الرئيسية » تقارير ودراسات » ماذا يوجد في الخطة العربية لغزة؟
تقارير ودراسات رئيسى

ماذا يوجد في الخطة العربية لغزة؟

أعلنت في القاهرة أمس عن الرؤية المصرية المرتقبة لمستقبل غزة ، ما عبر عن إجماع عربي ضد خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ” الريفييرا ” لغزة.

لا يوجد في مسودة الاقتراح العربي ما لم يتم طرحه من قبل. ومن غير المستغرب، وهو ما يشكل تحديا مباشرا لترامب، أن تدعو المسودة إلى إعادة الإعمار دون تشريد سكان غزة. وفي حين تُظهر الخطة استعدادا لتهميش حماس، فإن عيبها هو أنها تترك الكثير من الأمور غير المذكورة حول كيفية تفكيك حماس عسكريا أو إزالتها أو تحويلها. وإذا تُرِكَت هذه المسألة دون معالجة، فسوف تواجه مقاومة شديدة من الولايات المتحدة وإسرائيل.

إن حقيقة انعقاد القمة العربية الطارئة بعد شهر كامل من إعلان خطة ترامب ليست سوى مؤشر واحد على التعقيدات الكامنة في تحقيق الإجماع العربي على هذه النقطة. إن المسودة المصرية، على الرغم من أهميتها لخطتها لإعادة إعمار غزة التي مزقتها الحرب بحلول عام 2030، لا تحدد كيفية إبعاد حماس. وفي الوقت نفسه، تقترح إنشاء هيئة تسمى “لجنة إدارة غزة” لإدارة شؤون القطاع في الأشهر الستة الأولى من فترة “التعافي المبكر”، وتتكون من تكنوقراط فلسطينيين مستقلين.

ولكن أي خطة تدعو إلى بناء “مطار وميناء للصيد وميناء تجاري” لن تكون قابلة للتطبيق ما دامت حماس تحتفظ بالاحتكار لاستخدام العنف في غزة. والواقع أن افتقار الخطة إلى التحديد الدقيق أمر متعمد، الأمر الذي يترك المجال مفتوحاً أمام المفاوضات التي قد تعزز القبول على نطاق أوسع. ولكن هناك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها والتي قد تمهد الطريق للمفسدين أيضاً.

إن وجود انقسامات في العالم العربي بشأن قضية حماس ليس بالأمر المفاجئ. فالعلاقة بين حماس وزعماء العديد من الدول العربية ليست على ما يرام. ولكن إعلان هذا في وقت تتزايد فيه المشاعر المؤيدة للفلسطينيين في العالم الإسلامي كان بمثابة خيار باهظ التكاليف إلى حد غير متناسب بالنسبة لمعظم الزعماء. وبالنسبة لآخرين في الشرق الأوسط، قد يكون من المفيد الاحتفاظ بحماس باعتبارها تهديداً لإسرائيل.

ورغم أن بعض المسؤولين العرب قالوا خلف الكواليس إن حماس قد تقتنع بالتنازل عن السيطرة على القطاع، فإنهم لن يوافقوا على تسريح قواتهم طواعية. ودعا بعض كبار المسؤولين العرب حماس إلى التنحي، بما في ذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الذي دعا حماس في الحادي عشر من فبراير/شباط إلى التنازل عن السلطة في غزة “إذا كانت المصلحة الفلسطينية تتطلب ذلك”.

في الثاني من مارس/آذار، قال ماجد الأنصاري، الذي يعمل مستشاراً لرئيس الوزراء القطري ومتحدثاً باسم وزارة الخارجية القطرية، إن مستقبل حماس “يعتمد على الشعب الفلسطيني على الأرض… يتعين علينا أن نمنح الشعب الفلسطيني الوكالة. ولا يمكنك أن تقرر نيابة عنه”. ومن الصعب التوفيق بين هذا التحذير والصعوبات التي يواجهها سكان غزة اليوم واستحالة التعبير عن الرأي العام بحرية دون خوف من انتقام حماس.

الفلسطينيون عند مفترق طرق
أما فيما يتصل بالنقاشات الداخلية داخل حماس، فهناك انقسام قائم بين القيادة السياسية في المنفى والذراع العسكرية لحماس في غزة، كتائب عز الدين القسام. وتشير التقارير إلى أن القيادة المنفية أكثر استعداداً للتخلي عن دورها إذا كان هذا من شأنه أن يجلب لها مكاسب السلام، في حين أن الذراع العسكرية أكثر حرصاً على الاستعداد لخوض معركة جديدة مع إسرائيل.

ومن جانبها، تقاوم السلطة الفلسطينية أي محاولة لمنح حماس موطئ قدم في إدارة غزة بعد الحرب. ولكن يتعين عليها أن تثبت قدرتها على الحكم. فقد قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إنه “مستعد لإجراء انتخابات عامة في العام المقبل” بمجرد أن تسمح الظروف بذلك.

إن حماس لديها مصالح راسخة في الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار وفقاً لشروطها الخاصة: الاستيلاء على حصة أكبر من المساعدات الإنسانية، والاحتفاظ بالرهائن طالما أرادت إطالة أمد نفوذها، وتأمين إطلاق سراح المزيد من السجناء الفلسطينيين. ولكن إذا لم تتنح حماس، فقد يشن جيش الدفاع الإسرائيلي عملية كبرى في غزة لمنع حماس من إعادة فرض سيطرتها على معظم أجزاء القطاع.

إذا ما أعادت إسرائيل غزو غزة، فإن جولة أخرى من تهجير المدنيين هناك من شأنها أن تخلف خسائر فادحة في أرواح أهل غزة، ومن شأنها أن تلحق الضرر بأي قدر متبق من حسن النية قد يتمتع به بعض الفلسطينيين إزاء قدرة حماس على حمايتهم. وبالنسبة للبعض فإن العكس هو الصحيح، حيث أن شعبية الجماعة المسلحة سوف تنمو مع اتضاح عدم التزام إسرائيل بإنهاء الصراع. ولكن تهجير سكان غزة مرة أخرى من شأنه أن يفوق أي حسابات سياسية قد تفيد حماس في الأمد القريب إلى المتوسط.

ماذا يستطيع العالم العربي أن يفعل الآن؟
إن إعادة إعمار غزة مهمة ضخمة، حيث تقدر الأمم المتحدة تكاليفها بنحو 53.2 مليار دولار أميركي على مدى السنوات العشر المقبلة. وما لم تنتهي التعبئة العسكرية لحماس في غزة، فلن تتوقف المساعدات المتعددة الأطراف عن التدفق، بل إن العديد من الزعماء العرب سوف يرفضون أيضاً التبرع بالأموال.

وقد صرح وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مؤخرا بأن اجتماعا وزاريا عاجلا لمنظمة التعاون الإسلامي سيعقد في المملكة العربية السعودية قريبا، بهدف تأمين الدعم من المانحين الدوليين. ومن الواضح أن الخطة العربية تسعى إلى “تدويل” إعادة إعمار غزة من خلال تقاسم الأعباء، الأمر الذي ينتزع المسؤولية الكاملة من العالم العربي.

يتعين على المانحين الدوليين والإقليميين أن يوضحوا أن حماس لا يمكن أن تكون محل ثقة في السلطة الحاكمة أو توفير الأمن خلال مرحلة إعادة الإعمار والتعافي في غزة. وسوف يكون هذا بمثابة وسيلة لتحميل حماس المسؤولية عن أفعالها الشنيعة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وإشارة إلى الفلسطينيين بأن الدول المانحة ترسم خطاً فاصلاً بين الفلسطينيين كشعب يتمتع بحق غير قابل للتصرف في تقرير المصير، من ناحية، وحماس كمنظمة مسلحة، من ناحية أخرى.

إن احتمالات السلام كانت تشكل دوماً تهديداً وجودياً لحماس، لأنها ترى في الكفاح المسلح مصدراً لشرعيتها السياسية. ولابد وأن يحدث تحول جذري في الكيفية التي يتعامل بها العالم العربي مع حماس، ومن الممكن أن تؤدي الخطة المصرية إلى إحداث هذا التحول. ولكن على الرغم من أنها في وضعها الحالي لا تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك.

ولكن إذا تحرك العالم العربي بحزم لتهميش حماس، فإن الدعم المالي واللوجستي والجماهيري للمنظمة قد يتآكل بشكل كبير خلال فترة إعادة الإعمار المقترحة والتي تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات. ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على العالم العربي وحلفائه أن يتعهدوا بالتزامات معينة تجاه الوكالة السياسية الفلسطينية، مثل دعم السلطة الفلسطينية حتى تتمكن من عقد الانتخابات واكتساب المصداقية والقدرة.

إن هناك حاجة أيضاً إلى مبادرات لنزع التطرف تظهر للشباب الفلسطيني أن البديل للمقاومة المسلحة ليس ممكناً من الناحية النظرية فحسب، بل إنه في متناول اليد. وسوف يكون لآفاق الرخاء الاقتصادي أهمية كبيرة، ومع تحسن الظروف في غزة، قد يتسع الانقسام بين القيادة السياسية والجناح المسلح المتبقي لحماس، مع فقدان هذا الجناح المزيد من الشرعية.

إن التفكير الإسرائيلي لابد وأن يتغير أيضاً. ذلك أن حماس تتغذى على خيبة الأمل المزمنة بين الفلسطينيين الذين يزعمون أنه لا يوجد مستقبل بديل غير المستقبل الذي رسمته حماس لنفسها. وإذا كانت إسرائيل على استعداد لدعم رؤية بديلة للفلسطينيين، فإن هذا من شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً في فصل أيديولوجية حماس وأساليبها عن الافتراض القائل بأن حماس وحدها القادرة على الدفاع عن حقوق المدنيين الفلسطينيين. وإذا مارست الدول العربية النوع المناسب من النفوذ، فقد تبدأ الديناميكيات في التحول.

الدكتورة بورجو أوزجليك- ناشيونال انترست