد من عام 2006 حتى نهاية 2013 لكن خلفيات الواقع الاقتصادي المتردي يضعف من صحة هذه الفرضية ,صحيح أن ما ينتهجه نظام الملالي اليوم يدور فى إطار المناورة وتجنب التصعيد لتفادى الأزمات غير أن استهداف ترامب لإيران باستراتيجية “الضغوط القصوى” على الأرجح سوف يؤتى ثماره على المدى البعيد .. عاجلاُ أم آجلاً ستجلس إيران إلى طاولة التفاوض لكن متى يحدث ذلك ؟ الإجابة في رحم الأحداث
اضف تعليق