الرئيسية » تقارير ودراسات » روسيا بوتين ..ماذا وراء تحريك المياه الفلسطينية الراكدة ؟
تقارير ودراسات رئيسى

روسيا بوتين ..ماذا وراء تحريك المياه الفلسطينية الراكدة ؟

حراك جديد تقوده موسكو بالمياه الفلسطينية الراكدة  يمضى من خلاله بوتين نحو تكريس بلاده كرقم في المعادلة الدولية  حيث تحاول روسيا بأن تلعب دور الوسيط في المصالحة الفلسطينية وربما تسعى لتحل بديلا عن الولايات المتحدة في عملية السلام.

الثقل المتزايد لموسكو ودراستها دعوة الأطراف الفلسطينية لطاولة الحوار يغذيه أن روسيا أضحت لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط، إثر الدور المحوري الذي لعبته في المنطقة وتمكنها من قيادة مسارات العملية السياسية في سوريا وحماية نظام بشار الأسد  فضلاً عن ارتباطها بعلاقات مباشرة مع جميع أطراف الصراع  بدءاً من إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحتى إيران . هذا إلى جانب المرونة التى تبديها روسيا ورؤيتها التي  تحظى باحترام جناحي السلطة الفلسطينية حماس وفتح قد تمكنها أيضاً من التأثير على الأطراف وقوى المنطقة مثل مصر وغيرها فيما يخص المصالحة  بما يعنى أنها قد تمثل  إضافة نوعية بأي حراك سياسي خاصة وأنها لا تنحاز بشكل كامل لإسرائيل .

محاولات روسيا  للإمساك بالعصا من المنتصف أتت ثمارها ومكنتها من طرح نفسها كوسيط بارز فى الملف الفلسطيني  على حساب الولايات المتحدة  والتي احتكرته لعقود طويلة فقد استثمرت حالة القطيعة السائدة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة على خلفية مسألة القدس وأبدت  تحفظات على اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها. كذلك أضفى انفتاح دول حليفة لواشنطن وبعضها من حلف “الناتو” على روسيا وعقد صفقات مهمة مع الأخيرة تشمل شراء أسلحة  مزيداً من القوة  لتحركات موسكو .

 

ملامح الحضور الروسي بالملف الفلسطيني  تتضح من خلال  زيارة الرئيس محمود عباس أبو مازن أمس , كذلك سلسلة اللقاءات  التي وتضمنت عقد جملة من اللقاءات مع الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خلال الأيام الماضية.

لقاء عباس ونظيره فلاديمر بوتين  يكتسب أهمية لاسيما وأنه  يأتي قبيل أيام من  اجتماع قمة ثنائي بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة في هلسنكي في 16 من الشهر الجاري بما يعنى أن موسكو تحاول الوقوف على مستجدات الملف بما فيها وجهة نظر السلطة بشأن العديد من القضايا ذات الصلة ومن بينها حصار غزة ومصادرة الأموال الفلسطينية وأنها ماضية قدما في مساعيها الرامية إلى  أن تلعب دورا متقدما في الملف الفلسطيني

الأنظار اتجهت كذلك  إلى العاصمة الروسية والتي استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو قبل يوم واحد فقط من لقاء أبو مازن ومع أن  المسألة السورية والتخوفات الإسرائيلية من الوجود الإيراني استحوذت على نصيب الأسد خاصة وان موسكو توليه  مكانة خاصة لانخراطها المباشر فيه، غير أن الطرفين بحثا القضية الفلسطينية وسبل إحياء المفاوضات.

زيارة الحركة السياسية الحمساوية  برئاسة موسى أبو مرزوق لموسكو، ولقاء الوفد نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف حظيت هى الأخرى بثقل متزايد في ظل الحصار الذي تتعرض له حماس عربياً ودولياً.  فبالرغم من أن توقيت الزيارة بحد ذاته كان مهماً إذ تزامن مع زيارة الوفد الأميركي برئاسة جاريد كوشنر للمنطقة في محاولة لدفع خطة ترامب التي تواجه صعوبات حقيقية غير أنه بالنسبة لحماس شكل اعترافاً دوليا بدورها خاصة  وان روسيا واحدة من الدول القلائل التي لا تعترف بإرهاب الحركة والتى لديها رغبة فى كسر الحصار وأن تكون طرفاً بأي تركيبة سياسية إقليمية ودولية تخص القرار الفلسطيني   . لكنها بالوقت نفسه  بعثت برسائل إلى الأطراف الدولية مفادها أن الحركة لديها خيارات وبدائل أخرى غير الولايات المتحدة لاسيما بعد توجه الوفد مباشرة إلى طهران بما يؤشر إلى أن حماس سترتبط بمحور إيران مجدداً إذا  لم يتغير الوضع القائم في غزة  .

ومع ذلك  يظل الرهان على تعاظم الدور الروسي  مقابل انحسار نظيره الأمريكي  محل شك متزايد , فمن ناحية الولايات المتحدة وإسرائيل، هذا يمثل لعباً بالنار ربما يكون بمقدور موسكو بالفعل أن تشكل ضغطا حقيقيا على الاحتلال للتهدئة في بعض القضايا السياسية لكنها بكل الأحوال لا ترقى لمستوى أن تكون بديلاً لواشنطن .

إذ أن التحركات الروسية أثارت امتعاض إسرائيل والتي ترفض بشدة أي تدخل وقد سبق واعترضت بشدة على  مساعي أوروبية وفرنسية مماثلة إذ ترغب الأخيرة في إبقاء الملف بيد الولايات المتحدة وفى استئثارها بأى حراك يخص النزاع مع الجانب الفلسطيني  لذلك يرى المراقبون أنه من المبكر الحديث عن طرح روسيا بديلا عن الولايات المتحدة في عملية السلام لاسيما وأن تل أبيب غير راضية عن تلك التحركات والتي لن تحاول إجهاضها بشكل علني ولكنها قد تعمد إلى اتباع سياسة الالتفاف والمراوغة في التعاطي معها  . فالظروف المحيطة بعملية السلام قد لا تؤهل روسيا لتولى مهام الملف كاملة ولكنها قد تتيح لها لعب دور مساعد فقط .

السياسات الروسية الأخيرة يمكن قراءتها في إطار إحياء دورها في الشرق الأوسط بناء على موقف الاتحاد السوفيتي السابق من القضية الفلسطينية والذي كان جزءا لا يتجزأ من المواجهة السوفيتية الأمريكية التي كانت جارية آنذاك خاصة فى الفترة بين 1956 و1990،لذلك يمكن اعتبار الملف الفلسطيني بكافة أطرافه ومعطياته مجرد أداة ومحاولة لتحقيق طموح موسكو بالبقاء في الساحة الدولية استنادا لما كانت عليه فى السابق ,فالخطاب الروسي وإن اختلف فى مفرداته من الناحية الشكلية عن خطابات أطراف أخرى فاعلة غير أنه بنهاية المطاف لا يعدو كونه  أكثر من مناورة ظرفية فرضها تصدرها للملف السوري والذي ربما تطمح في امتداد تأثيره  للساحة الفلسطينية