تمتلك روسيا أسرار الصندوق الأسود الخاص بتشكيل تنظيم “داعش “من المقاتلين الشيشان” ،والدفع به، ليكون نواة لاثارة القلاقل ، وتهديد أميركا ، وحلفائها في منطقة الشرق الاوسط ،واعادة الروس إلى الواجهة ،بعد زوال الاتحاد السوفياتي، فما هى حقيقة الدور المزدوج الذي تلعبه روسيا تحت ستار مكافحة الارهاب، وكيف استطاعت أن تزرع سمومها “الداعشية” في الاراضي العربية ؟
لاشك أن هذا الدور المشبوه الذي تلعبه روسيا في مكافحة الارهاب هو مجرد غطاء لاطماعها الاستعمارية الجديدة في سورية،حيث ذكر مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والسياسة الخارجية الروسي أرسيني سيفيكي، في تصريحات له أنّ موسكو حريصة على إيجاد موطئ قدم لها، على طول الساحل السوري، المطل على البحر المتوسط ، بهدف الاستفادة من مشاريع الغاز ،والنفط الحالية والمستقبلية التي تقوم بها الدول والشركات في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.
حيث ذكرت تقارير استخباراتية أن شركة “سترويترانسجاز” الروسية التي حصلت على امتياز استثمار حقل توينان للغاز، استأنفت أعمال التشييد في الحقل بعد سيطرة “داعش” عليه في مطلع 2014، وبموافقة التنظيم.
وقد سيطرت روسيا عبر التنظيم على مناطق النفط السوري الذي تحصلت على حقوق استغلاله، هذا من جانب ،ومن جانب آخر،تجد روسيا في حربها على الارهاب، فرصة يصفي بها الكرملين حساباته مع أوروبا والغرب ،ردا على فرض الدول الأوربية عقوبات على موسكو، علاوة على الدعم الأوربي لأوكرانيا، وهو الأمر الذي يمنع روسيا من تحقيق أهدافها الرئيسة في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي، لذلك فهناك عدم حرص من جانب الروس على وضع نهاية لتنظيم “داعش”، بل اتخاذه ذريعة للتواجد المستمر على الاراضي السورية،فقد جاء الروس ليبقوا لا ليعودوا أدراجهم .
فقدان الثقة بين الغرب وروسيا
وهذا ما يجعل هناك فقدان للثقة بين الغرب وروسيا ،حيث يخوض الطرفان صراعا مكتوما ،غير واضح المعالم ،فالجانب الظاهر حرب ضد الارهاب ،والجانب الخفي هي مؤامرة تقودها روسيا ضد أميركا وحلفائها، وما يبعد الشبهة عنها أنها معادية للتدين ،فكيف تتعاون معه،مع أن المدقق في جرائم “داعش” يكتشف وجود بصمات روسية.
وبمعنى آخر ، على الرغم من وقوف روسيا إلى جانب الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب إلا أنّ هذا التفاؤل بشأن العمل المشترك بينهما ليس في محلّه، فمن سوريا إلى أفغانستان، بذل بوتين جهودًا لتشجيع الإرهاب أكثر من محاربته ، حيث تبدو روسيا وكأنّها حليفا للإرهابيين في صراعها مع الغرب.
دور روسيا في تأسيس “داعش”
كما أن لروسيا نفوذ على تنظيم “داعش” وغالبية المقاتلين لدى التنظيم يتم تجنيدهم في روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، بل إن قادة “داعش” كانوا جنرالات في الجيش العراقي خلال فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين، و لدى المخابرات الروسية ملفات كاملة عن العديد من قادة تنظيم “داعش” الأمر الذي يثير العديد من الأسئلة حول هدف استخدام تلك الملفات، ولكن روسيا لم تقم بأي جهد يبدد الشكوك حول تلك المسألة ،وبناء عليه يمكننا القول إن روسيا لعبت دورا في تأسيس تنظيم داعش،وتدريب كوادره ،وتسليحه، واستخدامه لتحقيق أهدافها.
ومن أجل توضيح الفهم الخاطئ ،وهو اعتبار روسيا حليفة في مكافحة الإرهاب، يكفي النظر إلى سوريا، فقد كان هدف روسيا منذ بداية الانتفاضة السورية في عام 2011، أن تدعم نظام الرئيس بشار الأسد، وكان ذلك الهدف الرئيسي من تدخل موسكو العسكري في سوريا في سبتمبر 2015، وليس محاربة تنظيم “داعش” أو الجماعات الإرهابية الأخرى.
وكشفت آنا بورشفسكايا خبيرة السياسة الروسية في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن، أنّ معظم الأسلحة التي نشرتها موسكو في سوريا لا تمت بصلة إلى محاربة “داعش”، فقد سمحت وحدات الدفاع الجوي والبحري الروسية المتقدمة لموسكو بتوسيع وجودها وعرض قوّتها، ما يشير إلى أن هدفها الحقيقي هو الحد من قدرة الغرب على المناورة في المنطقة.
وفي هذا الإطار، أشارت تقارير كثيرة إلى أنّ معظم الضربات الجوية الروسية كانت خارج المناطق الخاضعة لسيطرة “داعش”، وقد استهدفت المعارضة السورية أولاً، وفي بعض الحالات، ساهمت هذه الضربات حتى في تعزيز قوة “داعش”.
فضلاً عن ذلك، وبحسب بعض التقارير، أنشأت روسيا غرف عمليات مشتركة في اللاذقية ودمشق،و في نوفمبر 2015، بدأت موسكو تعمل “رسميًا” مع “حزب الله” في البلاد لإقامة قنوات اتصال وربما تنسيق العمليات العسكرية في سوريا، بالرغم من أنّ الوفد الأول لـ”حزب الله” زار موسكو أكتوبر 2011.
وتشير التقارير الأخيرة إلى أن “حزب الله” يقاتل جنبًا إلى جنب مع الجنود الروس في سوريا، ويشير تقرير حديث صادر عن “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي” في يناير 2017، قال أحد قادة “حزب الله” المتمركز في حلب إنّ “علاقتنا مع الروس أكثر من ممتازة”.
والسؤال الملح الذي يطرح نفسه لماذا تتعاون روسيا مع “حزب الله” ،وتنظيم “داعش” وغيرهما من التنظيمات الارهابية ، إن السبب قد عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقوله: “روسيا تسعى جاهدة لإضعاف الموقف الأميركي في المنطقة بهدف إحداث تأثير على الشراكة الأميركية – الإيرانية أو لإجبار الولايات المتحدة على الاختيار الصعب بين علاقتها مع طهران أو الخليج”.
لكن الخبراء الاستراتيجيون في الشأن الروسي يشيرون إلى أن روسيا تهدف من وراء دعمها للتنظيمات الارهابية إلى هدف أكبر هو الاعلان عن عودتها كلاعب أساسي ،وفاعل على مسرح السياسة الدولية.
اضف تعليق