لاأحد يمكنه الزعم أن إيران قد أوجدت الحوثيين من العدم ..لكن المؤكد أنها قد استغلت تسارع الأحداث فى الشارع اليمنى عقب الربيع العربى وساندت الحركة التى عرفت فيما بعد بـ” أنصار الله” لتكون بديلاً جاهزاً لحمل راية الدفاع عن المصالح الجيوسياسية للنظام الملائى فى المنطقة ومن ثم يتم تفعيله وقت الضرورة لاسيما وأن تجربة حزب الله في لبنان تعد نموذجا مثالياً و ناجحا .
فعندما بدأ الحوثيون في إطلاق طائرات بدون طيار وصواريخ وقذائف على إسرائيل وحركة المرور البحرية في البحر الأحمر، كان من الطبيعي أن نتساءل عما سعت الجماعة إلى تحقيقه. ففي نهاية المطاف، ليس لليمن أي مصالح ملموسة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما أنها ليست قادرة على جني أي فائدة مادية من مضايقة الشحن الدول.
هنا قد يكون من المفيد تتبع الشواهد التى تؤشر إلى محاولات إيران استنساخ حزب الله آخر حيث تعود بجذورها إلى مرحلة ظهور الجماعة كقوة فاعلة ،حيث شرعت طهران فى دعهم بمواجهة الحكومة اليمينة بوسائل متنوعة، اتخذت فى البداية طابعا مالياً وسياسياً وقد صرح المسؤولون الإيرانيون في ذلك الوقت بأن دعمهم للحوثيين جاء في إطار “المقاومة ضد الهيمنة الغربية
وقددمت إيران للحوثيين صواريخ باليستية وطائرات مسيرة متطورة. هذه الأسلحة جرى استخدامها في هجمات على منشآت نفطية سعودية، على غرار الهجوم الذي وقع في سبتمبر 2019 على منشآت شركة أرامكو . هذا التطور كان يمثل تحولًا استراتيجيًا نحو استخدام الحوثيين كقوة ردع جديدة ضد خصوم إيران في المنطقة. إذ أظهرت العديد من التقارير الاستخباراتية أن إيران قامت بتدريب الحوثيين على استخدام الأسلحة المتقدمة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة. هذا التعاون يتضمن أيضًا تبادل المعلومات الاستخباراتية، مما يعكس مستوى عالٍ من التنسيق بين الطرفين
ومع تزايد الضغوط على حزب الله نتيجة الوضع الداخلى فى لبنان وجدت طهران في الحوثيين فرصة لتعزيز نفوذها في اليمن، والذي يُعتبر موقعًا استراتيجيًا في البحر الأحمر يمنحها قدرة على تهديد الملاحة البحرية في المنطقة، مما يُظهر كيف يمكن للحوثيين أن يعملوا كأداة ردع في سياق أوسع من الصراعات الإقليمية. بمعنى أخر فإن التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها لبنان قد تجعل الحزب أقل قدرة على القيام بدور فعال في الردع. في المقابل، يوفر الحوثيون لإيران منصة أكثر مرونة وسرعة للتفاعل مع التهديدات الإقليمية مما يجعلهم بديلاً ملائماً .
ظهور الحوثيين كخيار استراتيجى تجلى بشكل واضح فى حرب غزة ,فقد بدأ الحوثيون في توجيه تهديدات مباشرة إلى إسرائيل، مما يعكس تحولًا في الاستراتيجية الإيرانية. هذه التهديدات تُعتبر جزءًا من الحرب النفسية التي تمارسها إيران، حيث تهدف إلى إرسال رسالة مفادها أن طهران قادرة على توجيه ضربات إلى العمق الإسرائيلي من خلال حلفائها. هذه الديناميكية تجعل الحوثيين جزءًا أساسيًا من استراتيجية الردع الإيرانية. وقد عمدت طهران إلى استثمارهم وتمكن الحوثيون بالفعل من خلال موقعهم الاستراتيجي من تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر وإطلاق الصواريخ على إسرائيل
كما سعت إيران لتعزيز القدرات العسكرية للحوثيين من خلال توفير تقنيات حديثة، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة. هذه التقنيات تعزز من قدرة الحوثيين على تنفيذ عمليات عسكرية معقدة، وتعتبر تهديدًا مباشرًا لخصوم طهران لذا فإن القدرة على تنفيذ عمليات عبر الحدود باستخدام هذه التكنولوجيا يمكن أن تجعل الحوثيين لاعبًا رئيسيًا في أي صراع محتمل
ويستخدم الحوثيون خطابًا إعلاميًا يشبه ايضاً الحزب ، حيث يروجون لفكرة المقاومة ضد العدو المشترك. تصريحات قادة الحوثيين تشير إلى دعمهم للقضية الفلسطينية ورفضهم للاحتلال الإسرائيلي. هذا الخطاب يعزز من موقفهم كبديل لحزب الله، ويجعلهم جزءًا من محور المقاومة الذي تدعمه إيران.
والمتتبع لخطابات عبد الملك يلمس تغيرا واضحاً بها, قبل ثورة فبرايركانت خطاباته معادية للولايات المتحدة ذات صبغة حماسية يستلهمها من قضايا الأمة ومظالم الزيدية . لكن فى أعقاب ثورة 2011 وتحديداً فى عام 2014 بدأت لغة الخطاب فى التحول بشكل تدريجي واتسمت بالقوة والثقة وأخذت طابع الزعامة .فهو الآن يلعب دور البطولة ويتحدث ويتفاوض باعتباره الرجل الأول .
مفردات خطب القائد الحوثي لا تخلو من تأثر بمفردات حسن نصر الله مثل مفردة “الطاغوت”في الاشارة للظلم. ، أو مفردات دينية متداولة بشكل أوسع مثل الحق والباطل، الجهاد، الولاية . هى أيضاً خطابات طويلة ومرتجلة يبدأها بقضايا الأمة وإسرائيل ثم ينعطف خلالها إلى السياسات الداخلية مستخدماً فن التشويق الإعلامى عبر التهديد باتخاذ خطوات تصعيدية لاحقة ,فى تقمص واضح لشخصية زعيم حزب الله .
وبأسلوب مماثل لنصر الله يمزج الحوثي لغة حازمة مستخدما نفس الطبقات الصوتية مع ايماءات تتأرجح مابين الجدية والابتسامات الساخرة , يلوح بسبابته اليمنى بينما يزين خنصره خاتم من الفضة والعقيق رغم حرصه على تأكيد هويته اليمنية من خلال ارتداء الزى التقليدى الجنبية ووضع كوفيه على كتفيه. . ويعمد عبدالملك إلى استنساخ حتى الكادر التلفزيوني الذي يظهر فيه نصر الله ولا يظهر في الاجتماعات أو المناسبات العامة إلا عبر الشاشات ، يتحصن في معقله بمسقط رأسه ، وتبث كلماته من مكان مغلق.
من الواضح أن إيران تستبدل حزب الله بالحوثيين كأداة رئيسية للردع، مستغلة التحولات الإقليمية والمواقف السياسية. ومع استمرار الصراعات في المنطقة، يبقى الحوثيون في طليعة استراتيجية إيران في مواجهة خصومها، مما يطرح تحديات جديدة أمام القوى الإقليمية والدولية.ويزيد من تعقيد التوازنات السياسية والأمنية في المنطقة.
اضف تعليق