طبول الحرب تقرع في إدلب ..إذ يبدو أن المحافظة تسير على خطى درعا بعدما أخفق ثلاثي آستانة فى حسم الخيار العسكري في سوتشى واكتفى الجمع بتأجيل العمليات العسكرية دون إعطاء ضمانات واضحة لتحقيق ذلك حيث يرجح المحللون أن شهر أيلول \ سبتمبر المقبل سوف يكون مفصلياً .
غيوم الحرب يمكن استشراف ملامحها إثر إعلان الفصائل المسلحة هناك توحيد صفوفها برعاية تركية استعداد لأى تحرك عسكري و لمواجهة الاحتمالات المطروحة حول مصير المحافظة في المرحلة القادمة .التشكيل الجديد ضم فصائل الجبهة الوطنية للتحرير و”جبهة تحرير سوريا” و”ألوية صقور الشام” و”جيش الأحرار” وتجمع دمشق، وقد ضعت خطة لهذ التجمع تقوم على تقديم التدريب والتسليح لهذا التشكيل الجديد بحيث يشكل نواة لجيش وطني. في حين ظلت “هيئة تحرير الشام” و “جيش العزة” و “الحزب التركستاني” أبرز التشكيلات المسلحة في المنطقة التي لم تنضم إلى الجبهة.
إدلب أضحت فى مرمى النيران , يعزز الاعتقاد فى ذلك , المشاورات التي شهدتها الأيام الماضية وضمت قيادات من الفصائل المسلحة مع قياديين من “هيئة تحرير الشام” الواجهة الحالية لتنظيم “جبهة النصرة” المحظور في روسيا، لمحاولة إقناع الهيئة بضرورة حل نفسها واندماجها في التشكيل الجديد الذي ترعاه تركيا لإبعاد المنطقة عن أي عمل عسكري محتمل قد يقوم به الجيش السوري وحلفاؤه.إذ يرجح المراقبون أن التنظيم المحظور من جانب موسكو سيكون الذريعة التى سيتم على وقع تحركاتها إشعال المعركة المحتملة .
فرضية المواجهة المسلحة تستند كذلك على ما تم تنفيذه سابقاً بدعم روسيا من شن عمليات عسكرية انتهت بالسيطرة على حلب مروراً بالغوطة الشرقية، وصولاً إلى الجنوب السوري بعد أن عقدت تفاهمات مع الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل انتهت بوصول قوات النظام إلى الحدود الجنوبية السورية للمرة الأولى منذ ستة أعوام. إذ يشير ظاهر الأحداث إلى تكرار سيناريو حمص وحلب والغوطة الشرقية لدمشق ودرعا فى إدلب فمثلما تم اختراق 3 مناطق من خفض التصعيد سيعمل النظام السوري على إخضاع المنطقة الرابعة أيضًا لاسيما مع تكرار بشار الأسد أن تحرير إدلب يمثل أولوية بالنسبة إلى الجيش السوري وهو ما أعرب عنه فى مقابلة تلفزيونية حيث قال ” الآن هدفنا هو إدلب، لكن ليست إدلب وحدها، وهناك بالطبع أراضٍ في شرق سورية تسيطر عليها جماعات متنوعة. من بينها تنظيم داعش، الذي بقيت لديه بؤر صغيرة، وكذلك جبهة النصرة وتشكيلات متطرفة أخرى». وأكد: “لهذا السبب سنتقدم إلى كل هذه المناطق، والعسكريون سيحددون الأولويات، وإدلب واحدة منها”
وتكمن أهمية إدلب لدى نظام الأسد وحلفائه فى أنها أضحت الملاذ الأخير للفصائل المسلحة، بعد طردها من غالبية معاقلها فضلاً عن سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) على نحو ستين في المئة منها الأمر الذى قد يعزز من احتمال تهديدها مجدداً للنظام . هذ إلى جانب رغبة دمشق في استعادة الجزء الأخير من طريق دولي، يمر عبر إدلب و يربط بين أبرز المدن السورية التي باتت تحت سيطرة القوات الحكومية، من حلب شمالاً مروراً بحماة وحمص ثم العاصمة السورية، وصولاً إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن. وقبل الوصول إلى حلب، يمر جزء من الطريق في مدن رئيسية في إدلب تقع تحت سيطرة الفصائل .
ففي الأعوام الأربعة الأولى لعبت المحافظة دوراُ رئيسيا فى تصدير المسلّحين إلى كثير من مناطق الاشتباك السوريّة، خاصة المتاخمة لها. وأفضى ذلك إلى تشكيل مئات الكتائب والألوية المسلحة حتى أطلق على إدلب لقب ” خزّان الثورة الكبير” . كما شكلت جسراً حيوياً لعبور التنظيمات الوافدة من الحدود التركية ووصل الأمر حد إنشاء بعض الفصائل مكاتب استقبال وتدريب للعناصر الوافدة قبل أن يتم توزيعها على الجبهات المختلفة لكن التغير المفصلى فى فى دور إدلب يكمن الآن فى انها تحولت من عمق استراتيجى للجماعات المسلحة إلى ملاذ أخير
خصوصية معركة إدلب تنبع ليس من كونها تحولت إلى تجمع للفصائل المسلحة بل لأن الأخيرة تمثل خليطا غير متجانس سواء من الناحية الأيدلوجية أو على صعيد الدعم الخارجي حيث تنقسم جماعات المعارضة هناك إلى نوعين , الأول هم التابعون لجبهة النصرة وتنظيم القاعدة من عرب وأجانب , وهؤلاء لن يتم التفاوض معهم وعلى استعداد للقتال حتى الرمق الأخير . أما الفصيل الثاني فيضم الوافدين من المحافظات السورية الى إدلب من أحرار الشام وجيش الإسلام وأجناد الأقصى والجيش الحر وبعضهم على استعداد للتسوية الآن في ظل المعارك التي تدور بشكل يومي بينهم وبين المسلحين , مما يعنى عند تفكيكك أطراف المعادلة أن المعركة ليست واحدة بل هي على جبهات عدة وأن كل محور للهجوم على ادلب له خصوصيته، سواء من ناحية القوى المهاجمة أو على نطاق الجغرافيا وأنها ستكون محدودة ضد فصائل معينة أى أنها ستكون ضد القسم الأول فى حين سيندفع الثاني نحو الاستسلام بفعل الضغط الشعبي من السكان المحليين ولعل هذا ما دفع موسكو إلى التأكيد على أنه لا معركة في إدلب وإلى إغراء الجماعات الأخرى بتفكيك النصرة إذ أن المواجهة لن تكون شاملة على مستوى المحافظة ككل بل ستتركز في مناطق انتشار الفصائل المسلحة وستتضمن تجزئة الملف بشكل تدريجى بمعنى أنه سيتم استخدام التسوية فى بعض المناطق واستخدام خيار الحسم المسلح فى مناطق أخرى.
المعارضة السورية تعول على الضامن التركي لمنع مواجهة مرتقبة و تجنيب إدلب سيناريو الجنوب , فبينما يشكل انتشار قوات تركية بموجب اتفاق ” خفض التصعيد” في عشرات نقاط المراقبة في إدلب، العائق الأكبر أمام حكومة الأسد التي تعتبر تركيا دولة احتلال , لا تريد الأخيرة تكرار خطأ الأردن في جنوب غربي سورية، من زاوية الإيحاء بأنه من المقبول للأسد أن يمضي قدماً وفي شكل أحادي في حل عسكري وتتمسك بفكرة أن هيئة تحرير الشام شأن تركي وليست قضية يمكن للنظام السوري أن يستخدمها كذريعة لإطلاق هجوم على إدلب .
أنقرة حاولت تبريد جبهة إدلب مؤقتاً بانتزاع تعهدات روسية –إيرانية لكن في المقابل اشترطت دمشق وحلفاؤها أمرين تلتزم تركيا بتنفيذهما لتجنب اشتعال النار بالجبهة , الأول يرتبط بمحادثات آستانة والتزام أنقرة بتحجيم نفوذ جبهة النصرة والثاني التمهيد لإعادة الحياة لبعض الطرق البرية ومنها بالطبع الطريق الدولي .و تقوم تركيا بالتزامن مع عملها لتوحيد صفوف الفصائل المعارضة، بعملية عسكرية داخل إدلب للقضاء على الجزء المتشدد من هيئة تحرير الشام وبعض المجموعات المتطرفة لتجنب هجوم دمشق وحلفائها ومع ذلك يظل أمامها تحدى التعامل مع تنظيم القاعدة والذي يتطلب أن تتصرف معه بشكل حازم .
حلول سوتشى الوسطية على الأرجح لن تدوم طويلاً , إذ تبدو أنقرة الحلقة الأضعف فى التركيبة الثلاثية وقد عجزت عن التعامل مع الوضع وبرز ذلك أمس فى رفض “جبهة النصرة” المطالب التركية بحل تشكيلتها الناشطة مؤكدة تمسكها بثوابتها , كما أن دمشق فتحت قنوات للتواصل مع الأكراد على أساس الوعد باللامركزية وهو ما تعارضه تركيا ولكن دمشق إذا ما خيرت بين أنقرة والأكراد , سترجح كفة المكون الكردى , لذا ليس من المستبعد على الإطلاق ، عقب تطهير الجيوب الصحراوية وحشد القوات قرب إدلب، أن يجد الجيش السوري في الخريف ذريعة للهجوم على المحافظة وتتنحى تركيا جانبا، مكتفية بالحصول على تنازلات غير ذات قيمة. لاسيما إذا لوحت دمشق عبر موسكو بورقة قسد وإمكانية مشاركتها فى تحرير إدلب
روسيا تشارك الأسد مصلحته في القضاء على إدلب، آخر معاقل المعارضة الكبرى في سوريا، إذ أن ذلك سيضمن لبوتين الانتقال بأن يحل مكان الولايات المتحدة، ويصبح اللاعب العالمي الأوسع نفوذاً في الشرق الأوسط. وحذّرت صحيفة “واشنطن إكزامينر” الأميركية أمس من معركة دموية ستستهدف مدينة إدلب السورية. وكشف المحلل في الصحيفة، توم روغان، أن القوات الروسية والإيرانية انتقلت إلى مواقعها الميدانية استعداداً لاقتحام إدلب. وترى الصحيفة أن بوتين سيدعم الهجوم السوري-الإيراني على إدلب من جهة، وسينكر في الوقت نفسه مشاركته فيه. وكشف مراقبون أن موسكو أعطت أنقرة مهلة شهر واحد لحسم ملف محافظة إدلب وما يتصل بها من أرياف حماة وحلب واللاذقية.على ان تمدد المهلة الروسية حتى انعقاد القمة الرباعية (روسيا – تركيا – فرنسا – ألمانيا) المقررة في 7 من أيلول المقبل بإسطنبول
الصين دخلت هى الآخرى على خط إدلب حيث صرّح السفير الصيني في دمشق تشي تشيانجين أمس أنّ بلاده مستعدة للمشاركة عسكريًّا إلى جانب قوات النظام في معركة إدلب، أو أي معركة أخرى بهدف مكافحة الإرهابيين، السبب الرئيس الذي يدفع الصين لدعم الأسد عسكريًّا في معركة إدلب أو غيرها، بحسب المراقبين , هو وجود مقاتلين من أقلية “الإيغور” المسلمين القادمين من الصين حيث تخشى الأخيرة تنامي قوتهم مع احتمالات عودتهم مرة أخرى إلى الداخل وزعزعة الأمن هناك , فضلاً عن رغبة بكين بتوسيع دورها العسكري فى العالم لاسيما بالشرق الأوسط وإفريقيا
” هندسة معركة إدلب” شبه مكتملة فهي قادمةٌ لا محالة ومع أنها دخلت مجدّداً في إطار احتمالات متباينة في ما يخص مواقيتها غير أن المؤشرات المتزايدة توحي بأنّها ستكون “أم المعارك” وقد تمهد لإقفال ملفات الحرب السورية نهائياً









اضف تعليق