مرة أخرى عاد لبنان لتصدر العناوين الرئيسية للصحف خلال الأسابيع الماضية . إذ فر كارلوس غصن والذى كان متحفظاً عليه رهن الإقامة الجبرية في اليابان إلى لبنان.،فى حين من المرجح أن يأتي الانتقام لمقتل قاسم سليماني من لبنان أيضاً . لذا ، وبالرغم من تطور العالم والمضى فى طريق الحداثة ، يبدو لبنان عالقاً بين أطلال الماضى
في الواقع ، يشكل كل من غصن وسليماني فى ظل ارتباطهما بلنان صوراً للأزمنة القديمة ،. حيث أن غصن كان أحد عمالقة صناعة السيارات. لكن مع التحولات التى شهدها القطاع بات يمثل انعكاساً للماضى .و يبدو أن معظم المطلعين كانوا على استعداد للبقاء صامتين خلال أوقات الازدهار بالصناعة ولكن عندما تراجعت أسهم السيارات على مدار الأعوام الماضية ، رأوا أن الوقت قد حان للتمرد على القبطان.
لقد تغيرت عادات الصناعة لكن غصن لم يكن جزءًا من عملية التحول نحو الابتكار وبينما كانت أوبر وتيسلا وغيرها تنقل صناعة السيارات من التركيز على قطاع واحد إلى التنقل والطاقة ، كان غضن لايزال غارقاً بين بقايا التراث لذلك لم يكن مستبعداً وبالتزامن مع بدء إعادة هيكلة القطاع ككل ، أن تظهرالمعلومات حول أخطائه المزعومة التي كانت كافية لتوقيفه ومحاكمته. ومع ذلك ،وبالرغم من وضعه قيد الإقامة الجبرية ، تمكن من الفرار إلى لبنان.
قاسم سليماني كان هو الآخر أحد قادة الإرهاب وصنف ضمن أخطر الشخصيات في الثمانينيات ، وكان الوحيد المتبقى ممن اختاروا الوقوف على يسار التاريخ فى تلك الفترة , إن هذا النوع من المسؤولين المسموح لهم باللجوء إلى الإرهاب ، القوة الوحشية ، الأنشطة غير القانونية كان لها مكان بالفعل , لكنه تقلص في هذا العالم, أضحوا من الأطلال . فعلى الرغم من حالة الحزن التى اجتهدت إيران لتصديرها عقب وفاته ،يمكن التأكيد على أن ثمة معارضين له داخل المؤسسات العسكرية والأمنية ذات السيادة في البلاد ، إذ لم يكن الكثير من الضباط راضين عن سياساته , وقد انعكس هذا الاستياء فى صيحات المحتجين خلال السنوات الماضية حيث رددوا “لا لحزب الله ، لا لحماس ، نحن نريد إيران”. لقد كانت هذه الهتافات رفضاً صريحاً لأنشطة فيلق القدس الذى ترأسه سليماني. يما يعنى ، أنه مع اقتراب خلافة خامنئي وفى ظل المستجدات الراهنة ، لم تعد رؤية سليماني للمنطقة هي الخيار الوحيد للمضي قدماً في إيران. ومع ذلك ، خرج نصر الله من لبنان متوعداً بالانتقام من الولايات المتحدة.
لهذا يبدو لبنان عالقاً بين ركام الماضى كما لو كان أرضًا حرامًا ولا يحكمها قانون وليس بها مكان لاستعياب ثقافة الابتكار والتغييرات القادمة بالعالم. دولة يستقبل رئيسها غصن الهارب ، ويهدد منها حسن نصر الله بالانتقام لسليماني المواطن الإيراني المتهم بالإرهاب . السؤال الآن .لو كنا فى أى مكان آخر بالعالم هل سيتم قبول مثل هذا الوضع ؟ ؟ والأسوأ من ذلك كله ، أن بعض المسؤولين بالحكومة ، يعتبرون كلا الحدثين مبررين.
من خلال هذين الحدثين غير المرتبطين ظاهرياً ، نفهم سبب خروج شباب وشعب لبنان إلى الشوارع. إنهم يرفضون تلك الشخصيات التى أضحت مجرد ظلال من الماضى. فالموهوبون ورواد التكنولوجيا ، ورجال الأعمال والعقول الإبداعية والناجحة من أبناء الشعب ينتشرون في كل بقاع في العالم. ومع ذلك ، يبدو أننا في لبنان سنعود إلى ركام الطائفية ، “الدم والتربة” وأكل لحوم البشر المخيف إن. هذه الحالة القديمة بتعقيداتها البالية للدولة هي التي تحتاج إلى تمزيق من أجل طرح رؤية بناء الأمة.
وبينما يستقر الغبار ، على الحدث الأكثر تأثيراً ، وهوغياب سليماني ، فإن الاحتجاجات في لبنان سوف تمضي قدماً وستواجه نفس الإجابات القاسية من حزب الله الوكيل الإيراني بالإضافة إلى هيكل الدولة العميقة , لذلك حان الوقت لتغيير كل شيء, للدخول إلى عصر الابتكار وتعطيل هذا الإرث السياسي, الأمني والاقتصادي الذي يحكم البلد . لقد لاح آوان وضع دستور جديد وجمهورية حديثة متحدة تمكن وتمنح اللبنانيين القدرة على التعبير عن إمكاناتهم والسعي لمستقبل أفضل.
لتحقيق هذه الرؤية ، هناك الآن حاجة ملحة لتنظيم المتظاهرين. ويجب إعداد لجنة انتقالية وطنية واحدة من شأنها أن تدير شؤون البلاد في حين تستعد لصياغة دستور جديد. كما يتعين استبعاد كل التشكيلات السياسية السابقة منها. إذ لا ينبغي أن يكون هدفها ترسيخ البلد ضمن توجهات سياسية محددة. بمعنى آخر ، ألا تكون هذه اللجنة مكتبًا سياسيًا أو بديلاً لحزب البعث بل لجنة بناء المؤسسات الحكومية. ولأنها ستعد الجهة المنوط بها إدارة شؤون البلا د ، فإنها ستكون مسؤولة أيضًا عن الإعداد لدستور جديد يتم الاستفتاءعليه . حينه فقط ستجرى الانتخابات لاختيار الممثل الجديد للشعب . أما الآن ، فقد مضى وقت القبول بحكومة اختارها النظام أو إجراء انتخابات تشريعية مبكرة أو حتى حكومة تكنوقراطية مزعومة.
لقد كشفت الاحتجاجات عن إرادة الشعب ، ولكن إذا لم اتخاذ خطوة لبناء دولة مؤسسات ذات سيادة جديدة ، فسوف يذهب كل شيء أدراج الرياح بل سونكون بصدد ترقب مع بعد السيناريو الأسوأ لأن قوى الفوضى قد تتولى زمام الأمور لاسيما مع وجود بوادر أزمة مالية حادة تلوح في الأفق. والخطة الجادة التي تقوم بها لجنة محترمة على الأرجح من شأنها أن تجذب أيضًا المزيد من الدعم الإقليمى والدولى , إنها نبوءة تحقق ذاتها, . يحتاج الناس إلى رؤية طريق واضح إلى المستقبل وليس فقط رفض النظام الحالي.
إذا تم طرح هذه الخطة ، فيمكن مقارنة تهديدات نصر الله بصناعة العربات التي تجرها الدواب والتي ازدهرت عندما كانت العربات هي وسيلة النقل الرئيسية ولكنها اختفت مع ظهور السيارات. ومع ذلك ، إذا لم نستعد ونعمل من أجل هذا المستقبل الأفضل ، فسوف يغرق لبنان في الفوضى.
مرة أخرى ، على الرغم من النظرة الحالية القاتمة ، هناك أمل أكبر في التغيير اليوم ، ومع تزايد الأصوات المطالبة بالتغيير ، لن يبقى لبنان ملجأ لعلل وأوبئة الماضي لفترة طويلة.
اضف تعليق