الرئيسية » تقارير ودراسات » “المقايضة الكبرى” ..صفقة تخفيف العقوبات على إيران مقابل انسحابها من سوريا
تقارير ودراسات رئيسى

“المقايضة الكبرى” ..صفقة تخفيف العقوبات على إيران مقابل انسحابها من سوريا

صفقة جديدة محاطة بسياج من الغموض والنفي المتكرر عنوانها مقايضة إيران على الانسحاب من سوريا مقابل تخفيف العقوبات الأميركية ..فهل نظام طهران مستعد لتقديم تنازلات والموافقة على المبادرة التي تتبناها روسيا ؟

” لا دخان دون نار ” ..فعلى الرغم من نفى موسكو ما أشيع  حول وجود اقتراح روسي لرفع العقوبات جزئيا عن طهران مقابل سحب القوات الإيرانية من سورية غير أن واقع الأحداث يؤشر إلى أن تلك التسريبات تحمل قدراًً كبيراً من المصداقية وأن إدارة الكرملين تحاول جس نبض إيران إزاء المقترح واستشراف مواقف القوى المعنية بها قبل اللقاء الذي قد يجمع الرئيسين الروسي فيلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب على هامش قمة العشرين التي ستعقد في نهاية الشهر الجارى  لذلك عمدت إلى تسريبه ومن ثم نفيه بعد ذلك . وكان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، ،قد قال  إن موسكو لم تقترح على إسرائيل والولايات المتحدة رفع جزء من العقوبات المفروضة على طهران، مقابل سحب الأخيرة قواتها من الأراضي السورية. وجاءت تصريحات ريابكوف تعليقا على تقرير نشره موقع “أكسيوس” الأمريكي في وقت سابق، وما أوردته القناة العاشرة الإسرائيلية مساء الثلاثاء الماضي  نقلاُ عن ثلاثة أعضاء في الكنيست (البرلمان) قولهم إن نتنياهو أكد لأعضاء لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، الاثنين الماضي “أن الروس عرضوا تخفيف العقوبات الأميركية على إيران مقابل انسحاب القوات الإيرانية من سورية”. وقالت القناة الإسرائيلية: “هذه هي المرة الأولى التي يقدّم فيها الروس اقتراحا للإقصاء التام للإيرانيين من سورية، وربطه بالعقوبات الأميركية المفروضة على إيران في ضوء انسحاب حكومة ترامب من الاتفاقية النووية”.

المقايضة الروسية لم يتم بلورتها بعد كصفقة واضحة المعالم ولكنها طرحت على طاولة البحث  ضمن أفكار تم تداولها مع الجانب الأميركي  للبحث عن تسوية للأزمة السورية والتي تتجنب معظم القوى الفاعلة بها الخيارات العسكرية والتي أثبتت محدودية جدواها, إذ يبدو كمدخل ملائم لجميع أعضاء الغرف المغلقة وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وإسرائيل التي حاولت تسويقه مبكراً كانتصار سياسي لحكومة نتنياهو لاسيما وأنه يتضمن حال إقراره تحقيق أول الأهداف التى سعت إليها واشنطن وتل أبيب جراء الانسحاب من خطة العمل المشتركة حيث سيربط  بين تخفيف الإجراءات العقابية ضد إيران وملفات خارج إطار الاتفاق  النووي، منها تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة ومطلب إيقاف قدرات إيران التصنيعية العسكرية وغيرها.

جانب من المتابعين يرون أن طهران قد تجد نفسها مضطرة للقبول بالعرض الروسي  فى ظل عجزها عن مواجهة نسق العقوبات الأميركية وتداعياتها على الساحة الداخلية ولاسيما الاحتجاجات, وكان نائب قائد الحرس الثوري الإيراني قد أعلن هذا الشهر أن بلاده لا تملك خططا للبقاء في سوريا لفترة طويلة، فيما بدا أنه يريد ترك الباب مواربا أمام مفاوضات حول هذه المسألة ، لكن هذا لا يعنى أنها ستتخلى كليا عمّا حققته في سورية،.ربما تكون  طهران مرغمة على سحب مليشياتها لكنها على الأرجح ستعزز من حضورها الناعم مع بقاء حليفها الأسد في الحكم وهو الإجراء الذي تبنته منذ قترة تحسباً لتلك اللحظة حيث عمدت إلى التغلغل ثقافيا ومذهبيا عبر الترويج لأيديولوجية “ولاية الفقيه” و تغيير الطابع الديموغرافي لدمشق. وذلك عبر انتهاج استراتيجيه ثنائية تقوم على تعزيز نفوذها الثقافي بالتوازي مع  الحضور العسكري و قامت خلال الثماني سنوات الماضية  بافتتاح  العديد من الحوزات التعليمية، والمؤسسات الدينية الشيعية، والحسينيات.

ومع ذلك يقدر الاقتراح الروسي مع أرجحية مرتفعة ألّا يلقى قبولاً في واشنطن وطهران نظراَ لعدة معطيات , أبرزها على الصعيد الإيراني حجم إنفاقها لتعزيز حضورها الناعم والعسكري  بالساحة السورية حتى قبل سنوات الأزمة ولعل أكثر الأرقام دقة عن هذا الأمر التقدير الذي كشفت عنه المتحدثة باسم المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي مستورا جيسي شاهين، حيث قالت إن تقدير الأمم المتحدة هو أن متوسط إنفاق إيران في سوريا يعادل 6 مليارات دولار سنويا، وعلى سبيل المقارنة هذا يعني أن إيران ساعدت النظام السوري بما يعادل نصف ميزانية دعم الأسعار في الداخل سنويا، وإذا كانت إيران أنفقت هذا الرقم بشكل منتظم خلال 7 أعوام من الحرب السورية هذا يعني أنها دفعت 42 مليار دولار ، وهذا يعادل ثلاثة أضعاف الميزانية الدفاعية السنوية لإيران  بما يعنى أن هناك ثمناً للانسحاب من سوريا .

موافقة إيران على مقترح موسكو قد يمثل ضربة قاصمة لحلفائها من حزب الله خاصة وأن انسحابها من المشهد السوري يعنى توقف الدعم المالي والعسكري لحزب الله وللميلشيات المسلحة التي قامت بتكوينها وتدريبها الأمر الذى سيلقى بظلال وخيمة على مستقبل الحزب والفصائل المسلحة ويضعف من  قدراتهم لذلك على الأرجح لن تقبل طهران بالصفقة وستفضل التريث حتى تستطيع إيجاد مخرج أو مسارات مختلفة  لتلك  المليشيات والتي تغلغلت  داخل المؤسسات السورية الاستخبارية والسياسية والأمنية. وتشير التقديرات إلى أن إيران أنفقت في الأعوام الأخيرة 800 مليون دولار على حزب الله اللبناني فيما يتعلق بتكاليف القوات التي أرسلتها إيران لسوريا، كما  نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً نقلا عن أحد الأفغان الذين أرسلتهم إيران إلى سوريا وقاتل هناك تحت راية لواء “فاطميون” الأفغاني، أن الراتب الشهري للشخص الواحد في هذا اللواء يبلغ 800 دولار شهريا. إذا فرضنا أن تعداد هذه القوات وفق التقديرات الإسرائيلية يبلغ عشرة آلاف عنصر فإن الكلفة السنوية لرواتبهم فقط قد تصل إلى 100 مليون دولار.

ويضعف من إمكانية قبول إيران بالفكرة الروسية شكوكها المتزايدة اتجاه موسكو والتي باتت تشعر بالامتعاض من وجودها عسكريا  حيث ترى طهران أنه بعد تعزيز وجود النظام  ترغب موسكو فى الحفاظ على المكاسب التي حققتها على الأرض منذ تدخلها في 2015 فالحرب في سوريا قد وضعت أوزارها وفقا للمنظور الروسي  واستمرار الوجود الإيراني من شأنه عرقلة عملية السلام في ظل وجود فيتو غربي لذلك تبدو عازمة على حل الأزمة بمشاركة الدول الغربية وإزاحة  إيران من المشهد برمته.

إيران قد تفضل التريث في دراسة الخيار الروسي مدفوعة كذلك بمخاوفها من أن  إبرام اتفاق في الفترة الراهنة قد يجبرها على تقديم مزيد من التنازلات ليست بحاجة إليها الآن , وفقاً لرؤيتها , حيث يرى نظام طهران أنه لا يزال يملك آليات لمواجهة الضغوط الأميركية خاصة مع فهمه الخاطئ لما تضمنته الحزمة الثانية من العقوبات والتي اشتملت على إعفاء 8 دول من العقوبات على وارداتها النفطية من إيران ، مما قد يضعف من قدرة الإدارة الأمريكية على بتصفير صادرات النفط الإيرانية، وبالتالي قد تفضل الانتظار لفترة حتى تقبل بالصفقة فضلاً عن التوجسات الإيرانية من مدى التزام واشنطن بأي اتفاق جديد والتي ترى أن احتمالات انسحابها منها ممكنة على غرار ما حدث بالاتفاق النووي السابق في ظل عدم وجود ضمانات لرجوعها عنها .

الإدارة الأميركية قد تطرح الفكرة جانباً , حيث ترى هي الأخرى ,أن سياسية الضغوط القصوى قد أتت ثمارها مع كوريا الشمالية وأنها قد تفضي لنتائج ملموسة في مسار تعديل السلوك الإيراني ,فعلى الرغم من أن  واشنطن ربطت سحب قواتها من سوريا بانسحاب إيران الكامل من هناك  غير أن هناك قضايا أخرى ذات أولوية بالنسبة للإدارة الأميركية أبرزها قدرات إيران التصنيعية العسكرية والتي تتزايد شكوك واشنطن إزاء محاولات إيران الالتفاف على الاتفاق النووي الحالي و تطوير جانب سري عسكري من برنامجها النووي.

صفقة المقايضة.. عنوان عريض خالٍ من التفاصيل إذ لم يحدد المقصود من انسحاب إيران من سوريا وهل يعنى خروج المستشارين الإيرانيين أم الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية أم حزب الله  ؟! يبدو أن الأفكار الروسية لا تستوعب تعقيدات التواجد الإيراني في دمشق والذي تغلغل داخل المؤسسات الأمنية والاستخباراتية .