تضاريس الجغرافيا رسمت بعناية أهمية قرغيزستان على خارطة السياسة الدولية حيث رسخت مكانتها كمنطقة ذات أبعاد جيوسياسية بالغة الأهمية,فعبر مسارها التاريخي تنتمي قرغيزستان إلى تلك الفئة من الدول المسماة “الدول العازلة” أو دول “تكسر القوى” حيث تؤدي وظيفة النطاق الفاصل بين القوى الكبرى المتنازعة وانطلاقاً من هذا الموقع التزمت بمبدأ تعددية التوجه في السياسة الخارجية وبذات الوقت النأي عن العزلة الأمر الذى أتاح للدولة الفتية الابتعاد عن “الإقليمية” في تعاملاتها على الساحة الدولية مما حقق قدرا وافرا من التوازن بين الدول الكبرى و المحاور القطبية.
ومع صعود الرئيس القيرغيزي الجديد ، سوراونباي جينبيكوف فى نوفمبر من العام الماضي ،. سعت بشكيك للتأكيد على التزامها بتحقيق توازن قارى مستدام , حيث تعهد الرئيس بعد ثلاثة ايام فقط من تنصيبه بسياسة خارجية متوازنة مع روسيا قد وصفها بأنها “الشريك الاستراتيجي الرئيسي” لبلاده ، لكنه أشار إلى أنه سيسعى إلى تحقيق التوازن في العلاقات مع موسكو ، والصين ، والاتحاد الأوروبي خلال فترة رئاسته التي تستمر ست سنوات.
حرص ” جينبيكوف” على تقوية علاقاته بجميع الأطراف الفاعلة على الساحة الدولية مستمد من العمق الاستراتيجي لبلاده فقد كانت قرغيزستان خلال العصور الوسطى تعزل بين الخلافة الإسلامية والمغول والتتار والقبائل الروسية، و في العصر الحديث واصلت دورها كمنطقة عازلة بين روسيا في الشمال وبريطانيا في الهند من الجنوب، واليوم تؤدي قرغيزستان دورها بين روسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة ثانية
أهمية قرغيزتسان على الخارطة الدولية بدأت فى الصعود ،فى أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر مع انطلاق الحملة الدولية لمحاربة الإرهاب ودخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان في نهاية 2001، لكنها وصلت إلى ذورتها باستئجار واشنطن قاعدة عسكرية في مطار “ماناس” بالعاصمة بشكيك , وقيام موسكو بإجراء مشابه تمثل فى قاعدة جوية في عام 2002 في بلدة “كانت” التي لا تبعد عن شرق العاصمة بأكثر من 20 كم. وكما اعتبرت الولايات المتحدة قاعدة “ماناس” في بشكيك قاعدة لقوات التحالف، فإن موسكو أعلنت أن قاعدة “كانت” ليست روسية وإنما تضم قوات متعددة من منظمة الأمن الجماعي لدول آسيا الوسطى.
حضور “قرغيزتسان ” فى المجتمع الدولى يمكن استشعاره عبر عدة مستويات حيث تعمل بشكل فعال في الهيئات و المنظمات الأوروبية والآسيوية ومنظمة شانغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي ، والاتحاد الاقتصادي فضلاً عن أنها عضو في الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا .كما انخرطت في المبادرة العالمية لمكافحة الإرهاب النووي ودعمت الجهود التي تبذلها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل تعزيز نظام الضمانات الدولي.
العلاقات مع الاتحاد الأوروبي
كان الاتحاد الأوروبي وجمهورية قرغيزستان شريكين منذ استقلال البلاد في عام 1991 ، مما زاد من تعاونهما ومجالات التفاعل بينهما .إذ حددت اتفاقية الشراكة والتعاون (PCA) ، منذ عام 1999 ، ثلاثة أركان رئيسية للتفاهمات وهى الحوار السياسي ، والعلاقات الاقتصادية والتعاون في مجموعة متنوعة من القطاعات ، مثل العلوم الاجتماعية والمالية والعلوم والتكنولوجيا والثقافة. وفى ديسمبر 2017 استبدلت اتفاقية الشراكة والتعاون بأخرى حديثة وعصرية ترمى إلى تقوية الروابط بين بشكيك والاتحاد الأوروبي
كما دعم الاتحاد الأوروبي الانتقال الديمقراطي في جمهورية قرغيزستان , ففي أعقاب الاشتباكات العرقية في عام 2010 ، سارع الاتحاد الأوروبي إلى حشد الأموال لدعم الإصلاح المؤسسي وتوطيد الديمقراطية ، وساعد المجلس الدستوري في إعداد دستور جديد للبلاد .
الولايات المتحدة والسياسة الخارجية لقرغيزستان
على الرغم من التوتر الذى شاب العلاقات بين البلدين عقب إغلاق قرغيزستان قاعدة عسكرية أمريكية فى عام 2014 وإيقاف بشكيك فى عام 2015 معاهدة تعاون ثنائية وقعتها الدولتان في عام 1993 احتجاجاً على منح واشنطن جائزة الدفاع عن حقوق الإنسان لعام 2014 لسجين قرغيزي تم اعتقاله بسبب مساهماته في المواجهات العرقية في جنوب قرغيزستان عام 2010 . غير أن الولايات المتحدة تعد محوراً رئيسياً في السياسة الخارجية لقرغيزستان, فبعد ثلاثة أشهر زار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قرغيزستان في محاولة لتهدئة العلاقات الثنائية . وترتبط كل من واشنطن وبشكيك بعلاقات منذ عام 1991 عقب الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي فضلاً عن ذلك فقد ساعدت الولايات المتحدة جمهورية قرغيزستان على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) في ديسمبر 1998 حيث تعد أقرب شريك لها في آسيا الوسطى .
ما بين بشكيك و موسكو
تعتبر قرغيزستان تنمية العلاقات مع روسيا من المجالات ذات الأولوية في سياستها الخارجية ، حسبما قال الرئيس سورنباي جينبيكوف في اجتماع للمجلس الوطني للتنمية المستدامة في بيشكيك الاثنين .وبينما اشتكت جمهوريات آسيا الوسطى الأخرى في بعض الأحيان من التدخل الروسي ، فإن قرغيزستان لا تزال ترغب في كثير من الأحيان في الحصول على المزيد من الاهتمام والدعم من موسكو.ومنذ عام 2003 ، تمركزت وحدات سلاح الجو الروسي في قاعدة كانت الجوية شرق بشكيك . في 20 سبتمبر 2012 . كما وقعت روسيا وقيرغيزستان اتفاقية يسمح فيها لروسيا بامتلاك قاعدة عسكرية مشتركة في قيرغيزستان لمدة 15 عامًا اعتبارًا من عام 2017. وقد تم توقيع الاتفاقية في بيشكيك بين فلاديمير بوتين والمظبي أتامباييف . وصرح بوتين بأن القاعدة العسكرية المشتركة ستكون عاملاً مهمًا يزيد من الاستقرار في البلاد والمنطقة برمتها. هذا و أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين قيرغيزيا وروسيا الاتحادية “مارس،آذار عام 1993
أيضاً، تظل قرغيزستان كدولة لها حدود مشتركة مع تركستان الشرقية ، مضطرة إلى بناء علاقة متوازنة مع محيطها الإقليمي، ودوله الرئيسة، الصين، تركيا.. ومع الصين تحديداً يبدو أن الأمر يفوق حالة “الاضطرار”، فالنفوذ الصيني في البلاد يزداد في ظل حرص الصين على أن تطوق تركستان الشرقية دمن جهة الشمال الغربي (قرغيزستان)، لذا؛ فقد صارت الصين في الآونة الأخيرة هي أكبر مورد وثاني أكبر شريك تجاري للبلاد،
لقد تمكنت جمهورية قرغيزستان عبر انتهاج سياسات متوازنة من الوقوف على مسافة واحدة من جميع القوى الدولية لتساهم بشكل غير مباشر فى حفظ السلام والاستقرار العالمى . فالموقع الاستراتيجي لقرغيزستان في العقد الأخير كان يتطلب أحد خيارين، إما التحالف الصريح مع قوة أمريكية أو روسية والتحول من دولة “عازلة” إلى دولة “تابعة” تحظى بالحماية، أو حفظ التوازن وضمان استقلاليتها وقد استطاعت بشكيك التأكيد في الآونة الأخيرة، أمام المجتمع الدولي، أنها دولة ديموقراطية ذات نظام سياسي مستقر
اضف تعليق